تحاول الأسر اليمنية إيجاد حلول متنوعة لمواجهة مشكلة تلوث مياه الشرب المنتشرة في أغلب المناطق، والمسببة للعديد من الأمراض على رأسها الفشل الكلوي والملاريا والكوليرا والإسهال؛ في ظل غياب تام للمنظمات الإغاثية وللسلطات الرسمية المعنية بإصلاح عيوب المنظومة المائية وتوفير المياه الصالحة للشرب للمواطنين.
ويشرب أغلب المواطنين اليمنيين مياهاً ملوثة، إما راكدة أو جوفية، حتى أن المياه التي توزعها وزارة المياه والصرف الصحي للمنازل بواسطة شبكة أنابيب (مواسير) معدنية ملوثة كون الشبكة قديمة وتعرضت للتسريب والصدأ.
تلوث المياه دفع بعض الأسر إلى البحث عن وسائل أولية لتنقية الماء لتكون صالحة للشرب أو على الأقل تقليل نسبة التلوث فيه بحسب قول بعضهم لـ"العربي الجديد".
وقال سمير عجلان أحد سكان صنعاء الذين حرصوا على اقتناء جهاز تنقية يعمل بالتيار الكهربائي بهدف تنظيف ماء الشرب: "يصلنا الماء من الصنبور ملوثا، فاللون مائل للأحمر أحيانا بسبب صدأ شبكات التوزيع". مشيرا إلى أن بعض المناطق في صنعاء تصلها المياه وقد اختلطت بمياه المجاري بعد تلف مواسير الماء نتيجة لرطوبة الأرض في ظل تجاهل رسمي.
ووصل سعر جهاز التنقية الكهربائي إلى 60 ألف ريال يمني (أقل من 300 دولار أميركي) وهو مبلغ لا يستطيع أغلب اليمنيين توفيره لشراء الجهاز بحسب قول عجلان. لكن الأسر ذات الدخل المتوسط، تشتري جهاز تنقية بسيطاً لا يتجاوز سعره سبعة آلاف ريال يمني (33 دولاراً)، مكوناً من علب بلاستيكية شفافة تحتوي على حصى ورمل يعمل على تنقية الماء.
أما الفقراء، وهم يشكلون غالبية اليمنيين، فيشربون المياه الملوثة، كونهم لا يعرفون عن السموم التي يتناولونها كل يوم، وإن علموا بها فلا يملكون الحيلة أو الوسيلة التي تمكنهم من ايجاد مياه نظيفة صالحة للشرب وتجنبهم عديد من الأمراض التي قد تؤدي إلى الموت.
لا يختلف الوضع في أرياف اليمن، فغالب السفياني أحد سكان محافظة المحويت (غرباً) يشكو انقطاع المياه عبر مشروع الأنابيب الحكومي منذ أكثر من خمسة أشهر، مشيرا إلى أن السكان يعتمدون على تجميع مياه الأمطار للشرب أو العيون المائية.
ويقول: "ننتظر هطول الأمطار، فتتجمع المياة في أسطح المنازل، فنقوم بتجميعها في أوعية وجعلها مخزونا للشرب". مشيرا إلى أن مياه الأمطار أفضل كثيرا من مياه السدود والبرك والعيون.
وعندما تتوقف الأمطار عن الهطول، يؤكد السفياني أن أسرته تلجأ إلى شرب مياه عيون القرية وبسبب مرورها من مناطق مليئة بالأوساخ تتعرض للتلوث، وهذا ما يجعلهم يقومون "بغلي الماء ومن ثم تعريضه للهواء وتبريده ليكون صالحا للشرب"، مشيرا إلى أن أمراضا كانت قد انتشرت بين أفراد أسرته على رأسها الإسهال، وقد بين أطباء القرية أن الأسباب تعود إلى شرب الماء الملوث.
من جانبها، أفادت منظمة أوكسفام البريطانية في تقرير نشر مؤخرا، بأن نحو 16 مليون يمني لا يستطيعون الحصول على مياه صالحة للشرب أو الاستفادة من الصرف الصحي، بالتزامن مع نقص الوقود واستمرار القتال والقصف الجوي. مؤكدة أن الرقم الجديد زاد بنحو 3 ملايين نسمة مقارنة بالوضع السابق.
وقالت المنظمة إن عدد اليمنيين الذين كانوا لا يستطيعون الحصول على مياة نظيفة قبل الحرب بلغ نحو 13 مليونا (نصف السكان)، لكن العدد زاد بعد اندلاع المواجهات المسلحة الأخيرة، وأن "نظام توزيع المياه الحكومي يغطي ثلث السكان فقط، بينما 20 في المئة كان لديهم إمكانية للحصول على المياه عبر الآبار العامة أو بطرق أخرى".
وأكدت المنظمة أن اليمنيين يجبرون على شرب مياه غير صالحة بسبب تعرض شبكة المياه للتلف ونقص الوقود اللازم للضخ، ما يهدد بانتشار أمراض خطيرة، مثل الملاريا والكوليرا والإسهال.
وتقدم أوكسفام حاليا المساعدة لنحو 80 ألفا في جنوب اليمن، كما تعمل على إيصال المياه لنحو مليون آخرين في عدن وبعض المناطق المحيطة.
وحسب التقرير الوطني الأول لرصد الحماية الاجتماعية في اليمن الصادر العام الماضي، فإن 43 في المائة من اليمنيين يحتاجون للمشي لمدة 30 دقيقة للوصول إلى مصادر المياه. وأشار التقرير إلى أن إجمالي الأسر التي تستخدم طرق المعالجة للمياه- كالغلي مثلا- تتمثل فقط بـ 2.6 في المائة، بما يعني أن باقي الأسر تستخدم مياهاً غير صالحة للشرب.
اقرأ أيضاً:ضحايا حرب اليمن.. مدنيّون غالباً