30 ديسمبر 2021
الموت على ارتفاع منخفض
لم يكن النوم قد غلبني بعد، رغم أن الوقت قد جاوز الفجر بكثير. فَتَحتُ شيش البلكونة محدثاً ضجة في نصف السكون المحيط. لم تكن الشمس قد اكتمل إشراقها، لكن النور كان قد بسط بهجته على الحارة وما حولها. هزتني نسائم الصباح فمِلت بجسمي على حاجز البلكونة مسندًا قدمي إلى قضبانها الحديدية. استدرت عائدًا إلى الغرفة، أحضرت «الووكمان» أو التسجيل أبو سماعات كما تحب أمي أن تدعوه، وضعت السماعة في أذني وأدرت شريطا لمحمد منير. طربت وأخذت أتمايل غارقًا في تفاصيل الأوركسترا الصباحية التي تعزفها حارة سمكة كل صباح.
وجوه الأطفال المحمرّة بفعل هواء الصباح البارد، أعينهم التي لم يَمْحُ الماء والصابون أثر «عُماص» الأحلام منها، أياديهم القابضة على أكياس الساندويتشات التي تضيق حقائبهم الصغيرة الرثة عن حملها خوفًا من تلوث الكراريس، خطى بعضهم متثاقلة، وخطى البعض الآخر فَرِحَة متلهفة ليوم صاخب، بعضهم يسير بصحبة أمه تجرّه وراءها وهي تلقي نظرات سريعة على هندامه، ربما تمتد يدها لتعيد خصلة شاردة، أو تشد بنطالا متهدلا، لكن تعجلها لا يلقى ترحيبًا أو تجاوبًا. البعض الآخر يفرغ طاقته البكر في ركل أحجار الطريق، ونصب الكمائن المتقنة للقطط النعسانة، في حين يهدر صوت ماكينة الطعمية من محل عم نبوي الذي لم يستقبل كل زبائنه بعد.
يدعي عم نبوي دائمًا أنه أحسن صنايعي فول في مصر حسبما شهد له أنور السادات الذي أصبح بعد سنوات طويلة من شهادته لعم نبوي حاكمًا لمصر. يقول لك عم نبوي ذلك إذا كنت زبونا جديدا وهو يشير إلى الحائط خلفه حيث عُلِّقت صورة له مع السادات الذي لم يكن وقت التقاط الصورة من أشيك 10 رجال في العالم. عم محمود صاحب محل الفول المنافس في الطرف الآخر من الحارة يزعم أن قصة عم نبوي مكذوبة من ساسها لراسها، لأنه إذا كان السادات وقتها «فسلا» لا أهمية له، فما الذي دعاه للتصوير مع نبوي؟ – يقولها من غير لقب عم – أو بمعنى أصح لماذا تحمس نبوي للتصوير معه؟! ومن أين جاء المصور أساسًا؟! خاصة أن حارة سمكة التي كان نبوي ينصُب فيها عربته، قبل أن يفتحها الله في وجهه ويفتح دكانًا، لو دخلها مصور بجردل لكان ذلك حدثا مشهودا في تاريخها.
«روح لأم راوية - يقول عم محمود قاصداً أم راوية مؤرخة الحارة - واسألها.. عُمْر مصور دخل حارة سمكة واقطع بتاعي لو قالت لك حصل.. الصورة يا ابني مضروبة – يواصل عم محمود في حرارة- ثم مال الفول ومال صور الرويسا.. أنا شخصيا عندي صورة مع عبد الناصر.. وأظن ده ما حدش يقدر ينكر إنه كان بيتصور مع اللي يسوى واللي ما يسواش.. تسألني ليه ما أعلقهاش في المحل.. أقول لك ابقى بقلل من قيمتي ومن قيمة الريس عبد الناصر.. كنت أعلّق صورته الله يرحمه لو كنت جزار ولا حلواني.. حاجة تليق بمقامه.. مش محل فول.. عيب يا ابني.. أنا بافهم في الأصول.. وبعدين نبوي ده نخّيع وابن وسخة.. عشان شايف الزمن ده زمن السادات ورجالته.. ما كل دول كانوا رجالة المرحوم.. عشان كده معلّق صورة مضروبة ليه مع السادات.. إنما أنا لو علقت صورة عبد الناصر دلوقتي، الزباين هياكلوا ضرب على قفاهم بدل ما ياكلوا فول.. إوعى تفتكر إني باكره السادات.. ده كان حبيبي، ومحمد نجيب حبيبي.. بس انت عارف إحنا ما كانش ينفع لنا غير الملك فاروق.. إحنا ناس ولاد كلب».
ولن تجرؤ طبعا أن تردد اتهامات عم محمود على مسمع من عم نبوي، أو حتى تثير تساؤلا حول ما إذا كانت الصورة مضروبة، لأنك انت الذي ستخرج مضروبا بمغرفة الفول.
أخرجني صوت عزة من سَرَحاني مع السادات وعم نبوي وعم محمود. صباح كل يوم يخرجني صوت عزة من سَرَحاني مع أحد. تأتي عزة مسرعة من آخر الحارة بسنواتها السبع العجاف وبزيها المدرسي الكحلي تستحث أخاها حسن الذي يسير خلفها متباطئا يجرجر حقيبته التي بهتت ألوان العلم الأمريكي المطبوع عليها. تقف أمام المنزل المجاور لمنزلنا. تضغط الجرس الأحمر الصغير. ثم ترفع رأسها إلى نوافذ المنزل. لا يظهر أحد. تواصل ضغطها على الجرس متململة. تأخذ في النداء بصوت حاد متموج: «ياسمييييين» عندما تيأس من مفعول الجرس.
من نافذة الدور الثالث تطل ياسمين بقميصها الوردي وجسدها الضئيل. مفارقة النوم بصعوبة. تشير مرحبة بيد.. وتفرك عينيها بالأخرى.
- صباح الخير يا ياسمين.
- إصباح الخير يا عزة.. هيه الساعة كام؟
- اتأخرنا يا حبيبتي.. بقت ستة ونصف.. ابقي حصليني.
- ماشي يا ياسمين.. متشكرة قوي.
كل يوم تبدو جميلة عيونها النصف يقظة وهي تغلق النافذة.
حوّلت نظري إلى قفص الطيور الكبير المثبت في البلكونة المواجهة أسفل بيت ياسمين. شغوف أنا دوماً بالنظر من خلال ثقوب السلك المعدني الصدئة إلى الببغاوات الثلاثة الذهبية التي تسكنها. تبدو لي جميلة النقاط الخضراء، التي تملأ رؤوسها وأجنحتها، ربما خدعني النظر فقد لا تكون النقاط خضراء، لكن المؤكد أن الببغاوات ذهبية. كان اختيالها الصاخب في القفص مثيرا للبهجة. لم تكن أصواتها جميلة لكنها كانت تبدو متناغمة نوعًا ما مع زقزقة العصافير وهديل الحمام وهدير ماكينة الطعمية وصياح الديكة التي افتتحت أوركسترا الصياح منذ ما قبل طلوع الفجر مستلمة وردية العمل من الكلاب النابحة طول الليل.
حط على حافة البلكونة قريبًا من القفص عصفوران رماديان - منظرهما البائس وخبرتي في التعرف على الفقراء يؤكدان جوعهما منذ أمد بعيد - اقترب أضألهما من القفص في قفزات هادئة. غرّه وقوف الببغاوات على أعمدة خشبية مثبتة في أعلى القفص الواسع. طار متعلقا بالحافة السفلى للقفص. بعد ثوان لحقه رفيقه. طمأنهما سكون الببغاوات اللواتي شغلهن تنظيف ريشهن - جزمت من فترة أنهن إناث.. ربما لجمالهن الزائد على الحد- أخذ العصفوران ينقران الحب المتناثر على أطراف أرضية القفص بينما يتأرجح جسداهما بخفة وبهلوانية مؤديان حركات يعجز عن أدائها عتاولة السيرك القومي بالعجوزة.. لم يكادا يهنآن بابتلاع حبة أو حبتين حتى انقضت عليهما الببغاوات الثلاث ينقرنهما بوحشية فيما يطولونه من جسديهما. صمد العصفوران لوهلة محاولين تكبد عناء النقر ومواصلين تناول طعاميهما.. لكن نقرتين في عيني كل منهما أطاحت بهما بعيدًا عن القفص مصدرين صيحة ألم – هكذا أظنهما فقد كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوتا كهذا يصدر عن طير - واختل توازن العصفورين المسكينين وتأرجحا في الهواء قبل أن يستعيدا ذاتيهما كعصفورين ويطيرا بخفة مستقرين فوق سور البلكونة المواجهة للقفص..
«الحقيني يا إصلاح.. أبويا مات يا إصلاح.. مات وقلبه غضبان عليكي يا واطية».. هكذا جاء صوتها يسبقها داخلا إلى الحارة حاملا مزيجا من الحزن والتشفي والاحتياج للمشاركة. من بعده دخلت إلى الحارة اعتدال أخت زوجة صاحب شقتنا عبد الواحد، أو «عبد الواحد عدو الله» كما كنا نسميه. دخلت مولولة.. متشحتفة.. مِنَعكِشة.. داعية على أختها.. ومستنجدة بها.. وشاتمة زوجها الذي أوغر صدرها على أبيها وفرق بينها وبينه. وما هي إلا لحظات وانبرت لها أختها مولولة متشحتفة هي أيضًا، تنكش شعرها، وتشق هدومها، وتدعو على زوجها الذي أوغر صدرها على أبيها وفرق بينها وبينه عشان يستفرد بيها ويكوش على فلوسها ودهبها.
بمجرد أن وصلت إصلاح إلى أختها، فاجأتها أختها بأن رقعتها قلمًا، سمعت الحارة كلها صوته مجسمًا، لم يكن وقت مثل هذا جديرا بقلم مثل هذا، لكن إصلاح تقبلته في صمت، ربما لأنها تعلم داخلها أنها تستحقه لسبب ما لا يعلمه إلا الله وهي وأختها، وربما أبوهما رحمه الله، وربما أمهما ربنا يديها الصحة، وربما آخرون لا يعلمهم إلا الله، ودون أن تمر فترة زمنية كافية لاستيعاب القلم الذي أكلته إصلاح على خِلقتها، ارتمت أختها في حضنها وأخذتا تتمرمغان في أحزانهما سويا. بعد قليل خرج عبد الواحد ينفض عن وجهه آثار الصباح الأغبر، يحاول أن يبدو حزينا ويرفع صوته بما يقال عادة في مناسبات كهذه، محاولا أن يعلو صوته على صوت اعتدال التي أخذت تلعن سنسفيله وسنسفيل جدوده الأوساخ.
بعد لحظات من شحذ الهمم، عاد العصفوران الفقيران للانقضاض على القفص، مستغلين ما ظناه خمولا من الببغاوات الثلاث اللواتي توقفن للحظات عن الأكل، ربما ظن العصفوران المسكينان هذا التوقف شبعا، لكنه لم يكن كذلك، أو لعل هذا ما أدركاه عندما انقضت عليهن الببغاوات بشراسة أعتى هذه المرة. لم يكن لهذه الشراسة مبرر بعد كل ما أكلته الببغاوات من أكل هو بالتأكيد زائد على حاجتهن، خاصة أن كل ما كان العصفوران سيصلان إليه بمنقاريهما الضئيلين لا يتجاوز حبات قليلات يمكن عدها على أصابع أرجل الببغاوات، هي الحبات التي استقرت على حافة القفص الخشبي العريض. كان واضحا لكل ذي عينين أن الموضوع لا علاقة له بالأكل أو بالجوع أو الشبع، هناك ضديات تكنها الببغاوات لهذين العصفورين المسكينين، ضديات فلسفية لا يمكن فهمها إلا من خلال تقمص شخصية ببغاء محبوس في قفص لفترة طويلة ينظر إلى عصفور طليق يسعى في مناكب السماوات. الجوع الكافر هو الذي خيل للعصفورين المسكينين أنهما يمكن لهما أن يتحملا ضربات مناقير الببغاوات التي لم أكن محتاجا لأن أكون عصفورا لأدرك مدى إيلامها، فصوت هذه المناقير عندما يضرب في خشب أرضية القفص يصلني واضحا قويا، أنا الذي تفصلني عن القفص أمتار، فما بالك لو وقعت هذه الضربات على قليل من اللحم المكسو بالريش، ولذلك أستطيع أن أجزم دون حاجة للتمعن أن ما ظننته دمًا يسيل من العصفورين اللذين عجزا عن الاحتمال وابتعدا عن القفص، هو دم بالفعل.
صوت ماكينة الطعمية أصبح الآن أضعف بعد أن غطت عليه أصوات نواح اعتدال وإصلاح، وابتهالات «عبد الواحد عدو الله» لربه بأن يرحم الفقيد اللي اتخطف. بين الحين والآخر ومن بلكونة هنا وشباك هناك تأتي تعزية أو مواساة، أو صويط مجاملة، أو دعوة بالرحمة، أو سؤال عن موعد صلاة الجنازة ومكان العزاء.
فجأة خرجت أم عبير من باب العقار – أحسب أن هذه الكلمة هي الأصدق حالا في وصفه؛ فالذي نسكنه ليس عمارة ولا بيتا.. هو ربك والحق خطأ معماري شنيع لا يمكن المداراة عليه إلا بوصفه بالعقار – على أية حال، أرجوك، لا تستهن بي لأنني قررت أن أقطع لك الحكاية بهذه الجملة (فجأة خرجت أم عبير). لا تقل لي: ومن هي أم عبير هذه التي تستحق هذا الدخول الملحمي! ففي حارة سمكة لا يعذر المرء بجهله، إذا تعلق الأمر بـ«أم عبير» التي يحسب الجميع لها ألف حساب لأسباب عديدة، على رأسها أو أهمها أو لعله السبب الوحيد أن لها شخرة تُدخل الرهبة في النفوس، لا تسلني: كيف؟ لأنني سأقول لك إنها شخرة لا يمكن تجسيدها في كلمات قليلة. ينبغي لك أن تسمعها لكي تتبين أثرها المعنوي الذي يباغت أجدعها شنب ويجعله يفكر ألف مرة قبل أن يرد على أم عبير أو يدوس لها على طرف. أذكر هنا أن أحد شباب الحي قال يوما ونحن نجلس على القهوة نراقب خناقة من خناقات أم عبير، إنه يتعجب كيف أن الدولة لم تنتبه خلال الحروب الماضية التي خضناها مع إسرئيل إلى أهمية حنجرة أم عبير كسلاح معنوي، كان من الممكن أن يكون أجدى لنا من صوت أحمد سعيد وأغنية «أصبح عندي الآن بندقية»، ولم يكن يتريق بالمناسبة، بل كان له خطة متكاملة للأمر هي أن تخصص إذاعة موجهة إلى جنود العدو – باعتبار ما كان – تذيع شخرة أم عبير بتنويعات مختلفة وبتونات صوتية مختلفة طيلة فترة البث، وابقى قابلني لو استطاع أحدهم أن يصمد لأكثر من يوم دون أن ينهار ويطلب العودة إلى موطنه الأصلي تاركًا أرض الأجداد للأحفاد.
لا تقل لي إن هذا ليس موضوعنا الآن، بالعكس كان يجب أن أستطرد لك في شرح الأمر لكي تكون في صورة الحدث الذي سيحدث بعد قليل..
خرجت أم عبير ومن خلفها عبير – أكثر الخراتيت البشرية جمالًا – ومن خلفهما المِنَجِّد الذي يحمل مرتبة قطنية لم يسعفه الوقت لكي ينتهي من إنجازها بالأمس، ولم يعد أمامه من بد سوى أن ينتهي منها اليوم طبقا لــ«الإسكيديوال» الموضوع له من أم عبير، التي لن تسمح لأمثاله بأن يعطل ولو للحظة ترتيبات استعدادها لزفاف ابنتها التي سيفك الله عقدتها أخيرا بعد أن وجدت الكيّال النِتِن الذي يقدِّر فولتها المسوسة حق قدرها.
زغرت أم عبير للثلاثي الحزين الذي يكاد يسد مدخل باب العقار حيث من المفترض أن تجري مراسم اكتمال عملية التنجيد للمرتبة التي من المفترض أن تنال عبير متعتها عليها عما قريب. تحاشى الثلاثي الحزين النظر إليها انتظارا لجملة مواساة تأتي منها تكون مدخلا لحديث ما يعلم الله ما سيأتي فيه. من شباك هنا وبلكونة هناك تأتي الآن عبارات تحية تصبح بالخير على أم عبير، وتسأل الله بأن يُتمِّم لبنتها عروسة الحتة بألف خير ويسعد أيامها. ترد أم عبير بهزّات مجاملة من رأسها، وهي تواصل زغرها لـعبد الواحد وآله. ربما ترى أن زغرتها لا تتسق مع وضعها الطبقي كمستأجرة في عقار عبد الواحد، ولكن من قال إن قوانين العلاقة بين المالك والمستأجر تعني شيئا لأم عبير التي تمتلك قانونها الخاص الذي أجملته ذات يوم بعبارتها الخالدة: «إن عشت هاذلّكو وإن مُتّ الله يسهلِّكو».
فجأة ودون سابق إنذار قصفت أم عبير ثلة الحزانى التي تهدد يوم ابنتها السعيد بالفال الوحش: «ما خلاص بقى يا عبد الواحد.. هو موّال ولا موّال.. بقى لكو نص ساعة بتبربروا وتندبوا على الراجل اللي كنتو بتطلّعوا ميّتين أهله كل يوم.. الحزن في القلب يا مرة منك ليها.. حبكت يعني تقلبوها مناحة لما جينا نفرح.. لو حارقكم قوي المرحوم روحوا الطموا وشنشنوا هناك تحت بيته.. يالّا متنكدوش على بنتي وخلوا يومكو الخرا ده يعدي»..
ربما رد عبد الواحد هو وزوجته وأختها على هجوم أم عبير البربري الغاشم، لكنه بالتأكيد كان ردًا أقرب إلى الهمهمة لم يسمعه أحد من الواقفين في شباك هنا أو بلكونة هناك، وبالتأكيد لم تسمعه أم عبير التي لا تبعد عنهم أكثر من سنتيمترات، أغلب الظن أنه كان ردًا بالنية وإنما الأعمال بالنيات. فـ «عبد الواحد عدو الله» وأهل بيته، إن لم يكن لديهم القدر الكافي من الحكمة لكي يمتنعوا عن الرد على أم عبير فلديهم بالتأكيد القدر الكافي من الهم الذي لا يريدون أن تثريه أم عبير لهم. لذلك فقد اختفوا تدريجيا من فضاء الحارة، كأنهم اتخذوا قرار الانصراف إلى البيت بمحض إرادتهم، متجاهلين أم عبير تمامًا ومتعاملين معها بوصفها كارثة طبيعية لا سبيل لدرئها أو حتى الاعتراض عليها، أو لا سمح الله السؤال عن حكمة وقوعها؛ لأن ذلك يدخل في باب الكفر الذي لا يرتكبه أناس مؤمنون مثلهم.
كان ثمة حوار طويل قد انتهى للتوّ بين العصفورين المسكينين. لا أعلم منطق الطير لكنني أستطيع أن أجزم بأن حوارا ساخنا وحادا كان يجري بينهما، ومن خلال موقعي أستطيع أن أؤكد أيضا أن الصوت الأعلى في الحوار كان للعصفور الأضأل حجما وأكثر تضررًا من جراح المعركة. شيء ما في عينيه ينبؤني أنه يُعِدّ لشيء وأنه لا يعتبر أن المعركة انتهت، وهو رأي أميل إلى أن العصفور الأكبر حجما والأقل تضررا من جراح المعركة يشاطر فيه الببغاوات الثلاث التي تملأ القفص ضجيجا واختيالا وزهوًا بما تعتبره نصرًا حتى ولو كان على عدو لا يمتلك قوة تذكر.
بعد صمت قصير عاد العصفور الأضأل إلى رفع صوته على رفيقه الذي اكتفى بالصمت ثم أصدر صوتًا خفيضًا غير مفهوم شممت منه رائحة النصيحة. لم ينتظر العصفور الأضأل حتى ينتهي رفيقه الحكيم من إكمال حديثه. اندفع كالسهم إلى القفص مستغلا انشغال الببغاوات الثلاث في الرفرفة بأجنحتها في سماء القفص، وما إن تعلقت قدماه بطرف القفص حتى قام بسرعة بمحاولة لتحقيق التوازن لجسده الضئيل لكي لا يتأرجح في الهواء عبثًا، وأخذ يسدد ضربات خاطفة بمنقاره للحبوب التي زاد تناثرها على طرف القفص بسبب الحركة الدائمة للببغاوات والتي نثرت محتويات طبق الحبوب في أرضية القفص.
بدا للحظات أنه يحقق تقدمًا كاسحًا لم يمنع قلبه الطيب من أن يحثه على النظر إلى رفيقه الذي آثر السلامة ليشجعه بصيحة غير محسوبة على الانضمام إليه لكي ينوله من الحب جانب، وهو ما أفلح فيه بالفعل حيث بدأ رفيقه في الاستعداد للحركة ليلحق بصاحبه؛ عله ينال شيئًا يخفف عذابه الذي زاد بعد التقدم الشجاع لرفيقه في أرض العدو، فجأة تبدل سير المعركة، فصيحة الجدعنة التي أطلقها العصفور الشجاع أخرجت الببغاوات من غفلتهن. فجأة نظرن إلى أسفل القفص لتدركن فداحة الاختراق الذي نجح هذا العدو الضئيل في تحقيقه، جاء ردهن لحظيًا وفاتكًا، وشراسته كانت بديهية؛ فهي رد فعل على خيبة أملهن في نصر ظننه قد تحقق لهن فجاء هذا الضئيل ليكذبه بوجوده الوقح داخل حدودهن، انقضضن عليه بكل ما أوتين من قوة وكأنه صار رمزًا تجسدت فيه كل مخاوفهن وآلامهن، الغريب أنه لم يسارع بالهرب برغم أن الفرصة كانت سانحة له، في أسوأ الأحوال كان سيطاله منقار أو اثنان قبل أن يسارع بالهرب مكتفيًا بالقليل الذي ناله، ومؤجلًا الباقي لفرصة أخرى ربما تأتي بعملية جريئة أخرى، لكنه لم يفعل واستمر في نقر الحب وتناوله بنهم لا يتناسب مع الخطر الذي لم يعد يحدق به؛ بل حل به بالفعل.
كان حجم مناقير الببغاوات يسمح لهن بتوجيه ضربات محكمة للمسكين من خلال الثقوب الواسعة للشبكة المعدنية التي تحيط بالقفص، لا أستطيع أن أصفه بأنه بدا مستسلمًا لهن كما قد يخيل لبعضكم من حديثي؛ فهو لم يتوقف ولو للحظة عن الاستمرار في نقر الحب وأكله وهو ما كان يزيد الببغاوات شراسة وسُعَارًا وإصرارًا على الفتك به وهو مستمر فيما يفعله دون أن يحاول الإفلات أو التراجع، ودون أن يصدر أصوات تأوه، الغريب الذي أقسم بالله العلي العظيم عليه، أنه كان في وسط هذه المعركة الشرسة يغرد بأصوات لم أسمع لجمالها مثيلا على كثرة ما سمعت من أصوات تغريد الطيور، سواء ما كان منها وجهًا لوجه أو عبر وسيط مسموع أو مرئي، كان صوته الساحر يغطي على أصواتهن الغاضبة التي صاحبت عقابهن الوحشي له، لم يكن بيدي ما أفعله له، كنت أتمنى أن تكون لدي القدرة على أن أطير صوب القفص لكي أخلصه من براثنهن وأطير به بعيدًا إلى مكان آمن لكي أداوي جراحه التي لم يعد من العسير إدراك كثرتها.
كان رفيقه يكتفي بنظرة بلهاء جامدة لما يحدث، لم يفكر الحقير في أن يفعل شيئًا - أي شيء - لكي ينجد رفيقه، كان من الممكن أن يفعل شيئًا لو أراد، على الأقل كان موقعه يتيح له أن يطير لكي يدفع بجسمه رفيقه الجريح بعيدًا عن القفص أيًا كانت النتيجة، كان موقعي لا يتيح لي سوى أن أرى الجانب الخلفي من جسد العصفور البطل الذي لم يعد فيه موضع إلا وبه ضربة منقار لببغاء، لم يمنعه تثاقل جسده من مواصلة سخريته منهن بالتقاط الحب والتغريد، توحدت معه إلى حد أصبحت أحس فيه الضربات الموجهة إليه تضرب في سويداء قلبي، عندها فقط أدركت مدى عذابه، أدركت كم هو مؤلم أن تكون بطلًا، آآآآه، لماذا جاء سقوطه هكذا دون مقدمات ليفاجئ حتى عدواته الثلاث، لو ترنح حتى ولو قليلًا، لو اختل توازنه قبل أن يسقط، لو انقطع حتى صوت تغريده ولو لحظة ليوحي بما سيحدث، لماذا يا رب سقط جسده هكذا فجأة في الفراغ؟!
الأرجح أن النهاية جاءت على إثر ضربة محكمة في إحدى عينيه، هكذا خيل إلي وأنا أحاول أن ألتقط نظرة من عينيه وهو يسقط في فراغ الحارة قبل أن يهوي جسده الدامي على مرتبة عبير لتلوث دماؤه بياضها الذي لم يكن ناصعًا، هل تصدقونني لو قلت لكم إن صوت ارتطام جسده بالمرتبة كان مخيفًا لدرجة أن الحارة كلها توقفت عن الحركة، حتى ماكينة الطعمية توقفت، أقسم لكم إنها توقفت لثوان هي نفسها الثواني التي صمتت فيها أم عبير حتى تستوعب ما حدث، هي نفسها الثواني التي صمتت فيها الببغاوات قبل أن تعود لإصدار أصوات النشوة والابتهاج، هي نفسها الثواني التي صمت فيها العصفور النذل مذهولًا قبل أن يصدر أصواتًا لا يحتاج أي شخص حتى لو لم يعلم منطق الطير أن يدرك أنها أصوات حسرة وبكاء، هي نفسها الثواني التي صمت فيها مهزومًا قبل أن أبكي على نفسي لا عليه، هي نفسها الثواني التي صمتت فيها عبير قبل أن تبكي ببلاهة، هي نفسها الثواني التي صمت فيها المنجد قبل أن يحوقل. هي نفسها الثواني التي انتهت عندما لعلعت في فضاء الحارة شخرة لعلها الأعنف في تاريخ الحارة وتاريخ أم عبير، شخرة هي الأحقر والأقبح والأكثر دناءة ووحشية في تاريخ الكون كله، لم تكتف بها أم عبير، بل انطلقت بوابل من الشتائم تشتم العصافير وميتين أم العصافير ودين أم العصافير، ثم فجأة انحنت على الأرض لتلتقط حجرًا وتسدد به ضربة مليئة بالغل والحقد صوب العصفور النذل الذي لم يكن قد أفاق بعد من ذهوله، ولم يقو بعد على أن يفارق حاجز الشرفة المواجهة لقفص الببغاوات القاتلات. كأن بطلًا في الرماية هو الذي رمى ذلك الحجر وإلا لما أصاب بهذه الدقة منتصف رأس العصفور، الذي لعله أول عصفور في التاريخ يقتله الذهول قبل أن تقتله ضربة حجر، حتى أم عبير لم تكن تتوقع ما حدث، ولو كانت تتوقع لما رمت الحجر، فالمرتبة لم يكن ينقصها عصفور آخر يسقط في فراغ الحارة ليستقر جسده الدامي على طرف المرتبة هذه المرة ملوثًا ما تبقى من بياضها غير الناصع.
كان المنظر من حيث أقف مثيرًا للرثاء والاشمئزاز والحزن في آن، لكن كل هذه المشاعر التي كانت تتصارع داخلي لم تمنع أم عبير من مواصلة إطلاق شخراتها، ولم تمنع المِنَجِّد من حمل الجسدين الضئيلين القتيلين وإلقائهما إلى حيث تتخطفهما قُطط الحارة، ولم تمنع الببغاوات القاتلات من مواصلة الطيران المبتهج في سماء القفص المحدودة، ولم تمنع ماكينة الطعمية من الدوران، ولم تمنع محمد منير من مواصلة الغناء في الووكمان: «وقلبي من بعد الطيران ما حيلته إلا جناح مكسور.. دلوقتي لما باقول الآه وانت بعيد مين يسمعني».
ـ كتبت هذه القصة عام 1998، ونُشرت في مجموعتي القصصية الأولى (بني بجم) التي صدرت عام 2005 والتي ستصدر طبعتها الجديدة قريباً بإذن الله.
وجوه الأطفال المحمرّة بفعل هواء الصباح البارد، أعينهم التي لم يَمْحُ الماء والصابون أثر «عُماص» الأحلام منها، أياديهم القابضة على أكياس الساندويتشات التي تضيق حقائبهم الصغيرة الرثة عن حملها خوفًا من تلوث الكراريس، خطى بعضهم متثاقلة، وخطى البعض الآخر فَرِحَة متلهفة ليوم صاخب، بعضهم يسير بصحبة أمه تجرّه وراءها وهي تلقي نظرات سريعة على هندامه، ربما تمتد يدها لتعيد خصلة شاردة، أو تشد بنطالا متهدلا، لكن تعجلها لا يلقى ترحيبًا أو تجاوبًا. البعض الآخر يفرغ طاقته البكر في ركل أحجار الطريق، ونصب الكمائن المتقنة للقطط النعسانة، في حين يهدر صوت ماكينة الطعمية من محل عم نبوي الذي لم يستقبل كل زبائنه بعد.
يدعي عم نبوي دائمًا أنه أحسن صنايعي فول في مصر حسبما شهد له أنور السادات الذي أصبح بعد سنوات طويلة من شهادته لعم نبوي حاكمًا لمصر. يقول لك عم نبوي ذلك إذا كنت زبونا جديدا وهو يشير إلى الحائط خلفه حيث عُلِّقت صورة له مع السادات الذي لم يكن وقت التقاط الصورة من أشيك 10 رجال في العالم. عم محمود صاحب محل الفول المنافس في الطرف الآخر من الحارة يزعم أن قصة عم نبوي مكذوبة من ساسها لراسها، لأنه إذا كان السادات وقتها «فسلا» لا أهمية له، فما الذي دعاه للتصوير مع نبوي؟ – يقولها من غير لقب عم – أو بمعنى أصح لماذا تحمس نبوي للتصوير معه؟! ومن أين جاء المصور أساسًا؟! خاصة أن حارة سمكة التي كان نبوي ينصُب فيها عربته، قبل أن يفتحها الله في وجهه ويفتح دكانًا، لو دخلها مصور بجردل لكان ذلك حدثا مشهودا في تاريخها.
«روح لأم راوية - يقول عم محمود قاصداً أم راوية مؤرخة الحارة - واسألها.. عُمْر مصور دخل حارة سمكة واقطع بتاعي لو قالت لك حصل.. الصورة يا ابني مضروبة – يواصل عم محمود في حرارة- ثم مال الفول ومال صور الرويسا.. أنا شخصيا عندي صورة مع عبد الناصر.. وأظن ده ما حدش يقدر ينكر إنه كان بيتصور مع اللي يسوى واللي ما يسواش.. تسألني ليه ما أعلقهاش في المحل.. أقول لك ابقى بقلل من قيمتي ومن قيمة الريس عبد الناصر.. كنت أعلّق صورته الله يرحمه لو كنت جزار ولا حلواني.. حاجة تليق بمقامه.. مش محل فول.. عيب يا ابني.. أنا بافهم في الأصول.. وبعدين نبوي ده نخّيع وابن وسخة.. عشان شايف الزمن ده زمن السادات ورجالته.. ما كل دول كانوا رجالة المرحوم.. عشان كده معلّق صورة مضروبة ليه مع السادات.. إنما أنا لو علقت صورة عبد الناصر دلوقتي، الزباين هياكلوا ضرب على قفاهم بدل ما ياكلوا فول.. إوعى تفتكر إني باكره السادات.. ده كان حبيبي، ومحمد نجيب حبيبي.. بس انت عارف إحنا ما كانش ينفع لنا غير الملك فاروق.. إحنا ناس ولاد كلب».
ولن تجرؤ طبعا أن تردد اتهامات عم محمود على مسمع من عم نبوي، أو حتى تثير تساؤلا حول ما إذا كانت الصورة مضروبة، لأنك انت الذي ستخرج مضروبا بمغرفة الفول.
أخرجني صوت عزة من سَرَحاني مع السادات وعم نبوي وعم محمود. صباح كل يوم يخرجني صوت عزة من سَرَحاني مع أحد. تأتي عزة مسرعة من آخر الحارة بسنواتها السبع العجاف وبزيها المدرسي الكحلي تستحث أخاها حسن الذي يسير خلفها متباطئا يجرجر حقيبته التي بهتت ألوان العلم الأمريكي المطبوع عليها. تقف أمام المنزل المجاور لمنزلنا. تضغط الجرس الأحمر الصغير. ثم ترفع رأسها إلى نوافذ المنزل. لا يظهر أحد. تواصل ضغطها على الجرس متململة. تأخذ في النداء بصوت حاد متموج: «ياسمييييين» عندما تيأس من مفعول الجرس.
من نافذة الدور الثالث تطل ياسمين بقميصها الوردي وجسدها الضئيل. مفارقة النوم بصعوبة. تشير مرحبة بيد.. وتفرك عينيها بالأخرى.
- صباح الخير يا ياسمين.
- إصباح الخير يا عزة.. هيه الساعة كام؟
- اتأخرنا يا حبيبتي.. بقت ستة ونصف.. ابقي حصليني.
- ماشي يا ياسمين.. متشكرة قوي.
كل يوم تبدو جميلة عيونها النصف يقظة وهي تغلق النافذة.
حوّلت نظري إلى قفص الطيور الكبير المثبت في البلكونة المواجهة أسفل بيت ياسمين. شغوف أنا دوماً بالنظر من خلال ثقوب السلك المعدني الصدئة إلى الببغاوات الثلاثة الذهبية التي تسكنها. تبدو لي جميلة النقاط الخضراء، التي تملأ رؤوسها وأجنحتها، ربما خدعني النظر فقد لا تكون النقاط خضراء، لكن المؤكد أن الببغاوات ذهبية. كان اختيالها الصاخب في القفص مثيرا للبهجة. لم تكن أصواتها جميلة لكنها كانت تبدو متناغمة نوعًا ما مع زقزقة العصافير وهديل الحمام وهدير ماكينة الطعمية وصياح الديكة التي افتتحت أوركسترا الصياح منذ ما قبل طلوع الفجر مستلمة وردية العمل من الكلاب النابحة طول الليل.
حط على حافة البلكونة قريبًا من القفص عصفوران رماديان - منظرهما البائس وخبرتي في التعرف على الفقراء يؤكدان جوعهما منذ أمد بعيد - اقترب أضألهما من القفص في قفزات هادئة. غرّه وقوف الببغاوات على أعمدة خشبية مثبتة في أعلى القفص الواسع. طار متعلقا بالحافة السفلى للقفص. بعد ثوان لحقه رفيقه. طمأنهما سكون الببغاوات اللواتي شغلهن تنظيف ريشهن - جزمت من فترة أنهن إناث.. ربما لجمالهن الزائد على الحد- أخذ العصفوران ينقران الحب المتناثر على أطراف أرضية القفص بينما يتأرجح جسداهما بخفة وبهلوانية مؤديان حركات يعجز عن أدائها عتاولة السيرك القومي بالعجوزة.. لم يكادا يهنآن بابتلاع حبة أو حبتين حتى انقضت عليهما الببغاوات الثلاث ينقرنهما بوحشية فيما يطولونه من جسديهما. صمد العصفوران لوهلة محاولين تكبد عناء النقر ومواصلين تناول طعاميهما.. لكن نقرتين في عيني كل منهما أطاحت بهما بعيدًا عن القفص مصدرين صيحة ألم – هكذا أظنهما فقد كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوتا كهذا يصدر عن طير - واختل توازن العصفورين المسكينين وتأرجحا في الهواء قبل أن يستعيدا ذاتيهما كعصفورين ويطيرا بخفة مستقرين فوق سور البلكونة المواجهة للقفص..
«الحقيني يا إصلاح.. أبويا مات يا إصلاح.. مات وقلبه غضبان عليكي يا واطية».. هكذا جاء صوتها يسبقها داخلا إلى الحارة حاملا مزيجا من الحزن والتشفي والاحتياج للمشاركة. من بعده دخلت إلى الحارة اعتدال أخت زوجة صاحب شقتنا عبد الواحد، أو «عبد الواحد عدو الله» كما كنا نسميه. دخلت مولولة.. متشحتفة.. مِنَعكِشة.. داعية على أختها.. ومستنجدة بها.. وشاتمة زوجها الذي أوغر صدرها على أبيها وفرق بينها وبينه. وما هي إلا لحظات وانبرت لها أختها مولولة متشحتفة هي أيضًا، تنكش شعرها، وتشق هدومها، وتدعو على زوجها الذي أوغر صدرها على أبيها وفرق بينها وبينه عشان يستفرد بيها ويكوش على فلوسها ودهبها.
بمجرد أن وصلت إصلاح إلى أختها، فاجأتها أختها بأن رقعتها قلمًا، سمعت الحارة كلها صوته مجسمًا، لم يكن وقت مثل هذا جديرا بقلم مثل هذا، لكن إصلاح تقبلته في صمت، ربما لأنها تعلم داخلها أنها تستحقه لسبب ما لا يعلمه إلا الله وهي وأختها، وربما أبوهما رحمه الله، وربما أمهما ربنا يديها الصحة، وربما آخرون لا يعلمهم إلا الله، ودون أن تمر فترة زمنية كافية لاستيعاب القلم الذي أكلته إصلاح على خِلقتها، ارتمت أختها في حضنها وأخذتا تتمرمغان في أحزانهما سويا. بعد قليل خرج عبد الواحد ينفض عن وجهه آثار الصباح الأغبر، يحاول أن يبدو حزينا ويرفع صوته بما يقال عادة في مناسبات كهذه، محاولا أن يعلو صوته على صوت اعتدال التي أخذت تلعن سنسفيله وسنسفيل جدوده الأوساخ.
بعد لحظات من شحذ الهمم، عاد العصفوران الفقيران للانقضاض على القفص، مستغلين ما ظناه خمولا من الببغاوات الثلاث اللواتي توقفن للحظات عن الأكل، ربما ظن العصفوران المسكينان هذا التوقف شبعا، لكنه لم يكن كذلك، أو لعل هذا ما أدركاه عندما انقضت عليهن الببغاوات بشراسة أعتى هذه المرة. لم يكن لهذه الشراسة مبرر بعد كل ما أكلته الببغاوات من أكل هو بالتأكيد زائد على حاجتهن، خاصة أن كل ما كان العصفوران سيصلان إليه بمنقاريهما الضئيلين لا يتجاوز حبات قليلات يمكن عدها على أصابع أرجل الببغاوات، هي الحبات التي استقرت على حافة القفص الخشبي العريض. كان واضحا لكل ذي عينين أن الموضوع لا علاقة له بالأكل أو بالجوع أو الشبع، هناك ضديات تكنها الببغاوات لهذين العصفورين المسكينين، ضديات فلسفية لا يمكن فهمها إلا من خلال تقمص شخصية ببغاء محبوس في قفص لفترة طويلة ينظر إلى عصفور طليق يسعى في مناكب السماوات. الجوع الكافر هو الذي خيل للعصفورين المسكينين أنهما يمكن لهما أن يتحملا ضربات مناقير الببغاوات التي لم أكن محتاجا لأن أكون عصفورا لأدرك مدى إيلامها، فصوت هذه المناقير عندما يضرب في خشب أرضية القفص يصلني واضحا قويا، أنا الذي تفصلني عن القفص أمتار، فما بالك لو وقعت هذه الضربات على قليل من اللحم المكسو بالريش، ولذلك أستطيع أن أجزم دون حاجة للتمعن أن ما ظننته دمًا يسيل من العصفورين اللذين عجزا عن الاحتمال وابتعدا عن القفص، هو دم بالفعل.
صوت ماكينة الطعمية أصبح الآن أضعف بعد أن غطت عليه أصوات نواح اعتدال وإصلاح، وابتهالات «عبد الواحد عدو الله» لربه بأن يرحم الفقيد اللي اتخطف. بين الحين والآخر ومن بلكونة هنا وشباك هناك تأتي تعزية أو مواساة، أو صويط مجاملة، أو دعوة بالرحمة، أو سؤال عن موعد صلاة الجنازة ومكان العزاء.
فجأة خرجت أم عبير من باب العقار – أحسب أن هذه الكلمة هي الأصدق حالا في وصفه؛ فالذي نسكنه ليس عمارة ولا بيتا.. هو ربك والحق خطأ معماري شنيع لا يمكن المداراة عليه إلا بوصفه بالعقار – على أية حال، أرجوك، لا تستهن بي لأنني قررت أن أقطع لك الحكاية بهذه الجملة (فجأة خرجت أم عبير). لا تقل لي: ومن هي أم عبير هذه التي تستحق هذا الدخول الملحمي! ففي حارة سمكة لا يعذر المرء بجهله، إذا تعلق الأمر بـ«أم عبير» التي يحسب الجميع لها ألف حساب لأسباب عديدة، على رأسها أو أهمها أو لعله السبب الوحيد أن لها شخرة تُدخل الرهبة في النفوس، لا تسلني: كيف؟ لأنني سأقول لك إنها شخرة لا يمكن تجسيدها في كلمات قليلة. ينبغي لك أن تسمعها لكي تتبين أثرها المعنوي الذي يباغت أجدعها شنب ويجعله يفكر ألف مرة قبل أن يرد على أم عبير أو يدوس لها على طرف. أذكر هنا أن أحد شباب الحي قال يوما ونحن نجلس على القهوة نراقب خناقة من خناقات أم عبير، إنه يتعجب كيف أن الدولة لم تنتبه خلال الحروب الماضية التي خضناها مع إسرئيل إلى أهمية حنجرة أم عبير كسلاح معنوي، كان من الممكن أن يكون أجدى لنا من صوت أحمد سعيد وأغنية «أصبح عندي الآن بندقية»، ولم يكن يتريق بالمناسبة، بل كان له خطة متكاملة للأمر هي أن تخصص إذاعة موجهة إلى جنود العدو – باعتبار ما كان – تذيع شخرة أم عبير بتنويعات مختلفة وبتونات صوتية مختلفة طيلة فترة البث، وابقى قابلني لو استطاع أحدهم أن يصمد لأكثر من يوم دون أن ينهار ويطلب العودة إلى موطنه الأصلي تاركًا أرض الأجداد للأحفاد.
لا تقل لي إن هذا ليس موضوعنا الآن، بالعكس كان يجب أن أستطرد لك في شرح الأمر لكي تكون في صورة الحدث الذي سيحدث بعد قليل..
خرجت أم عبير ومن خلفها عبير – أكثر الخراتيت البشرية جمالًا – ومن خلفهما المِنَجِّد الذي يحمل مرتبة قطنية لم يسعفه الوقت لكي ينتهي من إنجازها بالأمس، ولم يعد أمامه من بد سوى أن ينتهي منها اليوم طبقا لــ«الإسكيديوال» الموضوع له من أم عبير، التي لن تسمح لأمثاله بأن يعطل ولو للحظة ترتيبات استعدادها لزفاف ابنتها التي سيفك الله عقدتها أخيرا بعد أن وجدت الكيّال النِتِن الذي يقدِّر فولتها المسوسة حق قدرها.
زغرت أم عبير للثلاثي الحزين الذي يكاد يسد مدخل باب العقار حيث من المفترض أن تجري مراسم اكتمال عملية التنجيد للمرتبة التي من المفترض أن تنال عبير متعتها عليها عما قريب. تحاشى الثلاثي الحزين النظر إليها انتظارا لجملة مواساة تأتي منها تكون مدخلا لحديث ما يعلم الله ما سيأتي فيه. من شباك هنا وبلكونة هناك تأتي الآن عبارات تحية تصبح بالخير على أم عبير، وتسأل الله بأن يُتمِّم لبنتها عروسة الحتة بألف خير ويسعد أيامها. ترد أم عبير بهزّات مجاملة من رأسها، وهي تواصل زغرها لـعبد الواحد وآله. ربما ترى أن زغرتها لا تتسق مع وضعها الطبقي كمستأجرة في عقار عبد الواحد، ولكن من قال إن قوانين العلاقة بين المالك والمستأجر تعني شيئا لأم عبير التي تمتلك قانونها الخاص الذي أجملته ذات يوم بعبارتها الخالدة: «إن عشت هاذلّكو وإن مُتّ الله يسهلِّكو».
فجأة ودون سابق إنذار قصفت أم عبير ثلة الحزانى التي تهدد يوم ابنتها السعيد بالفال الوحش: «ما خلاص بقى يا عبد الواحد.. هو موّال ولا موّال.. بقى لكو نص ساعة بتبربروا وتندبوا على الراجل اللي كنتو بتطلّعوا ميّتين أهله كل يوم.. الحزن في القلب يا مرة منك ليها.. حبكت يعني تقلبوها مناحة لما جينا نفرح.. لو حارقكم قوي المرحوم روحوا الطموا وشنشنوا هناك تحت بيته.. يالّا متنكدوش على بنتي وخلوا يومكو الخرا ده يعدي»..
ربما رد عبد الواحد هو وزوجته وأختها على هجوم أم عبير البربري الغاشم، لكنه بالتأكيد كان ردًا أقرب إلى الهمهمة لم يسمعه أحد من الواقفين في شباك هنا أو بلكونة هناك، وبالتأكيد لم تسمعه أم عبير التي لا تبعد عنهم أكثر من سنتيمترات، أغلب الظن أنه كان ردًا بالنية وإنما الأعمال بالنيات. فـ «عبد الواحد عدو الله» وأهل بيته، إن لم يكن لديهم القدر الكافي من الحكمة لكي يمتنعوا عن الرد على أم عبير فلديهم بالتأكيد القدر الكافي من الهم الذي لا يريدون أن تثريه أم عبير لهم. لذلك فقد اختفوا تدريجيا من فضاء الحارة، كأنهم اتخذوا قرار الانصراف إلى البيت بمحض إرادتهم، متجاهلين أم عبير تمامًا ومتعاملين معها بوصفها كارثة طبيعية لا سبيل لدرئها أو حتى الاعتراض عليها، أو لا سمح الله السؤال عن حكمة وقوعها؛ لأن ذلك يدخل في باب الكفر الذي لا يرتكبه أناس مؤمنون مثلهم.
كان ثمة حوار طويل قد انتهى للتوّ بين العصفورين المسكينين. لا أعلم منطق الطير لكنني أستطيع أن أجزم بأن حوارا ساخنا وحادا كان يجري بينهما، ومن خلال موقعي أستطيع أن أؤكد أيضا أن الصوت الأعلى في الحوار كان للعصفور الأضأل حجما وأكثر تضررًا من جراح المعركة. شيء ما في عينيه ينبؤني أنه يُعِدّ لشيء وأنه لا يعتبر أن المعركة انتهت، وهو رأي أميل إلى أن العصفور الأكبر حجما والأقل تضررا من جراح المعركة يشاطر فيه الببغاوات الثلاث التي تملأ القفص ضجيجا واختيالا وزهوًا بما تعتبره نصرًا حتى ولو كان على عدو لا يمتلك قوة تذكر.
بعد صمت قصير عاد العصفور الأضأل إلى رفع صوته على رفيقه الذي اكتفى بالصمت ثم أصدر صوتًا خفيضًا غير مفهوم شممت منه رائحة النصيحة. لم ينتظر العصفور الأضأل حتى ينتهي رفيقه الحكيم من إكمال حديثه. اندفع كالسهم إلى القفص مستغلا انشغال الببغاوات الثلاث في الرفرفة بأجنحتها في سماء القفص، وما إن تعلقت قدماه بطرف القفص حتى قام بسرعة بمحاولة لتحقيق التوازن لجسده الضئيل لكي لا يتأرجح في الهواء عبثًا، وأخذ يسدد ضربات خاطفة بمنقاره للحبوب التي زاد تناثرها على طرف القفص بسبب الحركة الدائمة للببغاوات والتي نثرت محتويات طبق الحبوب في أرضية القفص.
بدا للحظات أنه يحقق تقدمًا كاسحًا لم يمنع قلبه الطيب من أن يحثه على النظر إلى رفيقه الذي آثر السلامة ليشجعه بصيحة غير محسوبة على الانضمام إليه لكي ينوله من الحب جانب، وهو ما أفلح فيه بالفعل حيث بدأ رفيقه في الاستعداد للحركة ليلحق بصاحبه؛ عله ينال شيئًا يخفف عذابه الذي زاد بعد التقدم الشجاع لرفيقه في أرض العدو، فجأة تبدل سير المعركة، فصيحة الجدعنة التي أطلقها العصفور الشجاع أخرجت الببغاوات من غفلتهن. فجأة نظرن إلى أسفل القفص لتدركن فداحة الاختراق الذي نجح هذا العدو الضئيل في تحقيقه، جاء ردهن لحظيًا وفاتكًا، وشراسته كانت بديهية؛ فهي رد فعل على خيبة أملهن في نصر ظننه قد تحقق لهن فجاء هذا الضئيل ليكذبه بوجوده الوقح داخل حدودهن، انقضضن عليه بكل ما أوتين من قوة وكأنه صار رمزًا تجسدت فيه كل مخاوفهن وآلامهن، الغريب أنه لم يسارع بالهرب برغم أن الفرصة كانت سانحة له، في أسوأ الأحوال كان سيطاله منقار أو اثنان قبل أن يسارع بالهرب مكتفيًا بالقليل الذي ناله، ومؤجلًا الباقي لفرصة أخرى ربما تأتي بعملية جريئة أخرى، لكنه لم يفعل واستمر في نقر الحب وتناوله بنهم لا يتناسب مع الخطر الذي لم يعد يحدق به؛ بل حل به بالفعل.
كان حجم مناقير الببغاوات يسمح لهن بتوجيه ضربات محكمة للمسكين من خلال الثقوب الواسعة للشبكة المعدنية التي تحيط بالقفص، لا أستطيع أن أصفه بأنه بدا مستسلمًا لهن كما قد يخيل لبعضكم من حديثي؛ فهو لم يتوقف ولو للحظة عن الاستمرار في نقر الحب وأكله وهو ما كان يزيد الببغاوات شراسة وسُعَارًا وإصرارًا على الفتك به وهو مستمر فيما يفعله دون أن يحاول الإفلات أو التراجع، ودون أن يصدر أصوات تأوه، الغريب الذي أقسم بالله العلي العظيم عليه، أنه كان في وسط هذه المعركة الشرسة يغرد بأصوات لم أسمع لجمالها مثيلا على كثرة ما سمعت من أصوات تغريد الطيور، سواء ما كان منها وجهًا لوجه أو عبر وسيط مسموع أو مرئي، كان صوته الساحر يغطي على أصواتهن الغاضبة التي صاحبت عقابهن الوحشي له، لم يكن بيدي ما أفعله له، كنت أتمنى أن تكون لدي القدرة على أن أطير صوب القفص لكي أخلصه من براثنهن وأطير به بعيدًا إلى مكان آمن لكي أداوي جراحه التي لم يعد من العسير إدراك كثرتها.
كان رفيقه يكتفي بنظرة بلهاء جامدة لما يحدث، لم يفكر الحقير في أن يفعل شيئًا - أي شيء - لكي ينجد رفيقه، كان من الممكن أن يفعل شيئًا لو أراد، على الأقل كان موقعه يتيح له أن يطير لكي يدفع بجسمه رفيقه الجريح بعيدًا عن القفص أيًا كانت النتيجة، كان موقعي لا يتيح لي سوى أن أرى الجانب الخلفي من جسد العصفور البطل الذي لم يعد فيه موضع إلا وبه ضربة منقار لببغاء، لم يمنعه تثاقل جسده من مواصلة سخريته منهن بالتقاط الحب والتغريد، توحدت معه إلى حد أصبحت أحس فيه الضربات الموجهة إليه تضرب في سويداء قلبي، عندها فقط أدركت مدى عذابه، أدركت كم هو مؤلم أن تكون بطلًا، آآآآه، لماذا جاء سقوطه هكذا دون مقدمات ليفاجئ حتى عدواته الثلاث، لو ترنح حتى ولو قليلًا، لو اختل توازنه قبل أن يسقط، لو انقطع حتى صوت تغريده ولو لحظة ليوحي بما سيحدث، لماذا يا رب سقط جسده هكذا فجأة في الفراغ؟!
الأرجح أن النهاية جاءت على إثر ضربة محكمة في إحدى عينيه، هكذا خيل إلي وأنا أحاول أن ألتقط نظرة من عينيه وهو يسقط في فراغ الحارة قبل أن يهوي جسده الدامي على مرتبة عبير لتلوث دماؤه بياضها الذي لم يكن ناصعًا، هل تصدقونني لو قلت لكم إن صوت ارتطام جسده بالمرتبة كان مخيفًا لدرجة أن الحارة كلها توقفت عن الحركة، حتى ماكينة الطعمية توقفت، أقسم لكم إنها توقفت لثوان هي نفسها الثواني التي صمتت فيها أم عبير حتى تستوعب ما حدث، هي نفسها الثواني التي صمتت فيها الببغاوات قبل أن تعود لإصدار أصوات النشوة والابتهاج، هي نفسها الثواني التي صمت فيها العصفور النذل مذهولًا قبل أن يصدر أصواتًا لا يحتاج أي شخص حتى لو لم يعلم منطق الطير أن يدرك أنها أصوات حسرة وبكاء، هي نفسها الثواني التي صمت فيها مهزومًا قبل أن أبكي على نفسي لا عليه، هي نفسها الثواني التي صمتت فيها عبير قبل أن تبكي ببلاهة، هي نفسها الثواني التي صمت فيها المنجد قبل أن يحوقل. هي نفسها الثواني التي انتهت عندما لعلعت في فضاء الحارة شخرة لعلها الأعنف في تاريخ الحارة وتاريخ أم عبير، شخرة هي الأحقر والأقبح والأكثر دناءة ووحشية في تاريخ الكون كله، لم تكتف بها أم عبير، بل انطلقت بوابل من الشتائم تشتم العصافير وميتين أم العصافير ودين أم العصافير، ثم فجأة انحنت على الأرض لتلتقط حجرًا وتسدد به ضربة مليئة بالغل والحقد صوب العصفور النذل الذي لم يكن قد أفاق بعد من ذهوله، ولم يقو بعد على أن يفارق حاجز الشرفة المواجهة لقفص الببغاوات القاتلات. كأن بطلًا في الرماية هو الذي رمى ذلك الحجر وإلا لما أصاب بهذه الدقة منتصف رأس العصفور، الذي لعله أول عصفور في التاريخ يقتله الذهول قبل أن تقتله ضربة حجر، حتى أم عبير لم تكن تتوقع ما حدث، ولو كانت تتوقع لما رمت الحجر، فالمرتبة لم يكن ينقصها عصفور آخر يسقط في فراغ الحارة ليستقر جسده الدامي على طرف المرتبة هذه المرة ملوثًا ما تبقى من بياضها غير الناصع.
كان المنظر من حيث أقف مثيرًا للرثاء والاشمئزاز والحزن في آن، لكن كل هذه المشاعر التي كانت تتصارع داخلي لم تمنع أم عبير من مواصلة إطلاق شخراتها، ولم تمنع المِنَجِّد من حمل الجسدين الضئيلين القتيلين وإلقائهما إلى حيث تتخطفهما قُطط الحارة، ولم تمنع الببغاوات القاتلات من مواصلة الطيران المبتهج في سماء القفص المحدودة، ولم تمنع ماكينة الطعمية من الدوران، ولم تمنع محمد منير من مواصلة الغناء في الووكمان: «وقلبي من بعد الطيران ما حيلته إلا جناح مكسور.. دلوقتي لما باقول الآه وانت بعيد مين يسمعني».
ـ كتبت هذه القصة عام 1998، ونُشرت في مجموعتي القصصية الأولى (بني بجم) التي صدرت عام 2005 والتي ستصدر طبعتها الجديدة قريباً بإذن الله.