مثّل فيديو قتل الاحتلال، الأربعاء الماضي، للشاب الفلسطيني مصطفى محمود يونس، أمام والدته بسبع طلقات، صورة مبسّطة وواقعية تختزل آلاف الكلمات عن حفلات دموية صهيونية قبل سبعة عقود. لم يكن ثمة تصوير وتوثيق يرافق المذابح المتنقلة في عام 1948 من قرية فلسطينية إلى أخرى، حتى تحوّل الشعب إلى لاجئين ومهجّرين خارج أرضهم وفوقها. وحتى يومنا هذا، يُمنع الآلاف في الداخل الفلسطيني من العودة إلى قراهم، وهي على بُعد أمتار منهم.
بديهي أنّ كل فلسطيني يعرف تاريخ قريته ومدينته، وكيف أُسقطت في يد العصابات الصهيونية، وكيف أصبح شعب التغريبة. لكنّ أحداً من أهل التغريبة الأولى لم يتخيل أن يعاد سرد الرواية الصهيونية بعد 72 سنة بلسان عربي يؤنسن مرتكبي المذابح من عصابات شتيرن والهاغناه والأرغون، وذلك لشرعنة علاقات الحكام العرب مع كيان قام على التطهير العرقي، ويستمر في بثّ حقد أعمى على كل من هو عربي.
البديهي لا يحتاج لذكرى وتذكير، لكن وقاحة تصهين البعض العربي يضطرك إليه. كأن يقال إن "العرب هم السبب" في استباحة هولاكو لبغداد، وإغراق الصليبيين الأوروبيين شوارع القدس والمشرق العربي بدماء المسلمين والمسيحيين.
في ترك العواطف، ولازمة "فلسطين قضيتنا المركزية" جانباً، تضطر إلى السؤال: هل قرأ وأدرك بعض عرب اليوم تاريخهم كما ينبغي؟ وهل يدركون من كان عمر بن الخطاب وعهدته "العمرية"، وصلاح الدين الأيوبي، وعز الدين القسام؟
الحقيقة المؤلمة في تاريخ العروبة الحديث، خصوصاً مرحلة الكفاح المرير بعد "هزيمة 1967"، أنّ البعض كان محقاً حين طرح فكرة أنّ فلسطين لا تُحرر بحكام يحكمون شعوبهم على طريقة أدولف هتلر وبينيتو موسوليني وفرانشيسكو فرانكو، ونيرون وكاليغولا.
فبعد 72 عاماً المشهد ذاته: استعباد شعوب ونشر جهالة، بنخب دينية وثقافية خانعة، ومساهمة في تشويه العقل. فكم سورياً قُتل على طريقة مصطفى الفلسطيني، مُجبراً على ترديد "بشار ربي"؟ وكم مليوناً هُجروا في تغريبات عربية متواصلة؟
في محصلة دروس النكبة الكبرى، وعدسات التقنيات الحديثة تُسجَّل يوميات شعوب مقهورة وأنظمة تتآمر وتتخاذل، أنه لا خلاص طالما بقيت تتسيّد المشهد والقرار حفنة من مرتزقة تزوير وتشويه العقل والضمير. أبسط الأمثلة عن الواقع المهين لعقل العربي، المقارنة بين مصير من يرفض الاعتراف بوجود دولة صهيونية وكل سياسات التطبيع، وآخرين يرددون معزوفة صهيونية تنكر وجود شعب فلسطين وحقه في أرضه. المقارنة بين المصيرين هي المؤشر الأصدق على مسار هاوية الاستبداد الممسك برقبة الشعوب.