لماذا يرتفع الذهب، والدولار، والنفط معاً، علماً أن العلاقة المنطقية التي تعكسها منحنيات العرض والطلب على هذه الأرصدة الثلاثة تؤكد وجود علاقاتٍ عكسية أكثر من علاقات طردية، فالأرجح أن ارتفاع سعر الذهب يرتبط بهبوط سعر صرف الدولار، وكذلك الحال بين سعري برميل النفط والدولار حيال الذهب، فما الذي يجري الآن؟
نفترض أن العلاقة بين الدولار والنفط عكسية في المدى القصير، ساعة بساعة، أو يوماً بيوم، أو حتى أسبوعاً بأسبوع، إذا بقينا على المنحنى نفسه أو الخط نفسه، أما إذا حصلت ظروف خارجية تنقل هذا المنحنى من مستوى إلى مستوى أعلى منه، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار مصحوباً على الأرجح بارتفاع سعر برميل النفط.
في الآونة الأخيرة، وفي شهري إبريل/ نيسان ومايو/ أيار، مال سعر النفط إلى الارتفاع. وها هو سعر البرنت يصل إلى أكثر من 73 دولاراً للبرميل الواحد، وحوالي 70 دولاراً للنفط الأميركي. وشاهدنا أيضاً أن سعر صرف الدولار حيال الجنيه الإسترليني واليورو والين واليوان قد ارتفع، ما يعود إلى إيجابية المؤشرات الأساسية للاقتصاد الأميركي.
ووفقاً لآخر تقارير الدوائر الرسمية الأميركية، تراجع العجز التجاري قليلاً، وانخفضت البطالة دون الـ 4% إلى حوالي 3.8%، وسوف يحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً يقارب 3%.
وقد نتجت هذه المؤشرات الإيجابية عن عودة عدد من الصناعات الأميركية المهاجرة إلى الولايات المتحدة، وإلى الإنفاق على الطائرات والسلاح المنتجة هناك، خصوصا من دول الخليج، وإلى زيادة الطلب على وسائل النقل الأميركية مثل السيارات، والكهربائية منها والمختلطة بشكل خاص.
هنالك بالطبع أسباب أخرى، وأهمها زيادة الإنفاق الاستهلاكي داخل الولايات المتحدة، في ظل الأنباء عن تحرك إيجابي في الأجور والمعاشات، قياساً إلى الأرباح.
جاء التحسن في أداء الاقتصاد الأميركي كذلك مع قرار البنك الفيدرالي الاحتياطي (البنك المركزي) برفع أسعار الفوائد على الدولار، ما عزّز الاستثمار فيه، خصوصا في أسواق اليورو دولار، وزاد الطلب عليه.
ولذلك، رأينا ارتفاعاً في سعر الدولار على منحنى الطلب، وانتقالاً في منحنى الطلب إلى الأعلى، بسبب تحسن الأداء الاقتصادي الأميركي بشكل عام.
صحيحٌ أن أخبار اللقاء بين رئيسي كوريا الشمالية والجنوبية قد أحدثت انفراجاً في العلاقات، ولكن في المقابل، نرى أن المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين لا تسير بنعومة.
وكذلك، فإن اتهام الولايات المتحدة للصين باحتلال جزرٍ في بحر الصين بالقرب من الفيليبين وفيتنام وعسكرتها قد أدى إلى توتير العلاقات بين الولايات والصين، لا يرسل إشارات اطمئنان إلى الدول.
في ظل التقلبات والتوترات، يزداد الطلب على الذهب، بفعل هذه الظروف أكثر من تراجعه الناجم عن ارتفاع سعر الدولار. ومن هنا، يشهد الذهب والدولار ارتفاعاً في سعريهما.
وبالنسبة للنفط، يأتي ارتفاع أسعاره، على الرغم من ارتفاع سعر الدولار، في زمن يشهد توترات داخل المنطقة العربية والشرق أوسطية، فهنالك على ما يبدو احتجاج يمني من الحكومة الشرعية ضد دولة الإمارات حول شبهة عسكرة الأخيرة جزيرة سقطرى، وزيادة كميات السلاح والعتاد المرسلة اليها.
ونرى كذلك اختلافاً إيرانياً أميركياً بشأن الاتفاقية النووية التي اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراراً بالخروج منها يوم 8 مايو/أيار الجاري.
ولكن ما يبدو أن أصدقاء أميركا وحلفاءها يريدون رفع الأسعار، لتعزيز مواردهم، حتى ولو أدى الأمر إلى زيادة موارد روسيا وإيران وفنزويلا في أميركا الجنوبية.
بالطبع، يعزّز ما نراه من تطورات الآن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها أسواق العالم الرئيسية. وقد صار هذا كله ينعكس تدريجياً على أسواق البورصات التي تتذبذب، وإن كانت بورصة نيويورك ومؤشراتها السعرية المختلفة تشهد ارتفاعاً، وتصل إلى مستويات لم تصل إليها من قبل. ما تزال حالة الاضطراب السياسي التي تشهد انقشاعاً في غيومها بين حين وآخر المهيمن الأساسي على تطور الظروف الاقتصادية الدولية.
ولن يكون عجيباً أن نرى في الأيام المقبلات تطورات جديدة، تبدأ في التأثير على هذه المؤشرات وتوجهاتها، والتي قد تصل إلى إحداث توقعات جديدة.
العالم بحاجة إلى الاستقرار السياسي الذي لا يضاهيه في التقلب والتوتر إلا حالة الطقس العجيبة التي تشهدها منطقتنا والعالم هذه الأيام.