النهضة ونداء تونس.. المعركة الخفية

05 سبتمبر 2017
+ الخط -
كثر الحديث في هذه الأيام في تونس عن تحوير (تعديل) حكومي مرتقب، يفرضه الشغور الحاصل في وزارات أساسية، منها التعليم والتخطيط والمالية. وقد ينشر هذا العمود بشكل متزامن مع إعلان يوسف الشاهد عن حكومته المعدّلة، لكن البحث هنا هو عن الشجرة التي تخفيها الغابة.
اختلف الحزبان الرئيسيان في الحكم بشأن طبيعة هذا التعديل. قيادة حزب نداء تونس تريده أن يكون جذريا يشمل طيفا واسعا من الوزارات، في حين اعترضت حركة النهضة على ذلك، وتمسّكت بأن يكون تعديلا جزئيا، وطالبت بإرجاء البقية إلى ما بعد الانتخابات البلدية التي يفترض أن تجري يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
"لن يقبل حزب نداء تونس هذه المرة، ومن جديد، الانقلاب على نتائج الاختيار الشعبي الذي تجسد في نتائج انتخابات 2014". هذا ما أكده المدير التنفيذي للحزب نجل رئيس الجمهورية، حافظ قايد السبسي. وبناء عليه، طالب بأن يستأثر حزبه بالنصيب الأكبر من الوزارات، بحجة أنه الحزب الفائز، لكنه لا يأخذ بالاعتبار المتغيرات المهمة التي حصلت بعد تلك الانتخابات. وأهمها الانقسامات التي ضربت الحزب (الحاكم) الذي تحول إلى ثلاثة أحزاب، وهو ما نتج منه واقعيا فقدان المرتبة الأولى داخل البرلمان، حيث تقدّمت عليه حركة النهضة بمسافة مهمة من حيث عدد نواب كتلتها، فالشرعية الشعبية التي تحدث عنها أصبحت جزءا من الماضي، وفقدت بُعدها السياسي، ولم يبق منها سوى الجانب الدستوري.
مع ذلك، يبقى "نداء تونس" حزبا مهما وشريكا ضروريا في الحكم، غير أنه مأزوم وأزمته هيكلية ومستفحلة. وما يخشاه أن يتحول التحوير الحكومي مدخلا للتخفيف من حدة هذه الأزمة، وبذلك قد تنتقل صراعاته الداخلية إلى الحكومة المقبلة، وهو ما يخشاه يوسف الشاهد، العضو القيادي في الحزب نفسه، وعلى خلاف مع السبسي الابن، ومع كوادر عديدة رئيسية ماسكة بالهياكل ومؤثرة في القواعد. وبناء عليه، قد يكون ذلك سببا في أن يجعل الحكومة المقبلة معلولة، إن لم نقل مشلولة من داخلها.
من جهتها، تبدو حركة النهضة غير مرتاحة لرغبة "نداء تونس" السيطرة على التركيبة الجديدة للحكومة. وهي إذ لا تزال حريصةً على الاحتفاظ به شريكا في الحكم، إلا أنها ترفض أن تكون مجرّد عربة ملحقة تجر إلى جهة مجهولة. لكن النهضة أيضا تبدو كأنها تسير بدون بوصلة دقيقة، فالتصريحات التي أطلقها زعيم الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، قبل فترة لا تزال تفعل فعلها، واعتبرها الشاهد ضد شخصه، وهو ما جعل علاقته بـ "النهضة" تتسم بحذر وشكّ كثيريْن.
تختلف حركة النهضة عن "نداء تونس"، فهي تريد أن تثبت عبر الانتخابات البلدية أنها القوة السياسية الأولى القادرة على إشهار الفيتو في وجه شريكها الرئيسي في الحكم.. ولهذا السبب، رفضت المساس بوزارات السيادة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية التي يطالب "نداء تونس" بأن تكون من نصيبه، مروّجا أن وزير الداخلية يرغب في الاستقالة، وهو ما نفاه الرجل بنفسه.
هكذا تحوّل التعديل الوزاري إلى اختبار قوة بين شريكي الحكم. من سيفرض شروطه سيتحكّم في معادلات الفترة المتبقية قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي قد تكشف عن ميزان قوى جديد، وقد تكون نقطة النهاية لهذا التحالف الغريب الذي جمع "النهضة" بحزب نداء تونس. وسواء عجّل الشاهد بإجراء هذا التعديل، حسبما تذكر بعض المصادر، أو أجّله إلى حين، فإن من المستبعد أن يقبل بكل الشروط التي حدّدها الرجل الأول في "نداء تونس"، لأنه لو فعل ذلك فقد القدرة على تسيير فريقه الحكومي. كما أنه، من جهة أخرى، لن يقطع كل الحبال التي تربطه بحركة النهضة، لأنه بذلك يلقي حكومته في بحر هائج. الورقة الرئيسية لدى الشاهد حاليا هي ثقة رئيس الجمهورية ووقوفه إلى جانبه في هذه المرحلة الصعبة التي ستشهد صعوبات اقتصادية واجتماعية، وربما أمنية حسب تقديرات بعضهم غير المسبوقة.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس