تجاوزت المعارضة اليسارية الإسرائيلية نخب اليمين الحاكم في دعواتها لاعتماد سياسة تقوم على مزيد من القمع ضد الشعب الفلسطيني سبيلاً للتعاطي مع الواقع الأمني الحالي. ومن المفارقة أن بعض الإجراءات القمعية التي وافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان قد بادر بالدعوة إليها رئيس حزب "العمل" إسحاق هرتسوغ.
فقد كان هرتسوغ أول من دعا إلى إغلاق الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة وما اعتبره "مَواطن الاحتكاك" بين اليهود والفلسطينيين في المدينة، وهو إجراء اعترضت عليه حتى بعض نخب اليمين. وخلال مقابلات مع وسائل الإعلام وفي سلسلة تغريدات على حسابه على "تويتر"، حثّ هرتسوغ على إغلاق الحرم القدسي الشريف، ومنع المسلمين من الوصول إليه.
في الوقت ذاته كان هرتسوغ أول من دعا إلى تجنيد قوات الاحتياط لتمكين الشرطة وسلاح حرس الحدود من إنهاء الهبة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن. وقد تجاهل هرتسوغ التحريض العنصري الفظ الذي يصدر عن النخب والعامة في إسرائيل، وأخذ يطالب بحرب "لا هوادة فيها" ضد التحريض الفلسطيني.
كذلك شارك هرتسوغ في الهجوم على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وانتقد "الخط التحريضي" الذي يتبناه. وقد ناقض هرتسوغ نفسه، إذ إنه كان قد دافع في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية بتاريخ 9 الحالي عن دور عباس في التهدئة، وأكد أنه واثق من رغبته في استعادة الهدوء. ومن أجل أن يضفي صدقية على حكمه هذا، استند هرتسوغ إلى شهادة جنرال إسرائيلي أكد له الدور المهم والمفصلي الذي يقوم به عباس في محاولة تهدئة الأوضاع.
اقرأ أيضاً: الحكومة الإسرائيلية تحوّل قرية العيساوية لـ"غيتو"
وانضم هرتسوغ إلى المحرضين على القيادات السياسية لفلسطينيي الداخل وأخذ يهاجم النواب العرب، متهماً إياهم بالتحريض لمجرد تحقيق مكاسب سياسية. وركّز على مهاجمة النائب جمال زحالقة. وقد بلغت مزايدات هرتسوغ على قادة اليمين إلى حد قوله إنه من أجل منع اندلاع انتفاضة ثالثة فإنه سيكون "أكثر تطرفاً" من نتنياهو. واستفز تصريح هرتسوغ المكرر هذا، الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، والذي تساءل قائلاً: "نتنياهو مسؤول عن قتل أكثر من ألفي فلسطيني في غزة، فهل هذا يعني أن هرتسوغ مستعد لقتل عشرات الآلاف من أجل منع اندلاع الانتفاضة؟".
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أضاف ليفي متسائلاً: "نتنياهو أمر باعتقال 400 فلسطيني اعتقالاً إدارياً من دون محاكمة، فهل ينوي هرتسوغ اعتقال ألف، ونتنياهو يطرد الآلاف من منازلهم، فهل سيطرد هرتسوغ عشرات الآلاف؟".
أما زعيم حزب " ييش عتيد" المعارض، وزير المالية السابق يئير لبيد، فإن كل رسائله تدل على أنه يعكف على توظيف الأحداث لاستمالة قطاع من ناخبي اليمين لصالح حزبه، من خلال التعبير عن مواقف عنصرية واضحة. ويكاد لبيد لا يفوت فرصة من دون أن يدعو إلى تنفيذ إعدامات ميدانية لمجرد الاشتباه بالفلسطينيين. وقد كرّر لبيد مقولته "يتوجب التركيز وتحقيق إصابة مؤكدة بين العينين، هكذا يتوجب التعامل مع المخرّبين".
وانتقد لبيد التصريحات التي أدلى بها مدير منظمة الإسعاف الإسرائيلية المعرفة بـ"نجمة داود" إيلي بين، والذي دافع عن قيام إحدى سيارات الإسعاف بتقديم العلاج لفلسطيني قيل إنه شارك بهجوم بسكين، معتبراً أنه ما كان يجب على هذه المؤسسة أن تقدم على هذا السلوك.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، هاجمت الكاتبة كارولينا ليندسمان "الكود الأخلاقي" الذي يحرّك لبيد، معتبرة أنه لا توجد فروق بينه وبين نخب اليمين المتطرف. اللافت أن الكثير من نخب اليسار تدعو لاستغلال الأوضاع الحالية من أجل طرح جنرال كمرشح "يساري" يكون قادراً على إقناع الجمهور الإسرائيلي بقدراته على استعادة الأمن. وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى أن اتصالات تجرى من أجل إقناع رئيس هيئة الأركان السابق بني غانتس بأن ينضم للحياة السياسية ويتقدّم كمرشح لقيادة معسكر اليسار عشية الانتخابات المقبلة، على اعتبار أنه "مرجعية أمنية موثوق بها".
وأشارت القناة إلى أن من ضمن الأسماء التي تُطرح أيضاً لقيادة اليسار الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك" يوفال ديسكين، والذي يصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه "مهندس" سياسة الاغتيالات التي أفضت إلى إنهاء انتفاضة الأقصى.
اقرأ أيضاً: حملة تحريض إسرائيلية ضد النائب العربي جمال زحالقة