15 نوفمبر 2024
الهرولة السودانية
من المفهوم أن تسعى السلطات الجديدة في السودان، المدنية والعسكرية، إلى رفع البلاد عن قائمة العقوبات الأميركية، وإعادتها إلى الساحة الدولية، وتحسين حياة السودانيين. ولكن غير مفهومة هذه الهرولة باتجاهات متعدّدة لتحقيق هذا الهدف، من دون دراسة واضحة لتأثير هذه الخطوات على البلاد، سياسياً واجتماعياً، ومن دون حتى نيل وعودٍ حقيقيةٍ من الإدارة الأميركية بأن هذه الخطوات ستكون كفيلة بتحقيق المُراد السوداني، فواشنطن لم تضع للخرطوم مثلاً لائحةً واضحةً بالمطلوب منها القيام به لرفعها من قائمة العقوبات، بل يبدو أنها تستغل الاستعجال السوداني لتحقيق هذا الأمر، عبر ابتزاز الخرطوم للقيام بتنازلٍ تلو الآخر، من دون الحصول على أي مؤشّر، حتى الآن، بأن العقوبات سوف تُرفع قريباً، ما يعني أن باب الطلبات الأميركية سيبقى مفتوحاً على مصراعيه، وأن التلبية السودانية ستكون من دون شروط.
لا يبدو أن أهل الحكم في السودان استفادوا من تجارب سابقةٍ في التعاطي مع الإدارة الأميركية، خصوصاً في ما يخص العقوبات، وها هم يُقدمون عشوائياً على محاولة استرضاء واشنطن من دون مقابل. آخر الإجراءات السودانية كانت الموافقة على دفع تعويضات لعائلات 17 بحاراً أميركياً قتلوا عندما استهدف تنظيم القاعدة سفينتهم، المدمِّرة "يو إس إس كول"، في ميناء عدن اليمني عام 2000. وعلى الرغم من أن السودان ينفي مسؤوليته عن العملية، والتي ربطتها الإدارة الأميركية بالخرطوم باعتبار أن المنفذين دُرّبوا هناك، إلا أن السلطة السودانية وافقت على التعويض من دون كثير من المفاوضات. كان من الممكن النظر والاستفادة من التجربة الليبية في ملف لوكيربي على سبيل المثال، فإضافة إلى أن الاعتراف الليبي بالمسؤولية عن إسقاط طائرة بان أميركان حدث بعد مفاوضات طويلة وشاقة، فإن إزالة ليبيا من القائمة الأميركية لم يتم إلا بعد ثلاث سنوات من الاتفاق، كما أن تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة لم يوصل ليبيا إلى الرخاء الذي يعد به حكام السودان اليوم لتبرير تصرفاتهم أمام الشعب.
الأمر نفسه بالنسبة إلى الهرولة التطبيعية، واللقاء رفيع المستوى الذي تم بين رئيس المجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي وضعه البرهان، ولاحقاً الحكومة، في إطار مساعي رفع السودان عن قائمة العقوبات. وهنا أيضاً من غير المفهوم العلاقة بين الأمرين، ووفق أي منطقٍ سياسيٍّ تم الربط مع إسرائيل والقائمة الأميركية، والذي لا تفسير له إلا أنه استرضاء للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شخصياً، من دون أي دراسةٍ سياسيةٍ حقيقية. وإضافة إلى أن التجارب السابقة للإزالة من قائمة العقوبات الأميركية لم تشمل طلب التطبيع الذي جاء مجانياً من السلطة السودانية، فإن التطبيع لم يكن في أي يوم باباً لتحسين الأحوال المعيشية في أي من الدول العربية التي سبقت السودان إلى مثل هذه الخطوة. ويمكن النظر إلى الوضعين، الأردني والمصري، نموذجين لانعدام أي أثر لوعود الرخاء وربطه بالتطبيع، على الرغم من أن البلدين أبرما اتفاقيتي سلام مع إسرائيل.
وفي السياق ذاته، يمكن النظر إلى خطوة الموافقة على تسليم الرئيس المخلوع، عمر البشير، إلى المحكمة الجنائية الدولية، فعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، وضرورتها، إلا أنها جاءت أيضاً مجانية، وفي سياق الهرولة لاسترضاء الغرب من دون ترقب أي مردود على المدى المنظور، على الأقل هذا ما توحي به التصريحات والتسريبات إلى اليوم. فكل ما هو مطلوب اليوم من السودان هو تقديم فروض الولاء والطاعة، وترقب النتائج التي قد لا تأتي قريباً.
الأمر نفسه بالنسبة إلى الهرولة التطبيعية، واللقاء رفيع المستوى الذي تم بين رئيس المجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي وضعه البرهان، ولاحقاً الحكومة، في إطار مساعي رفع السودان عن قائمة العقوبات. وهنا أيضاً من غير المفهوم العلاقة بين الأمرين، ووفق أي منطقٍ سياسيٍّ تم الربط مع إسرائيل والقائمة الأميركية، والذي لا تفسير له إلا أنه استرضاء للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شخصياً، من دون أي دراسةٍ سياسيةٍ حقيقية. وإضافة إلى أن التجارب السابقة للإزالة من قائمة العقوبات الأميركية لم تشمل طلب التطبيع الذي جاء مجانياً من السلطة السودانية، فإن التطبيع لم يكن في أي يوم باباً لتحسين الأحوال المعيشية في أي من الدول العربية التي سبقت السودان إلى مثل هذه الخطوة. ويمكن النظر إلى الوضعين، الأردني والمصري، نموذجين لانعدام أي أثر لوعود الرخاء وربطه بالتطبيع، على الرغم من أن البلدين أبرما اتفاقيتي سلام مع إسرائيل.
وفي السياق ذاته، يمكن النظر إلى خطوة الموافقة على تسليم الرئيس المخلوع، عمر البشير، إلى المحكمة الجنائية الدولية، فعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، وضرورتها، إلا أنها جاءت أيضاً مجانية، وفي سياق الهرولة لاسترضاء الغرب من دون ترقب أي مردود على المدى المنظور، على الأقل هذا ما توحي به التصريحات والتسريبات إلى اليوم. فكل ما هو مطلوب اليوم من السودان هو تقديم فروض الولاء والطاعة، وترقب النتائج التي قد لا تأتي قريباً.