النظام السوري والتفاوض مع الأكراد: مناورة لاستيعاب "الحالة" واستفزاز لتركيا

عدنان علي

avata
عدنان علي
28 سبتمبر 2017
93C10096-E607-4153-A656-BCAEC163E2A4
+ الخط -
مع اقتراب الحرب على تنظيم "داعش" في سورية من نهاياتها، تعود الملفات المؤجلة إلى الظهور، وأبرزها "القضية الكردية" التي تبدو على اتصال وثيق بمصير الأكراد في العراق، لترتفع حرارة هذا الملف مع إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، إذ أعرب النظام السوري عن استعداده للتفاوض على منح الأكراد إدارة ذاتية، في ما وصف بأنه مناورة من جانب النظام لاستيعاب "الحالة الكردية"، ومحاولة للضغط على تركيا، ونقل هذه "الورقة" إلى ملعبها.

وقال وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، في حوار تلفزيوني مع قناة روسية قبل أيام، إن السوريين الأكراد "يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الجمهورية العربية السورية، وهذا الموضوع قابل للتفاوض والحوار". وأضاف "عندما ننتهي من القضاء على داعش يمكن أن نجلس مع أبنائنا الأكراد ونتفاهم على صيغة للمستقبل". وتمثل هذه التصريحات سابقة من نوعها، إذ تعد المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول سوري كبير عن استعداد النظام لمناقشة قضية الإدارة الذاتية للأكراد، الذين أعلنوا خلال الثورة السورية إقامة نظام فدرالي في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بقيادة صالح مسلم، في شمالي البلاد وشمالها الشرقي، قبل أن يضم إليها مناطق أخرى ليس فيها غالبية كردية. وعبر مسؤولو النظام أكثر من مرة عن رفضهم لما يقوم به هذا الحزب، وأدواته العسكرية والأمنية، سواء على صعيد إجراءات "الإدارة الذاتية"، وما يتضمن ذلك من سحب الشبان للخدمة العسكرية وتعديل مناهج الدراسة واستحداث محاكم وقوانين جديدة، أم لجهة التوسع في المناطق العربية، خصوصاً في الفترة الأخيرة، باتجاه حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور، وهو ما قد يقود إلى تصادم عسكري أوسع بين الجانبين، بعد مناوشات محدودة في الفترات الأخيرة شارك فيها الطيران الروسي، الذي قصف حقل "كونيكو" للغاز بعد سيطرة المليشيات الكردية عليه.

وفي أول رد فعل من جانب مسؤولي "الإدارة الذاتية" على تصريحات المعلم، قالت الرئيسة المشتركة لـ"الإدارة الذاتية"، هدية يوسف، إن "الإدارة" لم تتلق دعوة من النظام من أجل التفاوض، وإذا وجهت مثل هذه الدعوة، ستتم تلبيتها. وأشارت إلى أنهم أجروا اجتماعين مع النظام، بإشراف روسي، في مطار حميميم في اللاذقية "لكن النظام أصر على المركزية ورفض الحلول الديمقراطية". واعتبرت يوسف أن "الحل الفدرالي" وحده يحمي سورية من التقسيم، وأنه "لا خيار إلا الحوار لحل المسألة". وكانت "الإدارة الذاتية"، التي أسسها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أعلنت في مارس/آذار من العام الماضي، نظاماً فدرالياً في مناطق سيطرة الحزب، والتي قسموها إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (الحسكة في الشمال الشرقي) والفرات (شمال وسط وتضم أجزاءً من حلب وأخرى من الرقة) وعفرين (شمال غرب وتقع في محافظة حلب). وواجه هذا الإعلان رفضاً من جهات عدة، منها تركيا وروسيا والنظام السوري والائتلاف الوطني السوري، إضافة إلى الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لحزب الاتحاد الديمقراطي ومليشياته المسلحة. وأجرت "الإدارة الذاتية" انتخابات في مناطق سيطرتها، في 22 سبتمبر/أيلول الحالي، في أول خطوة ملموسة لتأسيس فدرالية من طرف واحد. وبدأت الانتخابات باختيار لجان محلية، وستستمر على ثلاث مراحل، إذ ستعقبها خطوات تؤدي إلى تأسيس مجلس تشريعي، وهيئة تنفيذية، في يناير/كانون الثاني المقبل. وكان نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، وصف هذه الانتخابات بأنها "مزحة"، مؤكداً أن حكومته "لن تسمح أبداً بانفصال أي جزء من أراضيها"، بينما قال مستشار رئيس حكومة النظام السوري، عبد القادر عزوز، إن حكومته "غير معنية بنتائج هذه الانتخابات"، التي اعتبر أنها "غير قانونية بحسب الدستور السوري". من جهتها، ذكرت القاعدة الروسية في حميميم، على صفحتها في "فيسبوك"، إن موسكو لن تدعم مشروع انفصال الأكراد عن سورية، معتبرة أن هذا الأمر "يتنافى مع التزامنا ضمان وحدة الأراضي السورية". وكانت موسكو أعربت عن دعم نظام لامركزي في سورية، واقترحت دستوراً يتضمن ذلك.



ويرى مراقبون أن تصريحات المعلم تهدف إلى احتواء أكراد سورية، الذين يراقبون ما يجري في إقليم كردستان العراق، وقد يطمحون إلى تشكيل إقليم حكم ذاتي تمهيداً للانفصال، رغم أن الأكراد، وعلى رأسهم "الاتحاد الديمقراطي"، ينفون حتى اللحظة أن تكون لهم نزعة انفصالية، ويقولون إنهم يريدون فقط حكماً ذاتياً ضمن الدولة السورية. ولا يعتقد نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري والقيادي البارز في المجلس الوطني الكردي، عبد الحكيم بشار، أن هناك أي تغيير في موقف النظام تجاه القضية الكردية في سورية. وأضاف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "مجرد تكتيك يمارسه النظام، ويهدف إلى الضغط على تركيا وإحراجها سياسياً، إذ يعيش فيها نحو 20 مليون كردي"، وهو رقم تعتبر تركيا أنه مبالغ فيه. ورأى بشار أن النظام "يهدف الى استمرار سيطرته على قرار قوات الاتحاد الديمقراطي، وتعزيز دورها في المجتمع الكردي، بعد أن أثبتت الانتخابات الهزلية التي أجراها هذا الحزب في 22 سبتمبر الحالي الفشل الجماهيري العميق لهذا الحزب، إذ إن الإقبال على صناديق الانتخابات كان ضعيفاً جداً". وأكد بشار أن "الأكراد يمثلهم المجلس الوطني الكردي، ولن يقبلوا التفاوض مع النظام القائم بشكل منفرد"، مضيفاً إن "مستقبل الأكراد مع الشعب السوري بمختلف مكوناته، والتفاوض مع هذا النظام سيكون من خلال المعارضة ووفق قرارات الشرعية الدولية، خصوصاً بيان جنيف والقرار 2254، من خلال حل سياسي ودستور جديد يضمن حقوق الأكراد في سورية، وليس مع نظام زائل رفضنا التفاوض معه عندما كان في أوج قوته".

من جهته، أعلن نائب رئيس رابطة الأكراد المستقلين في سورية، رديف مصطفى، أنه "لا يثق بنظام مجرم فاقد الشرعية قتل نحو مليون شخص، ودمر أكثر من نصف البلد، وهجر الملايين، بمواجهة المطالب المشروعة للشعب في الحرية والكرامة". وأعرب عن اعتقاده بأن النظام "لم يعد يمتلك سورية ليقرر مصيرها أو مصير جزء منها"، مضيفاً "هذه مجرد رسائل كاذبة تصدر من النظام في إطار محاولات إعادة تأهيل النظام بحجة مكافحة الإرهاب، علماً بأن النظام نفسه مارس ولا يزال إرهاب الدولة المنظم منذ البداية". وأشار مصطفى إلى أن النظام "لعب لعبة تحييد الأكراد عن الثورة، وسلم المناطق الكردية إلى حليفه التقليدي حزب العمال الكردستاني عبر ذراعه السوري (الاتحاد الديمقراطي)، وما زال مستمراً باستغلال هذه الورقة لكي يستعيد السيطرة على كامل سورية". وأعرب عن قناعته بأن النظام "سينقلب على هذه التصريحات بمجرد استعادته السيطرة على البلاد"، مضيفاً "نحن لا نثق بالنظام ولا بحلفائه، ولا نعتقد بأنه يمتلك الإرادة لحل أي ملف وطني في سورية، خصوصاً الملف الكردي. إنها مجرد تصريحات لذر الرماد في العيون وبعث رسائل إلى الغرب".

وبالتوازي مع رسالة الاسترضاء التي أطلقها وليد المعلم إزاء الأكراد، حرص النظام على توجيه رسالة أخرى، أطلقها مسؤول أقل أهمية، لكنها تعتبر مكملة للرسالة الأولى وفق حسابات النظام، إذ نشر أمين سر مجلس الشعب (البرلمان)، خالد العبود، تدوينة على حسابه على موقع "فيسبوك"، ذكر فيها الأكراد بمصير تنظيم "داعش". وقال "يجب أن يلتقط الإخوة الأكراد مصير دولة تنظيم داعش، التي دعمتها الولايات المتحدة والعرب وكيان الاحتلال، كي تكون في خاصرة الإقليم، لكن حلف المقاومة جعلها أثراً بعد عين، وعليهم أن يفهموا جيداً أنّ المراهنة على ذلك ستجعلهم أثراً غير مأسوف عليه". 


ويرى الصحافي شادي عبدالله أن الحكم الذاتي الكردي في بعض المناطق في شمال البلاد وشمالها الشرقي بات أمراً واقعاً، لكن حدود هذا الحكم ودرجة استقلاليته عن المركز، هو ما سيكون محل نقاش مع النظام ومع الأطراف الأخرى، بما فيها المعارضة السورية، والمكونات الأخرى الموجودة على الأرض، من عرب وأشوريين وسريان، والتي قد لا يقبل بعضها أن يكون تحت إدارة كردية، ويرتبط كل ذلك بمستقبل البلاد ككل، وطبيعة النظام السياسي والإداري الذي سيتم اعتماده في إطار الحل السوري، خصوصاً أن قضية الفدرالية مطروحة على مستوى البلاد كلها، وليس ما يخص المناطق الكردية فقط. ويعتقد عبدالله، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه رغم التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، بسبب التنافس على حقول النفط والغاز في دير الزور، فثمة توافق بينهما على إقامة حكم ذاتي للأكراد في مناطقهم، وهو ما أظهرته وثيقة الدستور الروسية التي جرى تسريبها قبل فترة. غير أن عبدالله يعتقد أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" يناور أيضاً، كما هو حال النظام السوري، معرباً عن اعتقاده بأنه لن يتوانى عن ضم مناطق الحكم الذاتي التي أعلن عنها في سورية إلى الإقليم الكردي في شمال العراق على أساس الاتحاد الفدرالي بين الجانبين، وهو أمر سيكون محل ترحيب لدى مسؤولي تلك الدولة، لأنه يحقق طموحاتهم بالعبور إلى البحر المتوسط بغية التخلص من كابوس الحصار الذي تلوح به دول الجوار. ورأى عبد الله أن الحزب الكردي السوري تخلى عملياً اليوم عن أهدافه السابقة المتمثلة في إقامة "إدارة ذاتية" في ما يسمى منطقة "روج آفا"، وبات يطرح شعار "سورية الديمقراطية"، مستفيداً من ضم بعض زعماء العشائر وبعض السريان والأشوريين إلى إدارته في مسعى لإقامة نظام فدرالي، على غرار شمال العراق، يكون مقدمة لإعلان الانفصال. ورأى عبدلله أنه قد يكون من بين أهداف دعوة التفاوض، التي أطلقها وزير خارجية النظام، محاولة استفزاز تركيا.

جدير بالذكر أن أكراد سورية يمثلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في سورية بعد العرب، ولا يعرف على وجه اليقين العدد الفعلي لهم في ظل غياب أية إحصاءات رسمية. وتتحدث تقديرات، غير رسمية، عن مليون سوري كردي من أصل 23 مليوناً هم العدد الكلي للسوريين، بينما ترفع مصادر مقربة من القوميين الأكراد العدد إلى أكثر من ذلك.


ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
المساهمون