19 سبتمبر 2022
الموصل ليست حلبةً لرقص الآخرين
قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما إن المعركة الفاصلة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل لاستعادة المدينة من قبضة داعش قد تبدأ "سريعاً إلى حدّ ما"، وأقرّ بأنها ستكون صعبة، مشيراً إلى أنّ الموصل "مدينة كبيرة"، وأنّ "الدولة الداعشية رسّخت نفسها بقوة داخل هذه المدينة"، لكنه استدرك: "نحن على ثقةٍ من أننا في موقفٍ يمكّننا من التقدّم سريعاً"، مضيفاً أنه يتطلع إلى إحراز تقدّم بحلول نهاية العام الحالي. وشدّد الرئيس الأميركي على ضرورة إعادة بناء الموصل "لمنع المتشددّين من العودة إليها"، وقال إنه سيطلب من الكونغرس، ودول أخرى، تقديم الدعم لتلك الجهود. وقد سقطت الموصل في قبضة التنظيم في يونيو/ حزيران 2014.
وتمّ التأكيد على أنّ استعادة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بحلول نهاية العام الحالي. ورجح عسكريون عراقيون أن يبدأ هذا الزحف في النصف الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وتضمّ الموصل قرابة مليونين من السكان المدنيين الذين يرفضون رفضاً قاطعاً دخول الفصائل والمليشيات الطائفية إليها، وكلّ المتحالفين معها. وحذّر مسؤولون من وقوع كارثةٍ إنسانيةٍ داخل المدينة، حيث يعيش السكان تحت حكم الحديد والنار لتنظيم داعش. الأخبار شحيحة جداً من داخل الموصل ومأساتها الحقيقية، إذ تضاءلت إمدادات الغذاء، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني. ثمّة عمليات مقاومة ناجحة، يقوم بها مسلحون من أبناء المدينة مع سلسلة إعدامات تجري يومياً ضد كلّ من يحترز جهاز موبايل. وقد انقطعت الأخبار نهائياً، بعد أن أقدمت "داعش"، قبل شهرين، على قطع كلّ وسائل الاتصال الإلكتروني، فانعزل الناس انعزالاً كاملاً، ولا تعرف الآن ظروفهم وتفاصيلهم المأساوية.
من أبرز ما يمكن التفكير فيه لا يقتصر على مسألة إرجاع أرض أو عودة مدينة، على الرغم من قناعة غالبية الناس بأنها لن تسلم من الدمار والخراب، كالذي حدث في رصيفاتها التاريخية، حلب والرمادي، مع اختلاف طبيعة الأحداث بين المدمِّر والمدمَّر. ولكن، لم يستبق أحد التفكير والمناداة بالعمل لوجستياً في خطط، حتى لو كانت بسيطة، لما بعد تحرير الموصل، خصوصاً أن ما شهده المجتمع في المدينة، وتوابعها في الأطراف، كان عصّياً على الفهم والتفكير، فقد أخليت الموصل وأطرافها من المسيحيين الذين اختاروا النفي، وأجبر بعضهم على المغادرة وترك بيوتهم وأملاكهم نهائياً، ناهيكم عن الاستئصال الإجرامي الذي مورس ضد شرائح معينة من السكان، وفي مقدّمتهم اليزيدية والشبك، وكلّ من تعامل سياسياً أو عسكرياً أو إدارياً أو تشريعياً في مرحلة ما بعد عام 2003.
السؤال المثير: هل كانت هذه التجربة المريرة بسقوط الموصل تحت بطش أقذر احتلال ظلامي افترس المجتمع وأخلاقياته وثقافته، ودمر رموزه المعمارية والحضارية، سبيلاً حقيقياً ومنطقياً لتوحّد أبناء الموصل ونينوى، وجعلهم يفكّرون بطرقٍ جديدةٍ، لا علاقة لها بما كانوا يفكرون به قبل المأساة؟ وهل استدعى ذلك كلّه، لكي يبحثوا في مصيرهم لما بعد التحرير؟ ما يخشى منه العقلاء من أبناء الموصل، وإقليمها نينوى، أن يرقص الآخرون على دماء أبنائها، والعراق يعيش فجيعة دولة عراقية ضعيفة وانفلات أمني، وانهيار وتفكّك اجتماعي، وانعدام روحٍ وطنيةٍ، وبطش مليشيات وعصابات موالية للآخرين. وما يسمعونه من دعواتٍ تطلقها أكثر من جهة لتقرير مصيرها، وعلى ألسنة كلّ من هبّ ودب، من دون أيّ تقديرٍ لظروف المحنة التاريخية التي عاشتها الموصل وسكانها. من التعاسة أن يوزّع الأحكام أولئك الذين لا علم لهم بقيمتها، وهم بعيدون عنها جغرافياً، ولا يفقهون علاقات الناس بعضهم بالآخر.. ما يحمّلهم هموماً وكمداً سيكولوجياً لا يعرف مداه إلا الله. كلّ الخوف أيضاً أن تستعر أيّة حربٍ أهليّة داخلية، خصوصاً أنّ موصليين متشدديّن قد روّجوا "داعش" منذ سنوات، بل وأصبحوا دواعش بامتياز ضدّ أهلهم ومجتمعهم، ناهيكم عن خطر الأطراف على الدواخل، وسحق النسيج الاجتماعي.
ما تتعرّض له المنطقة اليوم أتعس بكثير من المرحلة الصعبة التي أعقبت "سايكس- بيكو" ومؤثراتها الجيوسياسية، فكيف بنا اليوم، ونحن نشهد صراعاتٍ طائفيةً وتشرذماتٍ مذهبية، وحكومات بائسة لا تعنيها المصلحة العامة، ولا مصائر الشعوب، ولا محنة البشر. مصير الموصل سيحدّد سمات مرحلة مستقبلية مقبلة، ترسم بدم الناس الأبرياء الذين كانوا حطباً لنارٍ أشعلها كل من الطغاة والمتشدّدين في بلدانهم، بل وسمحوا لعصاباتٍ ومليشياتٍ بالعبث والتدمير.
من المهم تحرير الأرض من "داعش"، لكن الأهم هو مصير الإنسان ما بعد "داعش". إنّ طوراً انتقالياً مهمّاً جداً ينبغي أن يمر خلال الشهور الأولى، وتتمثّل خطورته بما سيجري على الأرض، والعناية بالإنسان في مجتمعٍ انسحق تماماً من الناحية النفسية، بعيداً عن أي تصريفاتٍ عرقيةٍ، أو أيّة تمايزات دينيّة أو مذهبية أو طائفية.. مرحلة تتضمّن وحدة الرأي مع وحدة الهدف، وبعيداً عن أيّة تجاوزات جغرافية أو جيوبوليتيكية ما أنزل الله بها من سلطان على الموصل، وحدة إدارية جغرافية ديموغرافية. ولا يمكن إلغاء علاقات المجتمع فيها بمحيطه ومصالحه، فالموصل وإقليمها على أقل تقدير لا يمكن اعتبارها واعتباره مجرّد أسلاب حربٍ لهذا الطرف أو ذاك، وكأنها مشاعة ومن دون أصحاب، وكأنهّم يتعللّون بمصطلح سياسي ظريف ومثير وقليل الاستعمال في ثقافاتنا العربية والشرقية، مطاطي وذو أوجه متعددة، وترجمته باللهجة الموصلية "كل من يريد ما يعفّ"، أو بالسورية "كلّ من إيدو إلو".
وعليه، لا يمكن لأيّ طرفٍ في داخل العراق وخارجه أن يوزع الغنيمة على أهله من دون أيّ معرفةٍ سابقةٍ بدقائق الجيوبوليتيكية للموصل ولإقليم نينوى، وعلاقاته التاريخية والعضوية مع جيرانه، وخصوصا إقليم كردستان الذي كان حاضنةً آمنة لكلّ المهاجرين والنازحين، ويحدثنا التاريخ أنّ الموصل ونينوى كانت حاضنةً آمنةً لكلّ من كان يلجأ نحوها، أو ينزح إليها من أعماق الجبال. هكذا، يمكن القول إنه من دون الالتفات إلى أهل المدينة وأهالي إقليم نينوى (باستثناء كلّ الدواعش منهم) عن مصيرهم المقبل، إثر خروجهم من المحنة القاسية بحول الله قريباً، فلا يمكن للآخرين أن يرقصوا على حلبة الموصل، وكأنها ملك لهم. وعليه، ليس لهم الحق في فرض وصايتهم عليها أبداً والعبث بمقدّراتها.
أساء بعضهم تفسير معنى إقليم الموصل، أو المطالبة بإقليم نينوى، إذ ما يزال بعضهم يتخيّل العراق ما زال قوياً وموحداً، والآخر لم يزل يفور وطنيّة في متخيله السياسي، ويرفض الآخر التعامل مع آليات ما بعد عام 2003، وأنا معهم جميعاً. لكن، للضرورات أحكام، خصوصاً أن الموصل التي تعرّضت لأسوأ الأحداث مدينة قديمة عريقة، وتضمّ مجتمعاً متنوعاً. كانت ولايةً عثمانيةً قويةً وثقيلةً بعدد سكانها وتنوع ثرواتها قديماً، وتضمّ سناجق (ألوية) عديدة، ثم غدت مركز لواء بعد سقوطها بيد البريطانيين عام 1918، وغدت سناجقها ألوية، كأربيل والسليمانية وكركوك، وبقيت لواءً، حتى صدر قانون المحافظات إبّان السبعينيات، لتغدو محافظة، وانفصل عنها قضاء دهوك، ليغدو محافظة، ثم جاء الغزو الأميركي عام 2003، وتأسيس إقليم كردستان، فانفصلت عنها أقضية عقرة وعين سفني وسنجار وغيرها. ثم احتلها "داعش" عام 2014 وهروب قوات الجيش العراقي، بأوامر من رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي يعد المتهم الأول بسقوطها.
اليوم ستحرّر الموصل. ولكن، لا يمكنها أن تبقى رفقة إقليمها معرّضة، ليس للتقسيم وحسب، بل للانسحاق بتجريدها من إقليمها. تعد المطالبة بإقليمها إدارياً ضرورة تاريخية، لا يمكن أبداً إبقائها عرضةً للآخرين، كي يفعلوا بها ما يريدون، بمعزل عن أهلها أصحاب المصلحة الأولى في تحديد مصيرهم ومستقبل أجيالهم .. وتقتضي الضرورة فرض أحكام عرفية، فور تحريرها، وأن يفرض الأمن عليها فرضاً.
وتمّ التأكيد على أنّ استعادة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بحلول نهاية العام الحالي. ورجح عسكريون عراقيون أن يبدأ هذا الزحف في النصف الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وتضمّ الموصل قرابة مليونين من السكان المدنيين الذين يرفضون رفضاً قاطعاً دخول الفصائل والمليشيات الطائفية إليها، وكلّ المتحالفين معها. وحذّر مسؤولون من وقوع كارثةٍ إنسانيةٍ داخل المدينة، حيث يعيش السكان تحت حكم الحديد والنار لتنظيم داعش. الأخبار شحيحة جداً من داخل الموصل ومأساتها الحقيقية، إذ تضاءلت إمدادات الغذاء، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني. ثمّة عمليات مقاومة ناجحة، يقوم بها مسلحون من أبناء المدينة مع سلسلة إعدامات تجري يومياً ضد كلّ من يحترز جهاز موبايل. وقد انقطعت الأخبار نهائياً، بعد أن أقدمت "داعش"، قبل شهرين، على قطع كلّ وسائل الاتصال الإلكتروني، فانعزل الناس انعزالاً كاملاً، ولا تعرف الآن ظروفهم وتفاصيلهم المأساوية.
من أبرز ما يمكن التفكير فيه لا يقتصر على مسألة إرجاع أرض أو عودة مدينة، على الرغم من قناعة غالبية الناس بأنها لن تسلم من الدمار والخراب، كالذي حدث في رصيفاتها التاريخية، حلب والرمادي، مع اختلاف طبيعة الأحداث بين المدمِّر والمدمَّر. ولكن، لم يستبق أحد التفكير والمناداة بالعمل لوجستياً في خطط، حتى لو كانت بسيطة، لما بعد تحرير الموصل، خصوصاً أن ما شهده المجتمع في المدينة، وتوابعها في الأطراف، كان عصّياً على الفهم والتفكير، فقد أخليت الموصل وأطرافها من المسيحيين الذين اختاروا النفي، وأجبر بعضهم على المغادرة وترك بيوتهم وأملاكهم نهائياً، ناهيكم عن الاستئصال الإجرامي الذي مورس ضد شرائح معينة من السكان، وفي مقدّمتهم اليزيدية والشبك، وكلّ من تعامل سياسياً أو عسكرياً أو إدارياً أو تشريعياً في مرحلة ما بعد عام 2003.
السؤال المثير: هل كانت هذه التجربة المريرة بسقوط الموصل تحت بطش أقذر احتلال ظلامي افترس المجتمع وأخلاقياته وثقافته، ودمر رموزه المعمارية والحضارية، سبيلاً حقيقياً ومنطقياً لتوحّد أبناء الموصل ونينوى، وجعلهم يفكّرون بطرقٍ جديدةٍ، لا علاقة لها بما كانوا يفكرون به قبل المأساة؟ وهل استدعى ذلك كلّه، لكي يبحثوا في مصيرهم لما بعد التحرير؟ ما يخشى منه العقلاء من أبناء الموصل، وإقليمها نينوى، أن يرقص الآخرون على دماء أبنائها، والعراق يعيش فجيعة دولة عراقية ضعيفة وانفلات أمني، وانهيار وتفكّك اجتماعي، وانعدام روحٍ وطنيةٍ، وبطش مليشيات وعصابات موالية للآخرين. وما يسمعونه من دعواتٍ تطلقها أكثر من جهة لتقرير مصيرها، وعلى ألسنة كلّ من هبّ ودب، من دون أيّ تقديرٍ لظروف المحنة التاريخية التي عاشتها الموصل وسكانها. من التعاسة أن يوزّع الأحكام أولئك الذين لا علم لهم بقيمتها، وهم بعيدون عنها جغرافياً، ولا يفقهون علاقات الناس بعضهم بالآخر.. ما يحمّلهم هموماً وكمداً سيكولوجياً لا يعرف مداه إلا الله. كلّ الخوف أيضاً أن تستعر أيّة حربٍ أهليّة داخلية، خصوصاً أنّ موصليين متشدديّن قد روّجوا "داعش" منذ سنوات، بل وأصبحوا دواعش بامتياز ضدّ أهلهم ومجتمعهم، ناهيكم عن خطر الأطراف على الدواخل، وسحق النسيج الاجتماعي.
ما تتعرّض له المنطقة اليوم أتعس بكثير من المرحلة الصعبة التي أعقبت "سايكس- بيكو" ومؤثراتها الجيوسياسية، فكيف بنا اليوم، ونحن نشهد صراعاتٍ طائفيةً وتشرذماتٍ مذهبية، وحكومات بائسة لا تعنيها المصلحة العامة، ولا مصائر الشعوب، ولا محنة البشر. مصير الموصل سيحدّد سمات مرحلة مستقبلية مقبلة، ترسم بدم الناس الأبرياء الذين كانوا حطباً لنارٍ أشعلها كل من الطغاة والمتشدّدين في بلدانهم، بل وسمحوا لعصاباتٍ ومليشياتٍ بالعبث والتدمير.
من المهم تحرير الأرض من "داعش"، لكن الأهم هو مصير الإنسان ما بعد "داعش". إنّ طوراً انتقالياً مهمّاً جداً ينبغي أن يمر خلال الشهور الأولى، وتتمثّل خطورته بما سيجري على الأرض، والعناية بالإنسان في مجتمعٍ انسحق تماماً من الناحية النفسية، بعيداً عن أي تصريفاتٍ عرقيةٍ، أو أيّة تمايزات دينيّة أو مذهبية أو طائفية.. مرحلة تتضمّن وحدة الرأي مع وحدة الهدف، وبعيداً عن أيّة تجاوزات جغرافية أو جيوبوليتيكية ما أنزل الله بها من سلطان على الموصل، وحدة إدارية جغرافية ديموغرافية. ولا يمكن إلغاء علاقات المجتمع فيها بمحيطه ومصالحه، فالموصل وإقليمها على أقل تقدير لا يمكن اعتبارها واعتباره مجرّد أسلاب حربٍ لهذا الطرف أو ذاك، وكأنها مشاعة ومن دون أصحاب، وكأنهّم يتعللّون بمصطلح سياسي ظريف ومثير وقليل الاستعمال في ثقافاتنا العربية والشرقية، مطاطي وذو أوجه متعددة، وترجمته باللهجة الموصلية "كل من يريد ما يعفّ"، أو بالسورية "كلّ من إيدو إلو".
وعليه، لا يمكن لأيّ طرفٍ في داخل العراق وخارجه أن يوزع الغنيمة على أهله من دون أيّ معرفةٍ سابقةٍ بدقائق الجيوبوليتيكية للموصل ولإقليم نينوى، وعلاقاته التاريخية والعضوية مع جيرانه، وخصوصا إقليم كردستان الذي كان حاضنةً آمنة لكلّ المهاجرين والنازحين، ويحدثنا التاريخ أنّ الموصل ونينوى كانت حاضنةً آمنةً لكلّ من كان يلجأ نحوها، أو ينزح إليها من أعماق الجبال. هكذا، يمكن القول إنه من دون الالتفات إلى أهل المدينة وأهالي إقليم نينوى (باستثناء كلّ الدواعش منهم) عن مصيرهم المقبل، إثر خروجهم من المحنة القاسية بحول الله قريباً، فلا يمكن للآخرين أن يرقصوا على حلبة الموصل، وكأنها ملك لهم. وعليه، ليس لهم الحق في فرض وصايتهم عليها أبداً والعبث بمقدّراتها.
أساء بعضهم تفسير معنى إقليم الموصل، أو المطالبة بإقليم نينوى، إذ ما يزال بعضهم يتخيّل العراق ما زال قوياً وموحداً، والآخر لم يزل يفور وطنيّة في متخيله السياسي، ويرفض الآخر التعامل مع آليات ما بعد عام 2003، وأنا معهم جميعاً. لكن، للضرورات أحكام، خصوصاً أن الموصل التي تعرّضت لأسوأ الأحداث مدينة قديمة عريقة، وتضمّ مجتمعاً متنوعاً. كانت ولايةً عثمانيةً قويةً وثقيلةً بعدد سكانها وتنوع ثرواتها قديماً، وتضمّ سناجق (ألوية) عديدة، ثم غدت مركز لواء بعد سقوطها بيد البريطانيين عام 1918، وغدت سناجقها ألوية، كأربيل والسليمانية وكركوك، وبقيت لواءً، حتى صدر قانون المحافظات إبّان السبعينيات، لتغدو محافظة، وانفصل عنها قضاء دهوك، ليغدو محافظة، ثم جاء الغزو الأميركي عام 2003، وتأسيس إقليم كردستان، فانفصلت عنها أقضية عقرة وعين سفني وسنجار وغيرها. ثم احتلها "داعش" عام 2014 وهروب قوات الجيش العراقي، بأوامر من رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي يعد المتهم الأول بسقوطها.
اليوم ستحرّر الموصل. ولكن، لا يمكنها أن تبقى رفقة إقليمها معرّضة، ليس للتقسيم وحسب، بل للانسحاق بتجريدها من إقليمها. تعد المطالبة بإقليمها إدارياً ضرورة تاريخية، لا يمكن أبداً إبقائها عرضةً للآخرين، كي يفعلوا بها ما يريدون، بمعزل عن أهلها أصحاب المصلحة الأولى في تحديد مصيرهم ومستقبل أجيالهم .. وتقتضي الضرورة فرض أحكام عرفية، فور تحريرها، وأن يفرض الأمن عليها فرضاً.