الهجرة واللجوء... المفوضية الأوروبية تعدّ ميثاقاً جديداً

26 مايو 2020
في انتظار مصيرهم في اليونان (لويزا غولياماكي/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت قضايا اللجوء والهجرة تُعَدّ معضلة عالمية كبرى تستوجب المعالجة، لا سيّما لأوروبا، التي يرى فيها الهاربون من جحيم بلدانهم الأصلية الفردوس المنشود، فلا يتوانون عن المخاطرة في سبيل بلوغها.

تحذّر تقارير صادرة عن الاتحاد الأوروبي من أزمة لجوء جديدة في أوروبا مع تصاعد أعمال العنف والحرب الأهلية في ليبيا وتفاقم الوضع الإنساني سوءاً في مخيّمات المهاجرين في اليونان مع تسرّب مجموعات جديدة من تركيا أخيراً. ويشدّد وزراء أوروبيون، من بينهم وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر، على أنّ عمليات إنقاذ المهاجرين من البحر لا تعني تذكرة سفر تلقائية إلى أوروبا، وسط تخوّف من نشاطات من قبيل الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر.

يأتي ذلك في حين تخضع مقترحات إصلاحات اللجوء الأساسية للمناقشة، إذ لم يتمّ الالتزام بالوعود التي أطلقت، خصوصاً مع اليونان، فنظام اللجوء الحالي لا يسمح بالتعامل مع الوضع القائم في الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد التي ما زالت تشكو من المساعدات المجزأة. من هنا، تعتزم المفوضية الأوروبية إصلاح نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي ولن تتوانى عن ممارسة الضغط على دول الاتحاد للاتفاق على سياسة لجوء مشتركة، وهي خططت لمحاولة جديدة لحلّ أزمة الهجرة ومن المفترض أن تقدّم ميثاقاً جديداً للهجرة واللجوء، لكنّ التأخير الحالي يأتي على خلفية أزمة كورونا.

وتظهر التقارير أنّ العمل جارٍ بالفعل في المكاتب الرسمية لسلطة المفوضية ليكون الميثاق مقبولاً من كلّ الدول الأعضاء ولا يؤدّي إلى نزاع مع بروكسل، ولا يشكّل "فضيحة" حيال حقوق الإنسان في ظلّ غياب سياسة واضحة للتضامن على المستوى الأوروبي لمواجهة أزمة اللجوء، فثمة حاجة إلى إيجاد "حلول وسط" مع بلدان مثل المجر والنمسا وبولندا وغيرها التي لا ترغب في استقبال المهاجرين.



والعمل يتمّ من خلال مشاورات وترويج للميثاق واستكشاف مواقف الدول الأعضاء ومناقشة الحلول الممكنة، وهو بدأته قبل أشهر نائبة رئيسة المفوضية ومنسقة عملها بشأن ميثاق الهجرة الجديد مارغاريتس شيناس ومفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي يلفا جوهانسون. ويبدو أنّ الأهداف التي ربطتها رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين بسياسة اللجوء الأوروبية الجديدة واضحة، بحسب صحيفة "دي فيلت" الألمانية، وهي العمل على استمرار تخفيض أعداد المهاجرين السريين الوافدين وتوزيعهم على كلّ البلدان الأعضاء على أساس التضامن، لتُستتبع بتسريع عمليات الترحيل. كذلك، منع سياحة اللجوء في داخل أوروبا من خلال تحسين مستوى الضوابط، من بينها إجراءات التعرّف على الأشخاص من خلال الوجوه وخدمات اللجوء الموحّدة، على أن يتمّ تعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي بشكل كبير. في المقابل، سيتمّ تشجيع الهجرة الشرعية للأشخاص المعرّضين للخطر خصوصاً من خلال ما يسمّى "إعادة التوطين".

في ضوء ذلك، وفي شهر إبريل/ نيسان الماضي، وجّه وزراء داخلية ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا التي تلقت نحو 70 في المائة من كلّ طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي في عام 2019، رسالة إلى كلّ من شيناس وجوهانسون تتضمّن المبادئ الأساسية لأفكارهم في ما يخصّ نظام اللجوء الأوروبي الإصلاحي. وبحسب موقع "ليغال تريبينه" الألماني، فإنّ المحتوى الأساسي للرسالة لم يحدّد شكل نظام لجوء مشترك، بل وضع بدلاً من ذلك مقترحات للتعايش بين أنظمة اللجوء الأوروبية التي لا ينبغي أن تكون مشتركة، ولكن قبل كلّ شيء تقسيم المسؤولية بشكل مختلف عن ذي قبل. وهو ما فُسّر على أنّه رفض لتعميق الهوة الأوروبية من مبدأ العدالة والتضامن، مع التشديد على أهميّة توزيع أعباء اللاجئين وفقاً لمعايير معيّنة والمساعدة في الظروف الاستثنائية، أي أنّ الرسالة تركّز لجهة الجوهر على أهميّة التوزيع الأسرع والأفضل أداءً للمهاجرين الذين يبحثون عن حماية، بالإضافة إلى جوانب أخرى، مثل دعم ما يسمّى بالدول الأعضاء التي تعاني من جرّاء الأزمة، خصوصاً في ظلّ المسؤولية التي تتحملها في ما يتعلق بتأمين الحماية لهم، مع الاهتمام الجدي بحلّ مشكلات الذين ليسوا في حاجة إلى حماية، ومنع ما يسمّى بالهجرة الثانوية، أي السفر غير المنضبط لطالبي اللجوء من إحدى دول الاتحاد إلى أخرى، وهو ما يوصف كمشكلة رئيسية.



كلّ هذا دفع محللين إلى القول إنّ الأمر ليس إصلاحاً للجوء، إنّما هو تعديل لـ"نظام دبلن" الخاص باللاجئين بموجب اتفاقية دبلن، والذي يحدد مسؤولية دول الاستقبال الأولى في ما يتعلق بطلبات اللجوء، وبناءً على ذلك، فإنّ المقترحات مثيرة للاهتمام، لأنّ وزارء داخلية الدول الأربع (ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا)، وافقت على التخلّي عن مبدأ مسؤولية دولة الاستقبال الأولى عن طالبي اللجوء، وهذا يعني المسؤولية عن دخول وإقامة المهاجرين السريين الذين يطلبون الحماية للمرّة الأولى على الأراضي الأوروبية. وبيّنت التعليقات كذلك أنّ تلك الدول تريد توزيعاً عادلاً يستند إلى آلية ملزمة وأن يُطبّق التوزيع على الأشخاص الذين يتمّ إنقاذهم من البحر، على أن يخضع الذين يبحثون عن الحماية إلى الفحص الإلزامي المسبق عند نقاط الوصول، من بينها الفحوص الأمنية والصحية والخاصة بالهوية قبل توزيعهم. وفي الوقت نفسه، يجب أن يصار إلى توسيع احتمالات رفض طلبات اللجوء بلغة واضحة للأشخاص الذين لا يحتاجون إلى حماية، مع إعادة الأشخاص المرفوضة طلباتهم إلى دول خارج منطقة اتفاقية دبلن، في ما يبدو قوننة لاتفاقية اللجوء الموقعة في عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

ويرى الخبراء، من بينهم المحامي السابق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأستاذ المحاضر في جامعتَي بيليفيلد وميونخ الألمانيتين وجامعة فريبورغ السويسرية، قسطنطين هروشكا، أنّه من المتوقع لرسالة وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي الأربع التي تضمّ أكبر عدد من السكان منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن يكون لها تأثير كبير على مناقشات سياسة الهجرة واللجوء في بروكسل حيث الحثّ على قيام نظام لجوء مشترك عادل وفعّال ومرن.



من جهة ثانية، تبرز ملاحظات أخرى على الرسالة، من بينها أنّها تتضمّن إجراءات عدّة تمّ اختبارها مرّات عديدة منذ عام 2016 وقد ثبت في بعض الحالات أنّها صعبة في الممارسة العملية، من قبيل إعادة توزيع الأشخاص الذين يطلبون الحماية (أو ما يسمّى الانتقال) من اليونان وإيطاليا، هذا عدا عن الإجراءات الفردية التي اقترحتها المفوضية في مشاريع الإصلاح غير التوافقية في عام 2016، والتي عدّها البرلمان الأوروبي كذلك غير كافية، لا سيّما في مجال إدارة اللجوء ككلّ. علاوة على ذلك، فإنّ التركيز على إصلاح نظام دبلن وفقاً لآلية معيّنة تقضي بتوزيع طالبي اللجوء بين الدول الأعضاء وبطريقة عادلة بالفعل، ينجح فقط عندما يؤدّي إلى تكافؤ فرص أولئك الذين يحتاجون إلى حماية، أي الفرص الفعلية لبناء حياة جديدة بعد منح الحماية. ومن دون حلّ لهذه النقطة، لن يعمل النظام، حتى ولو تمّ التوصّل إلى اتفاق على الإصلاح.

يُذكر أنّ أفكاراً طُرحت، من بينها إجراء الفحص التمهيدي لطالبي اللجوء في أقصر وقت ممكن، عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع إمكانية نقل أيّ شخص لديه فرصة للاعتراف به كلاجئ إلى الدول الأعضاء في الاتحاد باستخدام إجراء عادل يرتكز على أخذ عدد سكان البلد وقوته الاقتصادية بعين الاعتبار. يُضاف إلى ذلك أن يتاح للأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على حماية مجال تحديد أولويات توزيعهم، وعلى سبيل المثال في دول الاتحاد الأوروبي حيث يعيش أقارب لهم، وذلك لمنع انتقالهم بمفردهم لاحقاً في داخل أوروبا.

وفي نهاية المطاف، يتبيّن أنّ المقترحات تهدف إلى اتخاذ إجراءات إدارية أكثر تنظيماً وتتوافق مع قواعد اللجوء الوطنية وتعالج المشكلات الحالية، فمن الضروري اتباع نهج أوروبي شامل يتضمن كذلك المنظار العام وليس المحاولة الفردية الوطنية تحت ستار أوروبي يركز، كما كانت الحال من قبل، على المشكلات التفصيلية المتعلقة بقضايا الوصول والتوزيع.



في السياق، أعلن الخبير في شؤون الهجرة والمشارك في مركز أبحاث مبادرة الاستقرار الأوروبي ومهندس اتفاقية اللجوء بين الاتحاد الاوروبي وتركيا، غيرالد كناوس، في مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية أخيراً، أنّ الاتحاد سيكون غارقاً بأزمة لجوء جديدة على مدى أشهر في ظلّ الأزمات المستفحلة بفعل عوامل عدّة، من بينها تغيّر المناخ والحروب والصراعات الإقليمية. وتحدّث عن اقتراحات عدّة للخوض في استراتيجية مضادة للحدّ من تدفق المهاجرين مبنيّة على ثلاث ركائز وتمتدّ من جبل طارق حتى جزيرة ليسبوس اليونانية، أولاها إجراءات سريعة وعادلة من خلال التعاون الحقيقي بين سلطات اللجوء الوطنية، وثانيتها الاتفاقات مع بلدان العبور والأصلية بما يتماشى مع حقوق الإنسان من أجل إعادة أولئك الذين لا يتمتعون بحقّ الحماية في الاتحاد الأوروبي وعلى وجه السرعة، مع تقديم بعض الامتيازات لبعض الدول، كأن يَمنحَ المواطنين التونسيين مثلاً حقّ السفر من دون تأشيرة للسياحة كما هي الحال مع أوكرانيا. أمّا ثالثتها فتعبئة التحالفات المساندة للاجئين المحتاجين في كلّ مكان من دول العالم الثالث، مثلما يتمّ التعاون حالياً مع تركيا والعمل على إنجاح نوع مماثل من التوجهات. وأوضح كناوس أنّ التنسيق الجاري حالياً بين ألمانيا وغامبيا حول مشروع تجريبي محتمل، يقوم على تقديم فرصة للتدريب المهني والعمل على أن تقدم غامبيا على استرداد المخالفين من مواطنيها وكلّ من يصل لاحقاً إلى دول الاتحاد أو اعتماد خيار أن تقدّم الدول منحاً دراسية لوقف الهجرة غير الشرعية والموت في البحر.