انقضى عام 2019 فيما هناك 71 صحافيًا وإعلاميًا مصريًا في السجون، وفقًا لآخر حصر أصدره "المرصد العربي لحرية الإعلام" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، بتواريخ احتجاز مختلفة على ذمة قضايا مختلفة واتهامات شبه موحدة، منها "نشر وإذاعة أخبار كاذبة"، و"تحريض على مؤسسات الدولة"، و"مشاركة جماعة إرهابية". ومنذ بدء العام 2020 الجاري، هناك بوادر لزيادة أعداد الصحافيين داخل السجون المصرية بشكل مباشر وصريح، تحديداً كلما اقتربت ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إثر مزيد من التضييقات والخنق على الصحافيين المعارضين للنظام الحالي والمنتمين لجيل ثورة 25 يناير ممن عملوا في الإعلام في الأعوام التي تلت الثورة.
أبرز تلك الوقائع التي تنذر بتضييق فج على الصحافيين والإعلاميين، هي واقعة استدعاء الصحافي والإعلامي محمد الجارحي، بعد الهجوم على بيته في منتصف الليل والقبض على شقيقه، ويأتي هذا الاستدعاء على خلفية بلاغ قدمته النائبة غادة عجمي تتهمه بالسب والقذف في حقها. وتأخر استدعاؤه للتحقيق فقط بسبب مطالبة نقابة الصحافيين بتأجيل الاستدعاء لحين حضور محامٍ وأعضاء من مجلس النقابة معه.
الجارحي ليس عضوا في أي تنظيم سياسي، لكنه عمل مُعدًّا لعدد من البرامج الإخبارية والحوارية العامة في عدد من القنوات المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير، ومعروف بحبه الشديد لعمله ومهنته التي ظل وفيًا لها حتى في سنوات طويلة قضاها دون عمل نظرًا للتضييقات التي مورست ضد الإعلاميين والصحافيين المعروفين بولائهم لثورة 25 يناير. لكن الجارحي كرّس حياته لخدمة الناس والمجتمع بعدما فقد وليده، فدفعه حزنه إلى السعي لإنقاذ أطفال الآخرين من السرطان، وبذلك تحرر من مأساته الشخصية بالعمل على بناء مستشفى للأطفال من تبرعات أهل الخير، ولم يكلف الحكومة شيئًا، وأشرف على بناء مستشفى 25 يناير الخيري من خلال حملة التبرع وخطوات البناء والتجهيز خطوة خطوة حتى صار الحلم حقيقة اسمها مستشفى 25 يناير. في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن محمد الجارحي أنه في الساعات الأولى من صباح اليوم نفسه، اقتحمت قوة أمنية منزل والده وسألوا عنه، وعندما لم يجدوه، ألقوا القبض على شقيقه ياسر، ولم يظهر في أي من الأقسام أو النيابات والمحاكم، حتى موعد كتابة هذه السطور.
واقعة أخرى تشير إلى التضييق على الصحافيين والإعلاميين في مصر، هي إحالة الصحافية مديحة حسين زوجة الصحافي المصري المعتقل هشام فؤاد، للتحقيق، على خلفية مذكرة أمام الشؤون القانونية لصحيفة "أخبار اليوم". ففي 25 يونيو/حزيران 2019، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الكاتب الصحافي هشام فؤاد، عضو نقابة الصحافيين، والمدافع الاشتراكي عن حقوق العمال والفلاحين وعضو حركة الاشتراكيين الثوريين المصرية، من منزله فجرًا. كما أراد النظام المصري إيصال رسالة لأعضاء مجلس نقابة الصحافيين المصرية الذين يحاولون تحسين أوضاع زملائهم في السجون، بمنعهم من زيارتهم بخلاف القانون.
وأعلن عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية ومقرر لجنة الحريات عمرو بدر، أنه بعد الانتظار لمدة 3 ساعات أمام معهد أمناء الشرطة طهر السبت 11 يناير الجاري، تم منعه هو وعضو المجلس هشام يونس، من حضور جلسة تجديد حبس الصحافيين حسام مؤنس وهشام فؤاد وعادل صبري. وعلّق بدر على ما حدث بأنه "مخالفة قانونية واضحة وتعنت جديد ليس له مبرر". ويأتي هذا المنع من الزيارة، بعد أقل من شهر من سماح السلطات المصرية لوفد نقابة الصحافيين في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، بزيارة الصحافيين حسام مؤنس وهشام فؤاد في سجن ليمان طرة بعد الحصول على تصريح زيارة صادر عن النائب العام المصري.
أتى ذلك بعد اعتقال النظام للصحافية سولافة مجدي وزوجها المصور حسام الصياد أواخر العام الماضي، بالإضافة إلى الناشط محمد صلاح، والثلاثة معروفون بصداقتهم مع الصحافية والناشطة إسراء عبد الفتاح المعتقلة أيضاً. وجميع الوقائع السابقة، تمثل مجموعةً من الرسائل التي يرسلها النظام المصري من حين لآخر، للتذكير بأنه هو المسيطر الأول والأخير على المجالات الإعلامية والصحافية، وأنه يملك السيطرة على المشهد الإعلامي كاملًا.
وبنظرة على المشهد الإعلامي والصحافي في مصر خلال السنوات الماضية، فقد وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 546 موقعًا على الأقل، بعد الهجمة التي صاحبت تظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، من بينها 103 مواقع صحافية، وفقًا لحصر أجرته "مؤسسة حرية الفكر والتعبير". وقد أظهر التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2019، تراجُع مصر إلى المرتبة 163 عالميا بتراجع مركزين عن العام الماضي من أصل 180 بلدًا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن "لجنة حماية الصحافيين" CPJ، تحتل مصر المرتبة الثالثة كأسوأ بلد من حيث سجن الصحافيين. وتصدرت الصين وتركيا والسعودية ومصر وإيران قائمة البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين في العالم، وفق تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، نشر في منتصف ديسمبر الماضي، فيما كانت مصر أكثر دولة تستخدم تهمة نشر "أخبار كاذبة" لاعتقال الصحافيين.