في أميركا المكتوية بنار كورونا، تتصارع الآن ثلاث مقاربات حول كيفية التعاطي مع الجائحة. واحدة تعطي الأولوية للاقتصاد، وضمناً للحسابات السياسية، وتشد باتجاه العودة إلى الحياة الاعتيادية، وإن بتدابير وقائية حتى لو كانت الكلفة البشرية كبيرة، لتحاشي الوقوع في حالة كساد مدمّر ومديد؛ وثانية، تتقدم فيها اعتبارات السلامة وتحذر فيها المراجع الصحية والطبية، خصوصاً الرسمية منها، من عواقب العودة إلى المألوف قبل الأوان الذي قد يمتد إلى عدة أسابيع او حتى أواسط الصيف؛ وثالثة تدعو إلى وضع استراتيجية صحية اقتصادية طويلة الأمد، على أساس أن الفيروس لن يغادر قبل العثور على اللقاح المناسب، والذي ليس من المتوقع توفّره قبل سنة ونصف السنة أو أكثر.
ويبدو أن هذه المقاربة قد بدأت تكتسب بعض الزخم، في ضوء الضغوط المختلفة التي تسبب بها السجن المنزلي وتوقف الأشغال والأعمال التي لم تسدّ حزمة الإعانات والتحفيز سوى زاوية صغيرة وموقتة منها. وقد بادر الجمهوريون بالتحرك نحو العودة على أكثر من صعيد. فبعد حوالي شهر ونصف الشهر من الغياب، استأنف الاثنين مجلس الشيوخ، ذو الغالبية الجمهورية، دورته، فيما رفض مجلس النواب، ذو الغالبية الديمقراطية، العودة إلى استئناف جلساته، متذرعاً بخطر الوباء. كذلك الأمر على مستوى الولايات، حيث أقدم أكثر من حاكم ولاية جمهوري على كسر الحظر قبل نفاد فترة الانتظار، وبدأ بالعودة التدريجية إلى الحالة الاعتيادية في ولايته.
بالترافق مع ذلك، قامت بعض فئات الشارع الجمهوري بتظاهرات موجهة على ما بدا وظهر في بعضها على السلاح على المكشوف، للضغط على حكام الولايات الديمقراطيين وإجبارهم على فك الحظر، وبذلك، صارت أجواء العودة راجحة.
لكن العملية سلاح بحدّين. فالهبّة لرفع الحظر، والتي يشجعها الرئيس دونالد ترامب قد ترتد عليه، وعلى الجمهوريين، في الانتخابات. كلّ القراءات الطبية وحتى الرسمية منها، ما زالت تتحفظ على "فتح البلاد" بهذه السرعة. وأرقام التوقعات الأخيرة تدعم تحذيرهم، فقد تصاعدت بوتيرة متسارعة في الأيام الأخيرة، من 60 ألف حالة وفاة إلى 70 ألفا، واليوم إلى 135 ألف وفاة مع منتصف الصيف. تقديرات مبنية على السرعة الجارية الآن للعودة إلى ما قبل كورونا.
تقول إحصائية طبية إنه لو جرى تدارك الأمر قبل أسبوعين أو ثلاثة، والبدء بالاستعدادات اللازمة، لكانت نسبة المصابين أقل بما بين 30 إلى 60%. إذا صحّ ذلك، يكون البيت الأبيض قد وضع نفسه، ومعه الحزب الجمهوري، في مأزق تتزايد تعقيداته. فلو تفاقم الوضع الصحي على إثر التبكير في الخروج من الإغلاق حسب توقعات أهل الاختصاص، لتحوّلت الانتخابات إلى محاسبة للرئيس على الثمن. ولو عمل الآن بالنصيحة الطبية، وتمهل في كسر الحظر، لتفاقم الوضع الاقتصادي وتحولت الانتخابات إلى استفتاء حول رئاسته من الصعب أن يخسر فيه بايدن. معادلة يتردد أنها دبّت الخوف في صفوف الجمهوريين، الذين "بدأ بعضهم بالتباعد عن الرئيس".