حقّق الجيش السوري الحرّ تقدماً جدياً في الجبهة الجنوبية على مدى الأشهر الماضية. فقد حافظت هذه الجبهة على وتيرة تقدّم للجيش الحرّ، لكن ضمن الخطوط الحمر المرسومة له، خصوصاً لجهة الاقتراب أكثر من دمشق. ويعزو مقربون من قيادة "الحرّ" في هذه الجبهة سبب التقدم إلى تنسيق الفصائل فيما بينها بشكلٍ كبير، إضافة إلى وجود غرفة عمليات مضبوطة في الأردن، وهي التي تُسيطر على طرق إمداد السلاح والذخيرة. على سبيل المثال، فإن أحد الخطوط الحمر، هو امتناع الجيش الحرّ عن السيطرة على آخر معبر حدودي بين سورية والأردن يُسيطر عليه النظام، وهو معبر نصيب الحدودي، الذي أوقف الجيش الحرّ الهجوم على حاميته في أكتوبر/تشرين أول الماضي، بسبب ضغوط خارجية.
وخسر النظام السيطرة على معظم مناطق درعا، لكن بقيت بين يديه مدن هامة، تُعد حصونه الأخيرة في المحافظة، وخسارتها تعني خسارة المحافظة بالكامل، وأبرزها المناطق الممتدة من إزرع إلى الصنمين.
لكن مصادر الجيش الحرّ في المنطقة، تؤكّد أن النظام السوري يعمل على سحب سلاحه الثقيل (المدفعية والدبابات) من نقاطه المنتشرة هناك، وخصوصاً فوج المدفعية واللواءين 12 و82 القريبين من إزرع إضافةً إلى مطار خلخلة العسكري، وترك قواته بلا حماية عسكرية أساسيّة. وتأتي هذه الخطوة بعد أن سحب النظام قواته الثقيلة من منطقة السويداء أيضاً. وهذا يعني أن الجزء الشرقي من محافظة درعا سيصبح شبه خالٍ من قوات النظام السوري، ولتُصبح المحافظة على تواصل أكبر مع السويداء وريف دمشق.
في هذه الحالة، فإن سحب قوات النظام من درعا وتركها فارغة يفتح المجال أمام المجموعات المتشددة، وخصوصاً تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) بالسيطرة عليها، والانطلاق منها باتجاه درعا المدينة، أو فتح معركة مع السويداء، خصوصاً أن قوات الجيش الحرّ غير قادرة على ملء الفراغ بسبب عدم حصولها على الدعم المطلوب لهذه المهمة من قبل غرفة العمليات في الأردن. ويتخوّف أن يؤدي هذه الأمر إلى مبايعة عدد من الفصائل المسلحة لـ"داعش"، خصوصاً أن بعضها ليس على وفاق مع الجيش الحرّ. كما أن تجربة "داعش" في منطقة الحجر الأسود قرب دمشق، تُثبت أنه قادر على استيعاب عدد كبير من المقاتلين. ففي منطقة الحجر الأسود، بحسب ما يؤكّد ناشطون ميدانيون، يدفع تنظيم "داعش" مبلغ 45 ألف ليرة سورية (نحو 250 دولاراً أميركياً) للمقاتل المنضم إليه، إضافة إلى تأمين حصص المازوت (ضروري في الشتاء) والمواد الغذائية. ويؤمّن "داعش" هذه المواد عبر شرائها من تنظيمات فلسطينية حليفة للنظام السوري أو من قوات النظام مباشرةً. واستطاع "داعش" أن يجذب نحو 700 مقاتل في منطقة الحجر الأسود بسبب هذه السياسة.
لكن لماذا يتخلّى النظام عن هذه المناطق؟ بات الجيش السوري في هذه المنطقة، تحت ضربات متتالية للجيش الحرّ تستنزفه بشكلٍ شبه يومي، كما أنه على تماس مع قوات "داعش" رغم عدم حصول معركة كبيرة بينهما. وهو في هذه الحالة، يُشكل منطقة الفصل بين "داعش" وقوات الجيش الحرّ، وانسحابه يعني المواجهة المباشرة بين الطرفين.
كما تؤكّد مصادر الجيش الحرّ، وأخرى درزية، على أن النظام يعيش أسوأ مراحله في منطقة السويداء. فقد وصل عدد المطلوبين للتجنيد الاجباري من السويداء إلى أكثر من 11 ألف شاب، لم يلتحق منهم أكثر من ثمانين شاباً، أوقفوا على حواجز الأمن. وقد حاول النظام إقناع الدروز بالانضمام إلى اللجان الشعبية تحت عنوان حماية مناطقهم، إلا أن المشايخ تيقنوا إلى أن الأمر يُعد فخاً، إذ يتم نقل الشبان إلى جبهات أخرى. وجاء مقتل نحو 30 شاباً درزياً، في "معركة زج النظام بالدروز فيها في جبل الشيخ ليؤكّد للمشايخ أنه لا يُمكن الثقة بالنظام لأنه أوقع بأبنائهم" كما تنقل مصادر درزية.
ومع مرور الوقت، بدأت تزداد ردة الفعل على توقيف الأمن للمطلوبين للخدمة في مناطق السويداء، وبدأ الأهالي بالهجوم على مفارز الأمن بهدف إطلاق سراح أبنائهم، وهو ما تكرر في عدة بلدات ومدن درزية. كما أن "داعش" الذي يتواجد على أبواب السويداء، في منطقة بير قصب، قام أخيراً بتفجير مقام ديني درزي، وتؤكّد مصادر درزية على أن المقام فارغ ولا يزوره أحد لأنه بعيد عن المناطق المأهولة.
بذلك، يكون تمهيد الجيش السوري لخسارة هذه المناطق من مطار خلخلة العسكري، إلى اللواء 12 في إزرع، تعني أنه يفتح المجال أمام معركة من اثنين: إما مواجهة بين "داعش" والجيش الحرّ، تبدو موازين القوة فيها لصالح "داعش" بسبب ضعف الدعم من الأردن. أو بدء معركة بين الدروز و"داعش" وهو ما يفيد النظام إعلامياً بشكلٍ كبير جداً.