الآلاف من الشباب السوري اعتقلوا وعذّبوا في المعتقلات والسجون التابعة للنظام، فيما قتل الكثير منهم تحت التعذيب هناك.
وعن ذلك ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ عدد المعتقلين السوريين الموثقين لديها، الذين قضوا تحت التعذيب بلغ 5396 معتقلا، بينهم 94 طفلاً و32 امرأة. كما كان من بينهم أطباء ومدرسون ومهندسون وطلاب جامعيون. ولم يقتصر الأمر على الشباب فقط، بل امتد إلى فئات عمرية مختلفة، تصل أحياناً إلى حد اعتقال الكهول وتعذيبهم.
يقبع في سجون ومعتقلات النظام أكثر من 215 ألف سوري، بحسب الشبكة. كما أنّ هناك 85 ألف سوري غيّبتهم الأجهزة الأمنية قسراً. وتعرضت الغالبية العظمى من المعتقلين إلى عمليات تعذيب يومية، أدت في كثير من الحالات إلى الموت.
وتروي أمل عبد الكريم (25 عاماً)، التي اعتقلت من كلية طب الأسنان في جامعة حلب، مشاهداتها في فرع الاستخبارات الجوية بحلب. تقول الشابة: "كانوا يومياً يخرجونني إلى بهو الطابق الأول تحت الأرض حيث يتم تعذيب المعتقلين. هناك كانوا يعلقون أكثر من عشرين شاباً بقضيب حديدي مربوط بالسقف. أغلب الشبان كانوا غائبين عن الوعي، وأجسادهم كانت مغطاة بالدماء التي تسيل من ظهورهم وبطونهم بسبب الضرب الشديد".
تضيف أمل: "هناك شاهدت شخصاً أعرفه، هو طالب كلية الطب البشري في جامعة حلب محمد سامي البيوش، كان يئن من الوجع بسبب الضرب الشديد. وعلمت في ما بعد أنّ أهله تسلموا جثته مع اثنين من رفاقه، الذين فارقوا الحياة تحت التعذيب أيضاً".
تتراوح أساليب التعذيب المؤدي للوفاة في سجون النظام السوري بين الضرب المبرح، والتعذيب بالكهرباء، والتعذيب بحقن الكحول في الوريد، والتعذيب بالحرق، والتعليق لأيام من اليدين أو الرجلين بشكل مقلوب. وتؤدي معظم هذه الأساليب إلى وفاة المعتقلين، بسبب توقف الدماغ نتيجة التعرض للكهرباء، أو السكتة القلبية، أو النزف الشديد.
ويتحدث أحمد حوراني الذي أفرج عنه مؤخرا من الفرع 215 التابع للاستخبارات العسكرية السورية في منطقة كفرسوسة وسط دمشق، لـ"العربي الجديد"، عن حالات التعذيب المفضية للموت والتي شاهدها في الفرع المعروف بفرع الموت. يقول: "غالبية المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب تنتج وفاتهم عن احتقان في الدماغ، يؤدي إلى حالة يطلق عليها المعتقلون اسم: الفصل، وهو ما يشير إلى انفصال المعتقل عن الواقع بسبب الألم الشديد. ومع استمرار الحالة يغيب المعتقل عن الوعي بشكل كامل، وسرعان ما يموت بعد ذلك". يضيف أحمد: "كنا نسكب الماء على المعتقل الداخل في حالة الفصل هذه، ونضربه كي يستعيد وعيه، فننجح في بعض الأحيان".
كما يشير إلى أثر آخر للتعذيب، ويقول: "جميع المعتقلين الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب كانت أجسادهم هزيلة، يفقدون معظم وزنهم قبل مفارقتهم الحياة، بسبب توقفهم عن تناول أي طعام يقدم لهم، نتيجة حالة الفصل والهستيريا التي يصابون بها، بسبب التعذيب الشديد".
بدورهن، فإنّ النساء المعتقلات في سجون النظام السوري يتعرضن أيضا لأنماط تعذيب قاسية، أفضت إلى وفاة عشرات منهن. وتحدث تقرير لمركز توثيق الانتهاكات في سورية عن وجود الكثير من المعتقلات السوريات في الفرع 261 الموجود في حي المحطة في مدينة حمص وسط سورية. وتعرضت العشرات من النساء للضرب والتحرش الجنسي والاغتصاب الجماعي من سجاني الفرع.
تتجنب قوات الأمن السورية التي تعذب المعتقلين في السجون والمعتقلات التابعة لأجهزة الاستخبارات، ضربهم على رؤوسهم. فهناك احتمالات لتعرض المعتقلين للوفاة مباشرة، وهو ما لا يرغب فيه السجانون.
يتحدث مروان العياري عن هذه السياسة المتبعة في سجون النظام السوري، والتي لمسها أثناء وجوده في فرع الاستخبارات العسكرية السورية، المعروف باسم فرع فلسطين وسط دمشق، فيقول: "بعد أن يصل المعتقل إلى حالة صحية رديئة جدا، بسبب النزيف الحاد المستمر أو بسبب المشاكل العصبية الناتجة عن الألم الشديد، ينقله الفرع إلى مستشفى تشرين العسكري شمال دمشق. وهناك يعالج المعتقلون الذين تردت أوضاعهم الصحية تحت التعذيب الشديد من دون أن يعترفوا بالتهم التي نسبتها أجهزة الاستخبارات لهم. وبعد معالجة المعتقل وتحسن حالته، يعاد مجدداً إلى فرع الاستخبارات الذي جاء منه، ليتعرض مجدداً لتعذيب شديد يفضي إلى وفاته، خاصة إذا أصر على عدم الاعتراف بما يريدون".