31 أكتوبر 2024
النيل ينتظر "تسلم الأيادي" كي يرقص
على جنبات النيل تنبت الذكريات مع الأشجار وتكعيبات العنب والنخيل والحشائش، وتمرح فيه المراكب بالغناء والتعب، ساعيةً إلى أرزاقها للتجارة، أو لنقل الأحجار والمحاصيل، أو الصيد للمساكين الذين حُرموا من امتلاك القراريط على الأرض. على جنباته تم نقش الحروف على الأحجار المقطومة والمسلات، حينما كانت الناس هناك في غفلةٍ من أمرهم، وعملت له المقاييس لحساب كميات ما يجري فيه من ماء، وعملت له الخزانات والقناطر والسدود، وغنّى له الشعراء في هيامهم، ولحّن الملحنون على مزاميرهم، ونظرت الصبايا لصفاء جريانه، حينما كانت الشمس تلمّ خلفها آخر ذهبها في غروبها، حزنا على وداعه.
النيل الذي نظرت الصبايا لـ"صفاه"، كي تحل في مياهه شعورهن، قبل أن يملأن الجِرار، وقبل أن تطلع الشمس الفاضحة من وراء جريد النخيل، سواء كن في موسم جني القطن، أو كسر عيدان القصب أو حصاد القمح. والعرسان هناك من وراء النخيل في انتظار هبّات العشق بالطواقي واللاسات، في انتظار النظرة التي طال انتظارها بعد السهر الطويل والغزل الخجول، المكتوم وراء الضلوع، فتميل خطواتهن في دلالٍ تحت ثقل البلاليص التي لانت للكلام فوق ليونة الأعناق التي أسكرها الكلام والغزل المليح.
النيل ساقي المصارف والقنوات والترع التي انحنت مياهها عند "الموردة"، وقد رصّت عند الموردة الأحجار التي تداعبها ليونة الأسماك الصغيرة، وتخطف عين الماشي في مواسم غسيل القمح بعد الحصاد ونشره على الحصر.
النيل صاحب البدع والغناء، حينما تطرف العاشقة برمشها في حرقة الشمس بجوار النخيل، فيطرح ظلا يوصف، رغم أنف دقة البلاغة "ورمش عين الحبيبة ضلل على فدان". نيل وقف على شاطئيه، متأملا الراهب والأزهري والموظف والسائح وقاطع الطريق المحروم من السمر لخوفه، والطالب مع دروسه والجندي المسافر عن عزوته وغيطانه.
بجوار النيل، يقف الطالب الصغير كي يحفظ جدول الضرب، والطالب الكبير كي يتأمل نظرية المثل عند أفلاطون ليلة الامتحان، أو يتأمل كيف يصبّ النهر في البحر من ملايين السنين، ويجعل الله بينهما برزخا.
الآن أصبح النيل مهدّدا من الجنوب، لأن ضابطا مصريا اشتاق بليل، أن يخطف الحكم من حجر أخيه عنوةً، ففرّط فيه، كي يرضى القبول من القارة السّمراء، وينام بجوار إسرائيل مستريحا خدّا بخد، محافظا على أمنها وسلامتها كما قال، ويؤمّن أيضا استيراد الأسلحة، كي يحافظ على الملك المخطوف، والذهاب إلى المؤتمرات الدولية من غير ريبة. النيل الذي هو حياة الناس تم استخدامه كسلم بسيط يصعد من خلاله الضابط إلى سدّة الحكم، حتى وإن جاع الشعب، ولا يهمه الجوع، طالما نحن أمة عوز، "واللي يعوزه الحاكم يحرم على الشعب"، كما أوصاه المشايخ، ويحرّم أيضا على الجامع، وخصوصا في فترات العوز، فما بالك ونحن أمة عوز من الأصل كما قال وأكّد مرارا؟
أما أن يشتري السجّاد الأحمر والنجف للقصور، فهذا من صلب الشرع والحكمة وإدارة البلاد. وهنا ينسى الضابط الدين، ووسادة عمر التي كانت من تراب، وينسى حتى "سيف الجهاد الأحمر" الذي ناوله له الرئيس الراحل محمد أنور السادات في حلمٍ من أحلامه، وكان مكتوبا عليه بالأحمر: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فهل نسي وصية الرئيس الراحل؟ وهل نسي السيف على وسادته الطّرية في القصر الجديد بالعلمين، وهل نسي أغنية "تسلم الأيادي" حينما رقصت الخيل والبغال والحمير والتوكتوك واليمام والطائرات في السماء فرحا بذلك الضابط الذي أرسلته السماء، وفي ظهره دماء وجينات من الملك مينا وأحمس وتحتمس وناصر. أم أن ذلك كان مجرّد مخدّرات لبيع ذلك المسكين النيل، كي يبكي هو الآخر على نفسه، في الأصيل، مذلّة وحزنا.
النيل ساقي المصارف والقنوات والترع التي انحنت مياهها عند "الموردة"، وقد رصّت عند الموردة الأحجار التي تداعبها ليونة الأسماك الصغيرة، وتخطف عين الماشي في مواسم غسيل القمح بعد الحصاد ونشره على الحصر.
النيل صاحب البدع والغناء، حينما تطرف العاشقة برمشها في حرقة الشمس بجوار النخيل، فيطرح ظلا يوصف، رغم أنف دقة البلاغة "ورمش عين الحبيبة ضلل على فدان". نيل وقف على شاطئيه، متأملا الراهب والأزهري والموظف والسائح وقاطع الطريق المحروم من السمر لخوفه، والطالب مع دروسه والجندي المسافر عن عزوته وغيطانه.
بجوار النيل، يقف الطالب الصغير كي يحفظ جدول الضرب، والطالب الكبير كي يتأمل نظرية المثل عند أفلاطون ليلة الامتحان، أو يتأمل كيف يصبّ النهر في البحر من ملايين السنين، ويجعل الله بينهما برزخا.
الآن أصبح النيل مهدّدا من الجنوب، لأن ضابطا مصريا اشتاق بليل، أن يخطف الحكم من حجر أخيه عنوةً، ففرّط فيه، كي يرضى القبول من القارة السّمراء، وينام بجوار إسرائيل مستريحا خدّا بخد، محافظا على أمنها وسلامتها كما قال، ويؤمّن أيضا استيراد الأسلحة، كي يحافظ على الملك المخطوف، والذهاب إلى المؤتمرات الدولية من غير ريبة. النيل الذي هو حياة الناس تم استخدامه كسلم بسيط يصعد من خلاله الضابط إلى سدّة الحكم، حتى وإن جاع الشعب، ولا يهمه الجوع، طالما نحن أمة عوز، "واللي يعوزه الحاكم يحرم على الشعب"، كما أوصاه المشايخ، ويحرّم أيضا على الجامع، وخصوصا في فترات العوز، فما بالك ونحن أمة عوز من الأصل كما قال وأكّد مرارا؟
أما أن يشتري السجّاد الأحمر والنجف للقصور، فهذا من صلب الشرع والحكمة وإدارة البلاد. وهنا ينسى الضابط الدين، ووسادة عمر التي كانت من تراب، وينسى حتى "سيف الجهاد الأحمر" الذي ناوله له الرئيس الراحل محمد أنور السادات في حلمٍ من أحلامه، وكان مكتوبا عليه بالأحمر: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فهل نسي وصية الرئيس الراحل؟ وهل نسي السيف على وسادته الطّرية في القصر الجديد بالعلمين، وهل نسي أغنية "تسلم الأيادي" حينما رقصت الخيل والبغال والحمير والتوكتوك واليمام والطائرات في السماء فرحا بذلك الضابط الذي أرسلته السماء، وفي ظهره دماء وجينات من الملك مينا وأحمس وتحتمس وناصر. أم أن ذلك كان مجرّد مخدّرات لبيع ذلك المسكين النيل، كي يبكي هو الآخر على نفسه، في الأصيل، مذلّة وحزنا.