وبدأت تتضاءل الآمال في تحقيق نتائج إيجابية جرّاء مفاوضات جنيف، إذ لم يبد وفد النظام، الذي عاد الأحد إلى المدينة السويسرية بعد تأخرٍ ليومين، مرونة في التعاطي مع الملف الأبرز وهو الانتقال السياسي، والمفترض أن المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عاود بحثه مع وفدي المعارضة والنظام، بدءاً من أمس الإثنين واليوم الثلاثاء وحتى يوم الجمعة المقبل، إذ من المقرر أن تختتم المباحثات.
ويبدو أن دي ميستورا يسعى إلى عقد جلسة مفاوضات مباشرة بين الوفدين، في محاولة للإيحاء بأن المفاوضات تقدّمت خطوة إلى الأمام. وفي هذا الصدد، قال عضو وفد المعارضة والمتحدث الرسمي باسمه، يحيى العريضي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "كل الاحتمالات واردة".
وبالتزامن مع مفاوضات جنيف، وصلت قوات النظام ومليشيات طائفية تساندها إلى التخوم الجنوبية لمحافظة إدلب، في تطوّر ميداني يؤكّد أنّ النظام ماض في الحسم العسكري، وهو غير معني بالمسار السياسي في جنيف، وهو ما يعزّز أيضاً ما تشدّد عليه المعارضة من أن النظام لن يعطي شيئاً على طاولة التفاوض يساعد في التوصل إلى حل سياسي.
وأكد العقيد طيار مصطفى بكور، وهو قائد العمليات في جيش "العزة" أبرز فصائل الجيش السوري الحر في شمال حماة وجنوب إدلب، أن "المليشيات الطائفية متعددة الجنسيات تحاول التقدم باتجاه مطار أبو الظهور العسكري" في ريف إدلب، مشيراً إلى أنّ هذا التحرك "يأتي تنفيذاً لاتفاقات أستانة التي تقضي بالسماح لقوات النظام بالسيطرة على المنطقة، شرق سكة القطار"، موضحاً أنّ هذه المليشيات "تستخدم ثلاثة محاور للتقدّم؛ محورين من ريف حماة الشرقي، ومحور من ريف حلب الجنوبي".
وبات من الواضح أن النظام ترك ثغرة لمسلحي تنظيم "داعش" للهروب من ريف حماة الشرقي إلى ريف إدلب، ليتخذ من ذلك ذريعة لمهاجمة إدلب، حيث جرى تجميع أغلب مسلحي المعارضة فيها على دفعات.
كذلك، رأى بكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام غير معني بمفاوضات جنيف ولا يكترث بها، مشيراً إلى أنه "يراوغ ويلعب على عامل الوقت". وقال بكور، وهو طيار منشق عن جيش النظام "جاءت القرارات الروسية بتأجيل أستانة حتى شباط المقبل وانسحاب وفد النظام من جنيف في إطار اللعب على عامل الوقت، من أجل كسب أكبر قدر من الأرض قبل الدخول في أي مفاوضات جدية".
ولفت بكور إلى أن رئيس وفد النظام لمفاوضات جنيف، بشار الجعفري، صرّح أخيراً أنه سيقول لوفد المعارضة: "على ماذا نفاوضكم إذا كنتم لا تملكون شيئاً"، ويقصد في ذلك الأرض.
ومنذ انطلاق المفاوضات في جنيف على مدى أعوام، اتبع النظام سياسة قضم معاقل المعارضة في أنحاء سورية، حتى باتت لا تسيطر إلاّ على مناطق محدودة وضيّقة ومكتظّة بالسكان، أكبرها محافظة إدلب، التي يتخذ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون من وجود "هيئة تحرير الشام" فيها ذريعة لمحاولة اقتحامها، ما يعني عملياً عدم جدوى اتفاق مناطق خفض التوتر الذي أقرّ في مسار أستانة.
ويهدف النظام وحلفاؤه إلى تقليص وجود المعارضة، للحد الذي يسمح بفرض حلّ سياسي يقصي هذه المعارضة عن المشهد السياسي، ويعزز وجود النظام الذي يعلن أنه لن يتفاوض على انتقال سياسي، وجل ما يعرضه تعديلات دستورية وربما انتخابات تشرف عليها أجهزة أمنه التي تفتك بالسوريين منذ عام 2011، من دون تدخّل رادع من المجتمع الدولي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي السوري محمود الحمزة أن مفاوضات جنيف "مضيعة للوقت"، مضيفا، في حديث مع "العربي الجديد"، "ولكن وفد المعارضة لا حيلة لديه سوى المشاركة، لإثبات أن النظام هو المستهتر، مع أنّ هذه النتيجة أيضاً عديمة الجدوى، لأن القوى الكبرى متفاهمة، وهي إلى جانب النظام". ويدعو الحمزة، وهو مختصّ بالشأن الروسي، المعارضة السورية إلى "رسم خطة بديلة لجنيف، وألاّ تضع آمالاً كبيرةً عليها"، معرباً عن اعتقاده بأن تنظيم داعش "ينسق مع النظام وإيران، وها هو يدخل إلى إدلب لتبرير قصفها من روسيا والنظام، ودخول المليشيات الشيعية إليها".