بعد اللقاء الذي جمع مُرشحَي اليسار الفرنسي للانتخابات الرئاسية، الراديكالي الشيوعي، جان-لوك ميلينشون، والاشتراكي الإيكولوجي، بونوا هامون، يوم الجمعة الماضي، تحقَّقَ ما كان يتوقعه الكثيرون، وهو أن اليسار الفرنسي المتعدد سيدخل الانتخابات الرئاسية متشرذماً، بسبب تصميم ميلينشون وهامون على عدم سحب أحدهما ترشيحه لصالح الآخَر.
الصدمة لم تكن قوية في معسكر اليسار الفرنسي، الذي طالَما راكَمَ الصدمات، خلال ولاية فرنسوا هولاند الرئاسية، ولعلّ من أهمّها قرار الرئيس المنتهية ولايته عدم الترشح ثانية، وقبله اندفاع ميلينشون ووزير الاقتصاد السابق، ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء السابق، مانويل فالس إلى ترشيح أنفسهم قبل ظهور قرار هولاند للعلَن.
ورغم أن هامون استطاع تدارُك تأخره، مقارنة مع ميلينشون، في مختلف استطلاعات الرأي، التي تمنحه تفوقا ظاهرا على منافسه، إلا أن ميلينشون، المعروف بعناده واندفاعه، لم يكن ليقبل ألا أن يكون مرشحا، لأسباب كثيرة، منها تضخُّم أناه. وبالتالي فلن يقبل اليد الممدودة من هامون ليمين حزبه، أو لما يُسمّى بـ"اليسار الحكومي"، وأيضا لأنّه بدأ الحملة الانتخابية مبكرا وقد استنزفته ماليا وجسديا.
كان من الصعب، بل من المستحيل، كما يرى مدير مجلة "بوليتيس" الفرنسية، دونيس سييفير، خوض "حوار ودي"، بين الطرفين، لأن "هامون، في نظر ميلينشون، يظل اشتراكيا"، بينما يجد ميلينشون نفسه "حبيس خطاب يمكن تلخيصه إذا استخدمنا الكناية الحربية بـ: كل قيادي اشتراكي يجب أن يموت"، إضافة إلى أن "حركة ميلينشون تستلهم الشافيزية ومُنظّري شعبوية اليسار الأميركية اللاتينية، التي لا تتأقلم مع اليسار المؤسساتي".
إذن فقد اعتبر ميلينشون أن هامون ليس راديكاليا بما يكفي، خصوصا أن ثمة إشارات تثبت أن هامون سيتسامح مع ترشح مريم الخمري، المسؤولة عن قانون الشغل الجديد المثير للجدل، في الانتخابات البرلمانية القادمة عن الدائرة الباريسية الثامنة عشرة.
ولكن الأسبوع الماضي لم يكن، كله، سيئا بالنسبة للمرشح الاشتراكي الرسمي. فرغم فشل اللقاء مع ميلينشون ورغم الدعم الذي قدّمه القيادي التاريخي في حركة الخضر الإيكولوجي، دانييل كوهن بنديت، وهو يخرج عن صمته، للمرشح إيمانويل ماكرون، وافقت أغلبية ساحقة من أعضاء الحزب الإيكولوجي على التحالف مع هامون. وهو ما يعني سحب مرشحهم يانيك جادو لترشحه، رغم أنه يجب انتظار نقاشات حادة لمعرفة المقابل الذي سيدفعه هامون للحزب الإيكولوجي.
كما يأمل هامون، في القريب العاجل، الاتفاق مع أحزاب يسارية أخرى صغيرة للحاق بحملته، ومنها "الحركة الجمهورية والمواطنة" إضافة إلى بعض القيادات الشيوعية التي لم تصوّت، كما فعلت القاعدة في غالبيتها، لصالح التحالف مع ميلينشون، والتي تميل نحو الحزب الاشتراكي، الذي قد يساعدها من أجل الاحتفاظ ببعض المقاعد البرلمانية.
وإذا كانت استطلاعات الرأي جميعا، لحد الساعة، لا تحجز لأيّ من مُرشَّحي اليسار مقعدا في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فإن رؤية اليسار خارج اللعبة السياسية، ليست بالأمر المستحيل، أبدا، كما يجمع كل المراقبين، وهو ما جعل هامون يتجه في خطاب، أمس الأحد، إلى عموم الفرنسيين: "أستدير، من الآن فصاعدا، نحو الفرنسيين"، وليس فقط، نحو شعب اليسار.
كما أن فشل وحدة اليسار يجعل كثيرا من الاشتراكيين في حلّ من أنفسهم، وهو ما لن يحول بينهم وبين اللحاق بحركة إيمانويل ماكرون.
إن "ماكينة الفشل التي تشتغل على قدم وساق، الآن"، كما يرى مدير مجلة "بوليتيس"، دونيس سييفير، بسبب فشل اليسار في تقديم مرشح يساري رئيسي واحد، قد تنذر بحدوث "الفخ الأبدي"، أي ما يسمى"التصويت المفيد"، وهو ما يعني التصويت لمن يقدمهم الإعلام وكذا استطلاعات الرأي فائزين.
ولعلّ المرشحين السابقين للرئاسيات كريستيان توبيرا وجان- بيير شوفنمان، يعرفان، جيّدا، هذه الحقيقة، حين نافَسَا ليونيل جوسبان، في 2002، فتمّ إقصاء جميع مرشحي اليسار، ووجد المرشح اليميني جاك شيراك نفسَه محل "بيعة" من عموم الفرنسيين.