ويكفي القول في هذا الصدد، إن النفط كان السلاح الرئيسي في إسقاط الإمبراطورية السوفيتية التي انهارت بسبب الإفلاس المالي، حينما انهارت أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات في عقد الثمانينيات، وأصبحت غير قادرة على تمويل الإنفاق على سباق التسلح ودعم دول أوروبا الشرقية وتلبية الحياة المعيشية للشعب الروسي.
وتشير مجلة "انترناشونال انتجلينس وكاونتر انتجلينس"، في مقال صادر في العام 2008 إلى أن الوضع الاقتصادي كان السبب الرئيسي في سقوط الإمبراطورية السوفيتية السريع الذي فاجأ حتى المخابرات المركزية الأميركية "سي آي أيه".
وتؤكد عدة دراسات أميركية، أن انهيار أسعار النفط كان السبب الرئيسي في سقوط الإمبراطورية السوفيتية. وربما يفسر هذا الدور الذي لعبه النفط في انهيار الاتحاد السوفيتي، محاولة الرئيس فلاديمير بوتين حالياً للتنسيق النفطي مع السعودية ودول "أوبك". ويأمل بوتين من خلال تنمية هذه العلاقة مع الرياض ضمان عدم تكرار سيناريو استخدام واشنطن والرياض "سلاح النفط" في سقوط حكمه.
ويلاحظ خبراء في هذا الصدد، أن استخدام واشنطن المستمر للنفط كسلاح اقتصادي ومالي، جعل المشهد السياسي والاستقرار في منطقة العربية، أكثر تعقيداً، خاصة وسط تزايد النفوذ الصهيوني على القرار الأميركي.
إذ أصبحت المنطقة في العقود الأخيرة، نهباً للصراعات بين الدول الكبرى في العالم وأهدافها المتناقضة. فما تريده موسكو يتناقض مع ما تريده واشنطن. وبالتالي فالمنطقة أصبحت تستخدم لتسوية الخلافات بين القوى الكبرى في العالم وتدفع ثمن ذلك في تمزيق دولها وشعوبها وترهن مستقبلها.
وتشير دراسة صادرة عن المعهد الملكي للعلاقات الخارجية البريطاني، تحت عنوان النفط والقوى العظمى والشرق الأوسط، للباحث إيان سمارت إلى أن الولايات المتحدة كقوة عظمى مثلاً، عملت على استغلال النفط السعودي وتوظيفه لتحقيق خمسة أهداف.
وهي: أولاً: تأمين حصولها على الوقود بسعر رخيص وتأمين حاجة حلفائها في أوروبا وآسيا على الوقود بسعر معقول. وثانياً: استغلال النفط كغطاء للدولار، خاصة بعد فك ارتباطه بالذهب في 1976، إذ اشترطت واشنطن على السعودية إقناع دول منظمة "أوبك"، بيع النفط بالدولار. وهو ما حدث منذ السبعينيات. وبالتالي أصبحت الدول بحاجة ماسة ومتواصلة للدولارات الأميركية حتى تتمكن من شراء الدولار. وهذا العامل رفع من حصة الدولار في أرصدة البنوك المركزية العالمية، حيث واصلت هذه الحصة تحليقها فوق 60% طوال العقود الماضية مقارنة بحصة العملات الأخرى.
كما رفعت كذلك حصة الدولار في التسويات التجارية العالمية إلى حوالى 80% مقارنة بالعملات الأخرى. وبالتالي ساهم النفط السعودي ليس فقط في تغطية الدولار ولكن كذلك في تعزيز هيمنته العالمية، وهو ما دعم هيمنة أميركا كقوة عظمى في العالم.
ثالثاً: وظفت أميركا النفط السعودي في تقوية موقفها المالي والمصرفي، حيث اشترطت على السعودية في السبعينيات، تحويل فوائض البترودولار إلى البنوك الأميركية، وتحديداً مصرف "جي بي مورغان"، الذي أصبح أكبر المصارف الأميركية والعالمية بفضل تدفقات الدولارات السعودية المتواصلة.
كما أصبحت السعودية وحتى عهد قريب من كبار مشتري سندات الخزانة الأميركية، وهو ما سهل عمليات التمويل للعجز الأميركي والتوسع في الإنفاق العسكري.
رابعاً: اشترطت واشنطن على السعودية الاقتصار على شراء الأسلحة الأميركية وتنفيذ صفقات ضخمة، وهو ما دعم صناعة الدفاع الأميركية مثل لوكهيد وبوينج وغيرها. ولكن يمكن ملاحظة أن هذه الصفقات تدعم بشكل غير مباشر، شراء الجيش الأميركي للأسلحة بسعر رخيص.
خامساً: تمكنت أميركا من خوض مجموعة من الحروب معتمدة على التمويل السعودي، أهم هذه الحروب، الحرب العراقية التي اسقطت نظام صدام حسين وحطمت العراق. وهذه الحرب هي التي سمحت لإيران بالتمدد في المنطقة.
في مقابل هذه الخدمات الضخمة التي قدمها النفط السعودي لأميركا، تعهدت أميركا بتوفير الأمن للنظام السعودي وحماية آبار النفط السعودية.
وتشير وثائق مكتبة الكونغرس في واشنطن إلى أن هنالك اتفاقاً بين واشنطن والرياض
تم في اجتماع سري بين وزير للخزانة الأميركية، وليام سايمون في العام 1976، تتضمن بنوده استخدام السعودية نفوذها في أوبك لضمان أن جميع المعاملات ستجرى بالدولار الأميركي، بالإضافة إلى استثمار عائدات مبيعات النفط السعودية في الأدوات الاستثمارية بالولايات المتحدة، والحفاظ على التأثير على مستويات الأسعار ومنع إجراء حظر تصدير النفط مرة أخرى.
شكل هذا التحالف نقلة نوعية، أي الانتقال إلى "نظام البترودولار". الذي ضمن للولايات المتحدة استمرار هيمنة الدولار على التسويات التجارية العالمية وصياغة النظام المالي العالمي وفقاً لمتطلبات ربحية مصارفها في الإقراض وتحديد سعر الفائدة العالمية.