10 نوفمبر 2024
الميراث قضية رأي عام
تحول الخلاف بشأن المساواة في الإرث في تونس إلى قضية رأي عام. وعلى الرغم من أن الهيئة التي أنشأها رئيس الجمهورية قد طلبت رسميا تأجيل تسليم تقريرها الخاص بالحريات الفردية والمساواة إلى ما بعد تنظيم الانتخابات البلدية، حتى تتجنب توظيف اقتراحاتها من الأحزاب والتيارات المتنافسة، إلا أن جزءا من الجمعيات النسائية والمناصرين للمساواة شكلوا ما أطلقوا عليه "التحالف التونسي من أجل المساواة في الميراث" الذي قام بحركة استباقية، ونظم مسيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وبذلك انتقل الجدل من الدوائر الضيقة إلى الشارع، بحثا عن التأييد والمناصرة، ورغبة أيضا في التأثير على اللجنة، وعلى القيادة السياسية والبرلمان.
كان ذلك متوقعا، بحكم القضية المعروضة على الرأي العام، وهي من المسائل الخلافية بين التونسيين. بل هذا الجدل مرشح للاستمرار والتوسع في الأشهر المقبلة، حيث ستكون السنة الجارية سنة الحسم في هذا الموضوع، وفي مسائل أخرى لا تقل أهمية، وتتعلق بالحريات الفردية وبالمساواة بين الجنسين. ولعل تنظيم هذه المسيرة في بلد عربي في كنف الهدوء، ومن دون تسجيل عنف أو توتر، يعتبر في حد ذاته خطوة رمزية، لا يجوز التقليل من أهميتها.
هناك من حاول أن يجعل من هذه المناسبة فرصةً لاستفزاز المشاعر الدينية لعموم المواطنين (أو هكذا فهم الأمر)، برفع شعارات حرّفت آية قرآنية تتعلق بالميراث. لم يكن ذلك أسلوبا بنّاء، ومضارّه أكبر بكثير من المنافع التي يتصور هؤلاء أنها ستتحقق عبر إقصاء الدين من المجالين، الاجتماعي والقانوني، فللإسلام حضور قوي ومؤثر في أوساط التونسيين، ولا يمكن إنجاز إصلاحات دائمة وعميقة، لها صلة بالأحوال الشخصية، إلا من خلال قراءة مستنيرة للنصوص الدينية، تستند إلى نظرية التفاعل بين المصالح والمقاصد.
كما أن بعضهم لا يزال يخلط بين اتجاهات الرأي العام ودائرة الإسلاميين. في حين أثبتت الوقائع أنهما لا يشكلان جسما واحدا، إذ لكل منهما خصوصياته ومصالحه التي اختلفت ولا تزال في أكثر من مناسبة. لقد كشف استطلاع للرأي أنجز أخيرا أن ربع التونسيين يؤيدون المساواة في الإرث بين الجنسين، في حين يرفض 75% من التونسيين المساس بمنظومة الإرث، بحجة أنها ثابتة بنص صريح. في حين أن هناك إسلاميين عديدين لهم وجهة نظر أخرى في المسألة، ومنهم من أقدم على تقسيم التركة بين أبنائه بالتساوي، من دون تمييز بين الذكور والإناث.
الأمر الثالث الذي حوله خلافٌ حتى داخل أوساط المختصين في القانون. إذ منهم من يعتقد أن الدولة تتمتع بصلاحيات مطلقة، أو واسعة جدا، مما يمكنها من إصدار ما تراه من تشريعات ضرورية لتطوير المجتمع نحو الأفضل، حتى لو كانت أغلبية المواطنين رافضة ذلك. وفي المقابل، يعتقد رجال قانون كثيرون أن تهيئة الرأي العام وإشراكه في المراحل الانتقالية والإصلاحية الكبرى من شروط بناء الثقة، وتوفير ضمان أساسي لديمومة تلك التشريعات. ويستمر هذا الجدل منذ إصدار الرئيس الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية في مطلع الاستقلال.
اختلف السياق اليوم، وتغيرت الآليات، حيث يتمتع التونسيون بسقفٍ عال جدا من الحريات، ولا يمكن لأي رئيس أن يمرّر قانونا ما إلا إذا حظيت مبادرته بأغلبيةٍ بسيطةٍ من أعضاء البرلمان. وهو برلمان يتمتع فيه الإسلاميون بالكتلة الأكبر، من دون أن يعني ذلك استحالة تمرير قانون يساوي بين النساء والرجال في الميراث، وذلك في حال حصول تحالف بين بقية الكتل.
في انتظار أن تتم لجنة الحريات الفردية والمساواة تقريرها، وتعرضه على رئاسة الجمهورية، سيستمر الجدل والتجاذب بين مختلف الأطراف، وقد تتغير مواقف بعضهم في هذا الاتجاه أو ذلك، لكن في كل الأحوال يعيش التونسيون لحظات فريدة من نوعها، سيكون لها أكبر الأثر على مستقبلهم الثقافي والاجتماعي، خصوصا أنهم نجحوا الآن في نقل هذا الجدل إلى عدد من الساحات الأخرى، ومنها الساحة المغربية.
كان ذلك متوقعا، بحكم القضية المعروضة على الرأي العام، وهي من المسائل الخلافية بين التونسيين. بل هذا الجدل مرشح للاستمرار والتوسع في الأشهر المقبلة، حيث ستكون السنة الجارية سنة الحسم في هذا الموضوع، وفي مسائل أخرى لا تقل أهمية، وتتعلق بالحريات الفردية وبالمساواة بين الجنسين. ولعل تنظيم هذه المسيرة في بلد عربي في كنف الهدوء، ومن دون تسجيل عنف أو توتر، يعتبر في حد ذاته خطوة رمزية، لا يجوز التقليل من أهميتها.
هناك من حاول أن يجعل من هذه المناسبة فرصةً لاستفزاز المشاعر الدينية لعموم المواطنين (أو هكذا فهم الأمر)، برفع شعارات حرّفت آية قرآنية تتعلق بالميراث. لم يكن ذلك أسلوبا بنّاء، ومضارّه أكبر بكثير من المنافع التي يتصور هؤلاء أنها ستتحقق عبر إقصاء الدين من المجالين، الاجتماعي والقانوني، فللإسلام حضور قوي ومؤثر في أوساط التونسيين، ولا يمكن إنجاز إصلاحات دائمة وعميقة، لها صلة بالأحوال الشخصية، إلا من خلال قراءة مستنيرة للنصوص الدينية، تستند إلى نظرية التفاعل بين المصالح والمقاصد.
كما أن بعضهم لا يزال يخلط بين اتجاهات الرأي العام ودائرة الإسلاميين. في حين أثبتت الوقائع أنهما لا يشكلان جسما واحدا، إذ لكل منهما خصوصياته ومصالحه التي اختلفت ولا تزال في أكثر من مناسبة. لقد كشف استطلاع للرأي أنجز أخيرا أن ربع التونسيين يؤيدون المساواة في الإرث بين الجنسين، في حين يرفض 75% من التونسيين المساس بمنظومة الإرث، بحجة أنها ثابتة بنص صريح. في حين أن هناك إسلاميين عديدين لهم وجهة نظر أخرى في المسألة، ومنهم من أقدم على تقسيم التركة بين أبنائه بالتساوي، من دون تمييز بين الذكور والإناث.
الأمر الثالث الذي حوله خلافٌ حتى داخل أوساط المختصين في القانون. إذ منهم من يعتقد أن الدولة تتمتع بصلاحيات مطلقة، أو واسعة جدا، مما يمكنها من إصدار ما تراه من تشريعات ضرورية لتطوير المجتمع نحو الأفضل، حتى لو كانت أغلبية المواطنين رافضة ذلك. وفي المقابل، يعتقد رجال قانون كثيرون أن تهيئة الرأي العام وإشراكه في المراحل الانتقالية والإصلاحية الكبرى من شروط بناء الثقة، وتوفير ضمان أساسي لديمومة تلك التشريعات. ويستمر هذا الجدل منذ إصدار الرئيس الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية في مطلع الاستقلال.
اختلف السياق اليوم، وتغيرت الآليات، حيث يتمتع التونسيون بسقفٍ عال جدا من الحريات، ولا يمكن لأي رئيس أن يمرّر قانونا ما إلا إذا حظيت مبادرته بأغلبيةٍ بسيطةٍ من أعضاء البرلمان. وهو برلمان يتمتع فيه الإسلاميون بالكتلة الأكبر، من دون أن يعني ذلك استحالة تمرير قانون يساوي بين النساء والرجال في الميراث، وذلك في حال حصول تحالف بين بقية الكتل.
في انتظار أن تتم لجنة الحريات الفردية والمساواة تقريرها، وتعرضه على رئاسة الجمهورية، سيستمر الجدل والتجاذب بين مختلف الأطراف، وقد تتغير مواقف بعضهم في هذا الاتجاه أو ذلك، لكن في كل الأحوال يعيش التونسيون لحظات فريدة من نوعها، سيكون لها أكبر الأثر على مستقبلهم الثقافي والاجتماعي، خصوصا أنهم نجحوا الآن في نقل هذا الجدل إلى عدد من الساحات الأخرى، ومنها الساحة المغربية.