خلال إقامته في فيينّا، تحدث المؤلف الموسيقي الألماني لودفيغ فان بيتهوفن، Ludwig Van Beethoven 1770- 1827، عن عزمه على تلحين قصيدة مواطنه الشاعر فريديك شيلر، المعنونة "لحن الفرح" (بالألمانية: إلى الفرح An die Freude). وبالفعل، حين أتم الموسيقار سيمفونيّته التاسعة، سنة 1824، ضمّن حركتها الأخيرة مقطعاً مهيباً يُنشده الكورال، فيما الأوركسترا تُصاحبه بحماسة وحمية، يغني مقطعاً من القصيدة، فتدخل تلك المقطوعة بذلك التاريخ، كواحد من الأمثلة المبكرة على توظيف الموسيقى في بعث رسائل سياسية.
لقد حملت معاني القصيدة معها الأنباء عن حقبة جديدة في أوروبا، اكتسبت ملامحها من شعارات الثورة الفرنسية (حرية، كرامة وعدالة اجتماعية). استقت أفكارها من وحي أدباء وفلاسفة كـ كانط وفولتير وجان جاك روسو، حيث دعا هؤلاء إلى إبطال حكم الملكية وإرساء دعائم الجمهورية، نادوا بفصل الدين عن الدولة، وبإنهاء امتيازات الطبقة الأرستقراطية.
هو غليان ثوري إذن، عاشته أوروبا بداية القرن التاسع عشر، ألهم كلا من بيتهوفن وشيلر، حتى رُوي عن الأخير استخدامه في الأصل كلمة "الحرية" عوضاً عن السعادة في مطلعَ القصيدة؛ ما حدا بقائد الأوركسترا الشهير ليونارد برنشتاين بعد أكثر من قرن، حين أوكِلت إليه قيادة حفلين تاريخيين متزامنين في كل من شرق وغرب العاصمة برلين، احتفاءً بتوحيد ألمانيا عقب انتهاء الحرب الباردة سنة 1989، إلى اعتماد "الحرية" (فرايهايت بالألمانية، Freiheit)، إمساكاً سياسياً برمزية اللحظة التاريخية.
بيد أن ذلك التوظيف السياسي للموسيقى لم يكن ليُمكِن فقط بشخص بيتهوفن ويقظته الفكرية، وإنما بسياق عصره أيضاً، الذي تميّز عما سبق بخروج الموسيقى من نطاق الخاصة، أي البلاط والكنيسة، وولوجها فضاء العامة، أي الشعب. حيث كان المؤلفون والمؤدون في الماضي، في سعيهم إلى كسب الرزق، يسعون إلى الانضواء تحت رعاية إما ملك أو أمير أو أسقف أحد الكنائس.
إبان الحقبة الكلاسيكية، أيام بيتهوفنَ وفي آخر عهد هايدن وموتزارت، أخذت الصناعة الموسيقية في التكوّن. باتت هناك دورٌ تنشرُ المؤلفات، فرق تؤديها، ومسارحٌ خاصة تُقدم من على خشباتها. وعليه، بات الموسيقيون يحصلون على الأجر من بيع التذاكر في الصالات ويستقلّون بذلك مادياً، ثم اجتماعياً وفكرياً، وبالتالي، يتوجّهون مباشرةً إلى الشعب، سواء بجديد فنّهم وموسيقاهم أو بمستجدِّ آرائهم وتطلّعاتهم السياسية.
تلت الكلاسيكية، الحقبة الرومانسية من منتصف القرن التاسع عشر إلى آخره. تعزز حضور الطبقة الوسطى في المجتمعات الأوروبية، وبالتوازي، زادت استقلالية الموسيقى. جسّد مؤلف ألماني آخر هو ريتشارد فاغنر شخصية Richard Wagner 1813- 1883، الفنان الشامل، الموسيقي والكاتب والمصمم المسرحي، إلى جانب كونه شخصية ريادية مُبكرة في صناعة الثقافة، حيث أسس وأدار مسرحه الغنائي الخاص والمستقل في مدينة بايروت Bayreuth، جنوب البلاد، فصار نموذجَاً مبكراً للمُفكّر المؤثر في الوعي السياسي بين أقطاب المجتمع.
عمد فاغنر، من خلال ملحمته الأوبرالية بأجزائها الأربعة والمعنونة "خاتم النبلونغن"، إلى توجيه فكره السياسي الراديكالي إلى الجمهور، سبيله إلى ذلك الخطاب الرمزي الذي تجُبّه الأسطورة وتبثّه الشحنات الدرامية الهائلة التي تحملها موسيقاه. إذ هو يُلمّح عبر شخوص الميثولوجيا الجرمانية إلى ضرورة الثورة على الدولة البيروقراطية وسلطة رأس المال التي ما فتئت تستعبد الناس، تُغرّبهم وتأسر لهم عقولهم، أملاً في العودة بالبشرية إلى صفاء الطبيعة والعيش بحرية حَقّة من دون خوف.
كلما اقترب الفن من الشعب، كلما زادت مكامن تأثيره السياسي. لذلك، رسّخ الراديو وأسطوانات الحاكي، نهاية القرن التاسع عشر، حضور الموسيقى بين عموم الناس على اختلاف طبقاتهم، فاتحاً بهذا أبواب الحشد والتعبئة، عن طريق الموسيقى والأغنية، سواء من قبل السلطات أو سائر الحركات الشعبية والنخبوية المعارضة، أو حتى المناوئة لها.
في العُشر الأول من القرن الماضي، في يوتاه، إحدى ولايات الغرب الأميركي، وفي خضم الصراع المُحتدم بين الكادحين من عمال المناجم والجالسين خلف مكاتب إدارة شركات التنقيب عن النحاس وأزلامهم من السياسيين، سطع نجم جو هيل، Joe Hill 1879-1915، ليس بصفته موسيقياً وكاتب أغنية سياسية وحسب، وإنما كناشط ميداني وعضو في "اتحاد عُمال العالم"، أحد أبرز التنظيمات النقابية بداية القرن الماضي.
جعل هيل التعبئة النقابية غايته الأساسية. استثمر شعبية أغنية إيرفين برلين، "الكل يفعلها"، ليكتب متناً على اللحن يخاطب به الرفاق. يحمل إليهم النبأ عن تغيير آت. يحضّهم على الانضمام إلى "اتحاد عمال العالم" بغية تنظيم الإضرابات، وتحدّي إرادات الشركات، والمطالبة بالحقوق انتصاراً لقوت الأسر والعائلات. فربّ العمل، يُعلّق هيل، بات "يهاب القوة الزرقاء"، إشارة إلى لون رداء عمال المناجم.
أغاني جو هيل ونشاطه التنظيمي قد بلغا حداً في التأثير على الحركة العمالية، جعل تجمع صناعيي النحاس، وبتواطؤ الساسة المحليين وزعماء الجريمة المنظمة، يلُفّق له تهمة قتل بقّال وابنه، أُحيل هيل بموجبها إلى القضاء في ولاية يوتاه، ليُدان ومن ثم يجري إعدامه. وذلك على الرغم من تدخّل الرئيس الأميركي ويلسون، خشية اندلاع احتجاجات بين صفوف العمال تعم كلّ البلاد.
في رثائه، ورفضاً لجريمة إعدامه، كتب ألفرد هايس Alfred Hays، سنة 1925، أغنية بعنوان "حلمتُ بأنّي رأيت جو هيل الليلة الماضية"، اشتُهر بأدائها مغني الباريتون الأسود، يساري الهوى، بول روبسون Paul Robeson، الذي لوحق بدوره في ما بعد من قبل لجنة مكارثي الشهيرة لمُكافحة الشيوعية وملاحقة حملة الفكر التقدمي داخل الولايات المُتحدة.
مصيرُ جو هيل كمصير المغني وعازف الغيتار التشيلي فيكتور خارا، 1932-1973 Víctor Jara. ففي أعقاب فوز رئيس حلف "الوحدة الشعبية" سلفادور الليندي بالانتخابات الرئيسية، وذلك بفارق ضئيل، سعى الأخير، ذو التوجه الماركسي، إلى الشروع في عملية تأميم واسعة في البلاد. وبغية كسب تأييد العامة لاشتراكيته الطموحة والدعاية لها والتعبئة من أجلها، جنّد الليندي نخبة من الموسيقيين وكتاب الأغاني.
مشاريعٌ أغضبت اليمين، من سياسيين وعسكريين، ومن ورائهم الولايات المُتحدة، التي دعمت وخططت لانقلاب قاده الجيش أطاح بالليندي، وأتى بأوغسطو بينوشيه قائداً عسكرياً للبلاد عام 1973، ليشنّ حملة تصفية شنيعة طاولت رؤوس اليسار ومنهم خارا، الذي اقتيد إلى أحد الميادين الرياضية في سانتياغو، حيث أجبر على احتمال العزف على غيتاره بأصابعه العشرة وقُد كُسرت إصبعاً إصبعاً، قبل أن يُعدم رمياً بالرصاص.
بجانب التعاليم الروحية والأخلاقية الطهرانية المُميّزة للديانة الراستافارية، التي لا تزال منتشرة بين أفارقة جامايكا وفي مناطق من القارة السوداء، جعل بوب مارلي، Bob Marley 1945 - 1981، أسطورة الريغي الجامايكي الأشهر، من أغنياته أشبه ببيانات سياسية جمعت، من جهة، بين الدعوة الراستافارية إلى التحرر من قبضة السلطوية الهرمية الاجتماعية، أو ما تشير التعاليم إليه بـ"النظام البابلي" بالعودة إلى النقاء الأول، وما بين الحض، من جهة ثانية، على تحرير أفريقيا، وشعوب العالم أجمع، من أشكال الكولونيالية والاستعمار، ونماذج الرأسمالية والاستعباد والاستغلال.
إضافة إلى إثارة القضايا الاجتماعية ذات البعد الكوني، كما هي حال أغنية "كثيرة هي مآسي العالم"، نسمع مارلي يُدلي بدلوه إزاء الحرب الأهلية المستعرة في زيمبابوي من سنة 1964 إلى 1979، من خلال أغنية تحمل الاسم ذاته، في ما يُشكّل تدخلّاً مُباشراً في الصراع الدائر، ينادي مارلي لإنهاء الاقتتال بين كل من فصيل الجناح العسكري لجيش التحرير الوطني الأفريقي بزعامة روبرت موغابي، وجيش الشعب الثوري بقيادة جوشوا نكومو، وذلك رصّاً للصفوف في مواجهة مليشيات حكومة الأقلية البيضاء.
في جمع فنّي رمزي لصوت اليسار، لمع ثنائي الشاعر أحمد فؤاد نجم، 1929-2013، والمُلحّن المُغنّي الشيخ إمام، 1918- 1995، كتجربة مصرية في إنتاج الأغنية السياسية. لقد نجحا، ليس فقط في الضغط على جرح "النكسة" إثر هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في حزيران/ يونيو 1967، وإنما أيضاً في توجيه الساخر واللاذع من النقد، بصوت الشعب لا النخب، وبصريح العبارة ومجازها، عرّى فساد الأنظمة وفضح تبعيتها، كما في قصيدة "الفول واللحمة"، التي أودع بسببها كل منهما لسنة كاملة في السجن، و"بقرة حاحا"، التي تناولت استباحة البلاد والعباد من قبل الأسياد، وعادت لتُسمع بين صفوف الشباب الثائر خلال ثورة يناير/ كانون الثاني سنة 2011.
في المشرق، وتحديداً لبنان، كان المسرح السياسي الأكثر انفتاحاً، والأشد حراكاً وديناميكية في الشرق الأوسط منذ موجات الاستقلال وإلى اليوم. ارتبط العمل التنظيمي اليساري زمن السبعينيات، مروراً بالاحتقان الذي تولد نتيجة احتضان التنظيمات الفلسطينية، ثم تبعات الحرب الأهلية وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، بظهور نمط "الفنان المُلتزم"، الذي جسده كل من مارسيل خليفة وأحمد قعبور.
نشط كل منهما ميدانياً على نمط المغني الجوّال (تروبادور)، يعزفان على العود ويلحنان قصائد أغلبها لشعراء فلسطينيين، كمحمود درويش وتوفيق زياد، تركزت على تبنّي مشروع المقاومة الجامع والعريض، من دون التعرض للنُخب العربية الحاكمة. فيما انتهج زياد الرحباني خطاً ساخراً أشد اقتراباً من المعيش اللبناني اليومي، مقارباً بالنكتة السياسية أوجه المعاناة والتكيّف لديه إزاء ظروف الاحتراب والخراب والاصطفاف الطائفي، كما في أغاني برنامجه الإذاعي "بعدنا طيبين"، مثل "اختلط الحابل بالنابل".
على طراز المغني التروبادور، وإن بنسخة "الكاو- بوي"، وفي سبعينيات المشهد الأميركي المُضطرب خارجياً بسبب تداعيات حرب فيتنام وداخلياً على وقع حركة الحقوق المدنية، استأثر بوب ديلان، Bob Dylan، بوجدان الشباب المُحتقن بفضل موهبته في كتابة الشعر المؤثر، علاوة على فردية متطرفة، جامحة في السلوك كما في الخطاب، ونزوع نحو النأي والابتعاد بالفلكلور عما هو نمطي تقليدي، والعزوف عما هو سائد جماهيريا.
في أغنيته "أطرق باب الجنة"، Knockin' On Heaven's Door، وعلى متن لحن صار من خوالد الألحان، ينطق ديلان بلسان آمر شرطة لم يعد يحتمل الوقوف على الجانب الخاطئ من التاريخ، في إشارة إلى همجية قوى الأمن في قمعها للمظاهرات التي اندلعت في أميركا، سواء ضد الحروب الخارجية، أو نصرة للحقوق المدنية. إذ هو يصيح "أماه، انزعي عني رُتبتي، لم أعد أطيق رؤيتها بعد الآن"، وفي موضع آخر "أماه، ادفني سلاحي في التراب، فلم أعد أقوى على حمله .. السحاب القاتم قادم .. أشعر بأنّي بت أطرق باب الجنان".
لم يكن لون الراب، يوماً، منذ انطلاقته أوائل الثمانينيات، وهو الكلام المنظوم على نبض إيقاع صاخب، غريباً عن القضايا الاجتماعية والمطلبية، بل كان من صُلبها ووليد رحمها. هو صوت الأقلية العرقية الأميركية السوداء، التي ظلت تعاني عقوداً من العزل والتمييز الممنهج، الذي أدى إلى تهميشها وتقليص فرص صعودها طبقات المُجتمع، وجعلها حبيسة مناخات العنف والجريمة.
حضور الراب كبيان سياسي، راديكالي، يدعو إلى زعزعة النظام القائم الظالم بمُختلف الوسائل المتاحة، كان قد ظهر لدى فرقة "عدو حكومي"، Public Enemy. أسماء ألبومات وأغانٍ، بدأت تُسمع لأول مرة في بداية التسعينيات. "القوة للشعب"، "قبة الإرهاب"، "حارب السلطة" و"الجيل الثوري"، كلها عناوينُ أشبه بالشعارات، تجاوزت أسوار العزل التي أحاطت بأحياء السود الفقيرة، وأخذت تستقطب جميع ألوان تيار اليسار، من أسود إلى أبيض.
لشد ما تبدو حال أغاني اليوم مختلفة عن الأمس. ولعل الأشد، هو اختلاف الأحوال السياسية؛ إذ إن ثورة الاتصالات، التي زامنت فواصل تاريخية فارقة، من نهاية الحرب الباردة وتسيُّد أميركا على رأس القرن العشرين، ثم هجوم 11 سبتمبر/ أيلول وانقسام العالم من جديد إلى معسكرين على خط هوياتي هذه المرة عوضاً عن أيديولوجي بائد، أخذ يبهت بانهيار اليسار وانحسار الطبقة الوسطى، ليؤول الانقسام انشطاراً، وليمسي التعسكر أخرنة وشيطنة.
لم يعد التخندق اليوم خلف سوجٍ شائكة وسواتر ترابية، وإنما أصبح خلف شاشات حواسيب وهواتف محمولة. لم تعد لتُبثَّ الأغاني على أثير الإذاعات، أو تُهرب في "كاسيتات"، وإنما صارت تسبح في فضاءات الإنترنت الشاسعة، الظاهرة والمستترة، على شكل بيانات رقمية تطير بسرعة الضوء.
في تلك البيئة الاستقطابية، ظهر مصطلح "أغاني الكراهية"، Hate Songs، ليُطلق على دفق سمعي يُتداول بين أتباع اليمين الأبيض المتطرف، يُروَّج من بين ثناياه لروايات "الاستبدال الكبير"، The Great Replacement، التي تتحدث عن نُخبة عرقية أوروبية بيضاء تتضاءل ديموغرافياً، يتهددها زحف المهاجرين نحوها من كل صوب، تُنتجها شركات موسيقية تحت أرض الإنترنت، كـ"القوة البيضاء"، White Power، و"التجربة الفاشية"، Fascist Experimental.
على الطرف المقابل من الصراع الهويّاتي، يتناهى صدى "الأغنية الجهادية" بين شريحة واسعة من الشباب المسلم، تمتد من الشرق إلى الغرب، تنطق بعديد اللغات، ومن دون أن تكون لها بالضرورة تمثيلات تنظيمية مُحددة. في بعض الدول الإسلامية كالصومال، تجد الأنشودة الجهادية منافذ إلى قلب الإذاعات المحلية، حيث تتناهى عناوين أغان كـ"بجهادنا سنُفجّر الصخر" و"هيا اقتلوني شهيداً"، فواصلَ بين البرامج الإخبارية والإعلانية المُتفرقة.
يظهر الانقسام الهويّاتي الراهن على صعيد الداخل الأميركي، بمُقابِلات سياسية - ثقافية ما بين رجعي وتقدمي. أغاني "الكونتري"، Country، أخذت تُمثّل اليمين من عموم الجمهوريين، وخصوصا القاعدة الإنجيلية البيضاء المؤيّدة للرئيس الحالي دونالد ترامب.
رغم غُربة الأخير، المولود والمُترعرع في مانهاتن على الساحل الشرقي، عن ثقافة الغرب الأميركي، إلا أنه أحسن الضرب بريشة السياسة على البانغو والغيتار. فما كان منه، بهدف تخفيف حدة التناقض الناجم عن زيارته للمملكة العربية السعودية سنة 2017، إلا أن اصطحب معه نجم غناء الكونتري توبي كيث، Toby Keith، أحد أشد الأصوات علوّا وحدّة في تأييد الغزوات الأميركية للعراق وأفغانستان.
التقدميون بدورهم بادروا إلى دخول الحرب الغنائية، فور فوز ترامب برئاسة الولايات المُتحدة الأميركية؛ حيث أعلن الكاتب ديف إيغرز، Dave Eggers، في عام 2017، عن مشروع "ثلاثون يوماً، ثلاثون أغنية"، إذ دعا فناني الولايات المتحدة إلى إصدار أغان احتجاجية ضد ترامب، المتسابق على الرئاسة في حينها، وذلك كلّ يوم على مدار ثلاثين يوماً، وصولا إلى موعد الانتخابات. اشتُهر منها "قرض بمليون دولار"، Million Dollar Loan، التي تزعم عدم جدارة المُرشح ترامب بتبوّء منصب الرئاسة.
كانت الموسيقى والأغنية، وستبقى، من أهم حوامل النشاط الإنساني. من حب، إلى حرب، ومن عقائد دينية إلى رسائل سياسية. يكمن ذلك في قدرتها على الاستثارة الحسيّة، والتأثير العاطفي، إضافةً إلى نقلها الآراء والأفكار، تصريحاً أو تلميحاً.
في عصر يتمحور حول الصورة، يتميز بكثافة التجربة الرقمية وقصر أمدها، علاوة على سرعة وسهولة حيازتها واستهلاكها، فإن الأغنية ستستمر في مهمتها السياسية، لعلها لن تقتصر على الصوت بل ستدخل ضمن إنتاجٍ سمعي مرئي متكامل، مُستقطب كاستقطاب مُنتجيه ومستهلكيه، رخيص الكلفة، نَفوذٌ ومؤثّر كما لم يخطر على بال بيتهوفن أو فاغنر، ولا حتى مارلي في يوم من الأيام.