فن "المالد وأحمد الكبير والتوحدي والهوامة والبرزنجي"، أسماء تطلق على نوع محدد من الفنون الشعبية الدينية، تنتشر عادة في شمال السلطنة، حيث يقام "المالد أو المولد" في يوم الذكرى، وعادةً ما يجتمع المحتفلون حول "الخليفة ثم يليه الشاووش ثم القراء، في حلقات منتظمة".
للفرق الشعبية التي تقوم بإحياء المولد، تقاليد عريقة في توريث هذا الفن عبر العائلة الواحدة، حيث تنتقل خلافة "المولد" إما بالوراثة من جيل إلى جيل داخل الأسرة الواحدة، أو بالانتخاب في ما بين المتخصصين بهذا اللون من الفنون.
بينما "الْقُراء" يشترط أن يكونوا من أهل العلم والمعرفة بالقصة النبوية الشريفة، والعارفين بتفاصيل القراءة المولدية، وأصحاب صوت شَجيّ يؤثر في السامعين، بحيث يحلّق فيهم إلى فيوضات الوجد، وصفاء المشاعر والمحبة.
بعد التهيئة للاحتفال، وانتظام المحتفلين، يبدأ " القراء" بقراءة تواشيحهم المستوحاة من قصائد مدح نبوية، لابن الفارض ورحيم البرعي والشيخ عبدالقادر الجيلاني.
وهناك نوع ثانٍ من القراءات، التي يتجه فيها القراء إلى ترديد الروايات المأخوذة من كتاب "مولد شرف الأنام" والذي يعرف باسم "البرزنجي"، وهو من ثلاث طبعات إحداها شاميّة تزخر بالتواشيح، والثانية باكستانية شديدة الفصاحة اللغوية، بينما الثالثة هندية مُعربة، وهي الأكثر شيوعاً وانتشاراً بين القراء في شمال السلطنة.
يتكون "المالد" من فصول، وكل فصل يتكون من أربعة أجزاء، وأول جزء يسمى راوية الافتتاح، ثم القيام، ويؤدى وقوفاً، ويتم سرد قصة النبي "ص" منذ الولادة، ويحتوي هذا الجزء على ثماني عشرة رواية، إذا قُرئت متتالية دون بقية أقسام المولد.
وأخيراً الدعاء الذي يستوجب من الحضور الالتزام بالإيقاع الذي يحدثه الضرب على "الدّف"، ومواصلة الترديد خلف القارئ للأناشيد والمدائح، على أن يلتزموا بالإكثار من الصلاة والسلام على النبي الكريم.
وترديد أبيات الترحيب لقدومه (صلى الله عليه وسلم)، كقولهم:
أشرقت أنوار محمد
واختفت منها البدور
صلاة ربي ذي الجـــلال
على نور الهدى باهي الجمال
تتنوع صور الاحتفالات بمولد النبي في عموم السلطنة، فمن مناطق ساحلية تستهويها الطريقة البرزنجية، إلى مناطق أخرى يتم الاحتفال فيها من خلال عقد الندوات والمحاضرات، حيث تفتتح تلك الندوات فعالياتها بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم الحديث عن مناقب وصفات الرسول "ص"، وضرورة الاقتداء بخُلقه القويم.
في محافظة ظفار جنوب السلطنة، كانت تعقد قديماً حلقات الاحتفال بالمولد، فيجتمع من أراد الحضور إلى المكان المخصص، ليبدأ الجميع بقــراءة بعض آيات القرآن الكريم، التي جاء فيها ذكر النبي الكريم.
ثم يتواصل الاحتفال بقراءة جانب من السيرة العطرة، وبيان نسبه الشريف، ثم ينتقلون لقراءة الشمائل المحمدية، حتى إذا جاء ذكر مولده، قام الجميع إجلالاً وتعظيماً وترحيباً بمقدمه مرددين:
مولاي صَلِّ وسلم دائماً أبداً
على حبيبك خير الخلق كلـهم
يصل الاحتفال بالمولد إلى ذروته لحظة الوصول إلى دعاء "ختم المولد"، والذي يختلف من قارئ إلى آخر، حيث يتم ترديده من الحضور، متضرعين إلى الله بالدعاء كقولهم "اللهم إنا قد حضرنا قراءة ما تيسر من مولد نبيك الكريم، فأفض اللهم علينا خلع القبول والتكريم، واسكنا بجواره في جنات النعيم".
من اللاّفت أن كثيراً من الأسر العُمانية ما زالت تحافظ على الطقس الاحتفالي، والذي كان سائداً منذ زمن طويل، حيث تقوم النساء في البيوت بتحضير أطباق الحلوى وتقديمها للأهل والجيران، وإسعاد الصغار بهدايا رمزية فرحاً بحلول الذكرى العطرة.
وعلى الرغم من تنوع المذاهب في السلطنة، إلا أنَّ جميعها تولي هذا اليوم كثيراً من الاهتمام والرعاية، عبر التحضير المسبق للاحتفال به، ولسان حالهم يستجدي الدعاء والمغفرة، والتي أوجزها الشاعر العُماني "أبومسلم البهلاني" بقوله:
توسلت ملتاذا بسلطان قربه
إليك وحسبي أن يكون وسيلتي
ومن يتوسل بالرسول محمد
يلاق المنى من عين كل رغيبة