النزاع السوري من المعابر إلى السواحل
النزاع السوري من المعابر إلى السواحل
دخل النزاع السوري، في الآونة الأخيرة، أحد أهم منعرجاته، والمتمثلة في سيطرة فصائل المعارضة على مدينة جسر الشغور، التابعة لمحافظة إدلب غرب البلاد. ويبين خروج هذه المدينة عن سيطرة النظام، بما لا يدع مجالاً للشك، حسب محللين عديدين، مشهود لهم بالنزاهة والحياد في التعاطي مع الشأن السوري، أن الجيش النظامي لا يواجه جماعات متفرقة، بل هو في حرب ضد جماعات عالية التدريب ومجهزة بأحدث أنواع الأسلحة التي تدفق معظمها عبر الحدود السورية التركية.
ما كان في وسع المعارضة السورية أن تسيطر على أجزاء مهمّة من الشمال السوري، كمدينتيْ حلب وجسر الشغور، لولا نجاحها، في وقت سابق، في السيطرة على أهم المعابر الحدودية مع تركيا. وجاء التأكيد من النظام السوري الذي فسر خسارته مدينة جسر الشغور إلى تدفق السلاح على قوى المعارضة عبر الحدود التركية، ما ساهم في قلب موازين القوى، خصوصاً على الأرض، في حين بقي الجو حكراً على طائرات النظام السوري التي يلومها المعارضون السوريون، المقيمون في أدنى أصقاع الأرض، على إلقائها البراميل المتفجرة، وكأن سلاح الطيران، عبر التاريخ، كان يلقي الورود، لا القنابل.
أي جيش نظامي، مهما بلغ تعداده، ومهما كانت درجة تسليحه وجاهزيته، لابد أن ينهك، وليس الجيش السوري استثناء، باعتراف بشار الأسد نفسه، فقد تعددت الجبهات، وطالت حرب الاستنزاف، وأصبحت المعارضة السورية أكثر تسليحاً وخبرة ميدانية. ولعل العامل الأهم الذي رجح كفتها في معركة جسر الشغور توحيد صفوفها، وتجاوزها مرحلة حرب العصابات، وهي عبارة طالما أطلقها صناع القرار في الغرب على كل حركات التحرر الوطني ورموزها.
ويجمع كثيرون من متابعي الشأن السوري على أن المعركة المقبلة في سورية ستكون معركة البحر، بعد أن عجز طرفا النزاع في حسم معركة البر، كما يرى هؤلاء أن الهدف المقبل لقوى المعارضة هو مدينة اللاذقية، أحد أهم معاقل النظام الواقعة على الشريط الساحلي. خروج أي مرفأ من مرافئ الساحل السوري عن سيطرة النظام قد تقلب مجدداً موازين القوى، لأن هذه المرافئ ستكون مفتوحة أمام تدفق أنواع ثقيلة من السلاح من دولٍ، لم تدّخر أي جهد في الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع سورية.
من المعابر الى المخيمات إلى السواحل، يطوي النزاع السوري الأعوام طياً، مخلفاً وراءه أطلال بلد يستعرض فيه الكل عضلاته، من قوى عظمى، وأخرى تحن إلى أيام خوالي، مروراً بحركات مقاومة تهتف ضد عدو، وتقاتل آخر، ووصولاً إلى قوى إقليمية، هدفها زعامة هذه الطائفة، أو تلك، وبين هؤلاء وأولئك شعب نزح معظم أفراده، في حين خير بعضه الآخر ركوب البحر، لا للصيد، بل للعبور الى الضفة الأخرى، والظفر ببطاقة لاجئ، لم يحصل عليها من سبقهم إلى هناك، منذ عشرات السنين.