النظام المصري يقمع الإعلام بـ"الكود الأخلاقي"

14 يونيو 2017
تأميم الإعلام المصري عبر قوانين جائرة (العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر"، عن بدء تطبيق نظام "الكود الأخلاقي الإعلامي" اعتباراً من السبت الماضي، في الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، والخاص بتناول القضايا الخلافية العربية، عقب يومين من لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رؤساء "المجلس الأعلى للإعلام" و"الهيئة الوطنية للصحافة" و"الهيئة الوطنية للإعلام" و"الهيئة العامة للاستعلامات".

ويأتي ذلك بعد سلسلة من القرارات القمعية وكبْت الحريات العامة، ومن ضمنها الحريات الإعلامية، وحجب أكثر من 52 موقعاً إلكترونياً من بينها "العربي الجديد"، بدعاوى معارضة النظام الحاكم (الانقلاب)، والإرهاب، ونشر الإساءات، وجملة من المزاعم التي يروّجها نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وقال رئيس لجنة الشكاوى في المجلس، جمال شوقي، في بيان للمجلس "الشق الأول من الكود الأخلاقي الإعلامي يتضمن منح الإعلامي الحق الكامل في الدفاع عن وجهة نظر بلده في أي خلاف، وله أن يتعامل في ذلك باتباع كافة الأسانيد التي تؤيد وجهة نظر بلاده".

ويشمل الشق الثاني من الكود الأخلاقي التزام الإعلامي بألا تتضمن عباراته سبّا أو قذفا أو تجريحا لأشخاص، وأن يكون الرأي والنقد محل الخلاف موجها إلى القرار محل الخلاف، ولا ينسحب على شخصه.

وجاء الإعلان عن بدء تطبيق "الكود الأخلاقي" بشكلٍ مفاجئ وبوتيرةٍ متسارعةٍ، تثير الشكوك حول خطة للنظام الحاكم لتأميم الإعلام المصري خلف صوت واحد، هو صوت النظام.


الكود الأخلاقي
هو ميثاق الأخلاقيات، وترجمة للمصطلح بالإنجليزية "Code of ethics"، ويُعرَف بالمبادئ السلوكية العامة التي تُنظّم عمل المشتغلين بكل مهنة.

وبشكلٍ مُوسّع يعرّف بعض ممارسي المهن المختلفة "أخلاق المهنة" بأنها مجموعة من القواعد والآداب السلوكية والأخلاقية التي يجب أن تُصاحب الإنسان المحترف في مهنته تجاه عمله، وتجاه المجتمع ككل، وتجاه نفسه.

وتم استدعاء هذا المصطلح أخيراً من قِبل "المجلس الأعلى للإعلام" لتطبيقه على مختلف وسائل الإعلام (الصحف والمواقع الإلكترونية والإذاعات والقنوات الفضائية).


عقوبات
وتتضمّن العقوبات المفروضة لمخالفة "الكود الأخلاقي"، غرامة 200 ألف جنيه للقناة، و100 ألف لمحطة الإذاعة، على أن يبدأ فرْض الغرامات على المخالفين اعتباراً من 15 يونيو المقبل، وستُنفَق على الإبداع الفني، وسيحصل كل مواطن قدَّم تسجيلاً بالألفاظ البذيئة على 10% من مبلغ الغرامة.

وبحسب مراقبين، فإن آليات تطبيق الغرامات غير واضحة وقد تخضع للأهواء، حيث يتم الاحتكام لقواعد غير محددة في إطار "الكود الأخلاقي"، إذ لم يُقدِم على وضع ميثاق شرف إعلامي متكامل، أو على الأقل الاحتكام لميثاق الشرف الصحافي. وهو ما يعني أن المجلس سارَع في تنفيذ شيء من دون أن يكون له سند حقيقي على أرض الواقع؛ بما يفتح مجالاً أن يكون تحديد المخالفات بناءً على الأهواء.

ويعيب "الكود الأخلاقي"، بحسب تصريحات لنقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش، أن الجهات المعنية بوضع "الكود الأخلاقي" ليس المجلس الأعلى للإعلام، ولكن أبناء كل مهنة، والمُمثّلة في النقابة سواء الصحافيين أو الإعلاميين. وأوضح قلاش أن "النقابة وضعت ميثاق الشرف الصحافي بعد عام من تأسيسها، وأنها المسؤولة عن وضع "الكود الأخلاقي" لأعضائها ولا يجب أن يكون مفروضاً عليها".


فوضى متوقعة
وبحسب مراقبين يفتح تطبيق "الكود " المجال واسعاً أمام تصفية الحسابات الشخصية والخلافات، إذ إنه فتح المجال للمواطنين بالمشاركة في الرقابة، بشرط الحصول على تسجيلات بأي إساءة تخرج من الإعلاميين، وهو ما يكشف أيضاً عن وجود خلل في عدم وجود آليات رصد ولجان خاصة بالمجلس لضبط الأداء إذا كان يُريد.


تضييق متصاعد
وتواجه الساحة الإعلامية المصرية، تضييقا شديدا من النظام الحالي بمختلف أذرعه تجاه الإعلام المصري، ليس فقط المحسوبين على معارضي السيسي، ولكن أيضاً حتى من بعض الموالين له.

فالسيسي دائم توجيه الانتقادات للإعلام، سواء المعارض له أو حتى المؤيد، وهو ما دفعه إلى الرغبة في الاستحواذ والسيطرة على الإعلام وفرض نظرية "الصوت الواحد".
كما أبدَى رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، في الجلسات العامة الضيق من الإعلام ودخل في خصومة مع إبراهيم عيسى ومؤسسة "الأهرام"، فضلاً عن إطلاق عبارات بين الحين والآخر. وكان آخرها توعّده للإعلام والصحافة بتطبيق سيف الطوارئ عليهم، مؤكداً أن الطوارئ تنص على ضبط الأداء الإعلامي والصحافي للحفاظ على الأمن في الشارع.

هذا التضييق من قبل النظام الحالي، تمّت ترجمته في استحواذٍ على المؤسسات الإعلامية بتعيينات مقربين ومؤيدين للنظام الحالي، فضلاً عن تشكيل الهيئات المشرفة على الإعلام بشكلٍ يغلُب عليه الطابع الحكومي، وسط أغلبية يُعيّنها رئيس الجمهورية.

وقبل أيام، حجبتْ جهة مجهولة 21 موقعاً صحافياً، بعضها تعمل داخل مصر، في خطوة اعتبرها الكثيرون محاولة لتكميم الأفواه، فضلاً عن ملاحقة الكتاب مثل "إبراهيم عيسى" ببلاغ ضد مقالات كتبها في صحيفة "المقال".

كما أن مسألة فرض "الكود الأخلاقي" تأتي ضمن سلسلة إجراءات متزامنة في وقتٍ حسّاسٍ للغاية؛ مع بدء مناقشة اتفاقية "تيران وصنافير" داخل مجلس النواب.

وتصب خطوة "الكود الإعلامي" باتجاه توحيد الإعلام المصري خلف النظام المصري، في موقفه المنحاز للسعودية والإمارات والبحرين، ضد قطر. حيث يرغب النظام الحالي في توحيد وسائل الإعلام جميعها خلف الأهداف التي يعمل وفقاً لها نظامه.

وما يدفع بهذا الاتجاه هو تأكيد المجلس الأعلى للإعلام الالتزام بـ"الكود الأخلاقي" في التعرض لخلافات عربية، وربما تأتي هذه الخطوة في اتجاه "معاقبة" أي وسيلة إعلامية لا تدافع عن موقف النظام الرسمي.

ويعظّم "الكود الإعلامي" من موقف السيسي في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2018، بتقليص مساحة حرية التعبير عن الرأي إزاء سياساته ومشكلات مجتمعية حادة يشهدها المصريون خلال فترة حكمه... وهو ما يفاقم القمع في البلاد، التي تواجه أجواء القمع والحجب، والتي تشي إلى أن "مصر تعيش أجواء تشبه تماما أجواء حملة اعتقالات سبتمبر/أيلول التي قام بها الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1981"، بحسب وصف "الشبكة العربية لحقوق الإنسان"، في بيان لها اليوم، لفت إلى أن "السلطات المصرية أضافت إلى مرحلة الملاحقات القضائية، والحبس الاحتياطي المطوّل، والإفراج عن المتظاهرين بكفالات مالية مبالغ فيها، مرحلة جديدة غاية في الاستبداد، وهي حجْب المواقع ومنع مستخدمي الإنترنت من الوصول إليها".