ونفذت طائرة بدون طيار، يوم الأربعاء الماضي، غارة سقط خلالها عنصران من التنظيم وأربعة مدنيين بمنطقة الريان في ضواحي المكلا، قبل أن تعود مساء السبت وتقتل خمسة آخرين بالقرب من مقر اللواء 190 دفاع جوي. وتصدر مقر اللواء 27 ميكا، أكبر المعسكرات في مدينة المكلا، الأماكن التي استهدفتها الطائرات بدون طيار بأكثر من ثلاث غارات خلال الفترة الماضية.
اقرأ أيضاً القاعدة في اليمن: الوريث الشرعي للفوضى
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، نفذت الطائرات الأميركية أكثر من 10 غارات في كل من شبوة وحضرموت، سقط خلالها قرابة 40 عنصراً من القاعدة، بينهم قيادات كبيرة في التنظيم، أمثال زعيم التنظيم في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، وكل من نصر الآنسي، إبراهيم الربيش، غالب باقعيطي، والشيخ حارث النظاري، الذي قتل مطلع العام الحالي.
وتثير الغارات التي تنفذها الطائرات الأميركية، بشكل متكرر خلال فترات متقاربة، الكثير من التساؤلات، أبرزها كيف يتم تصفية عناصر التنظيم بهذه السهولة، على الرغم من اعتماده على السرية التامة في تحركاته واتخاذه سلسلة من الاحتياطات.
أول الإجراءات الاحتياطية التي اتبعها التنظيم تمثل في اقتحامه مبنى الأمن القومي والسياسي، ويمثل الجهازان الاستخبارات اليمنية. يومها حصل التنظيم على وثائق مهمة، بحسب ما تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد"، قبل أن يعمد إلى تفجير المبنى لاحقاً. كما اعتقل التنظيم عدداً من الأشخاص بتهمة العمل ضمن الجهازين، اللذين يعتبرهما التنظيم عدوه الأول، ويؤكد في معظم بياناته أنهما "يد واشنطن" في اليمن.
وفي يونيو/حزيران الماضي، نفذ التنظيم حكم الإعدام بحق شخصين يحملان الجنسية السعودية يعملان ضمن صفوفه بتهمة التجسس لصالح النظام السعودي، وقام بصلب جثتيهما على أهم جسرين بمدينة المكلا، وذلك غداة إعلانه مقتل زعيم التنظيم في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، في رسالة تهديد واضحة لمن يفكر في العمل لصالح خصوم التنظيم. كما أعدم التنظيم، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ثلاثة أشخاص في وادي حضرموت بتهمة التجسس، ورمى بجثثهم وسط مدينتي القطن وشبام.
في مقابل ذلك، أعلن التنظيم في أغسطس/آب المنصرم، العفو العام عن من يسلّم نفسه من العسكريين الذين يعملون ضمن أجهزة الأمن، بشرط "إعلان التوبة". وهدد في بيان نشره على موقع "تويتر" بالقبض على كل من يضبطه بعد هذه الدعوة.
من جهتها، توضح مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنّ التنظيم اتخذ من بعض الفنادق وسط مدينة المكلا مقراً لعددٍ من قياداته، تحاشياً لاستهدافهم، فضلاً عن تقليص التنظيم حركة أفراده أخيراً. كما تشير مصادر على صلة بالتنظيم إلى أنّ استخدام عناصره للهواتف النقالة يقتصر على الضرورات القصوى فقط، خشية تمكن الاستخبارات من تحديد أماكنهم.
وتؤكد جملة الإجراءات أن التنظيم بات يسعى بكل الوسائل إلى مواجهة خطر طائرات الـ"درونز" التي تعتمد في عملها على "الشرائح" الموجّهة التي يتم زرعها في الهدف.
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تفتقد واشنطن حليفها الرسمي، المتمثل في الحكومة وأجهزتها الأمنية، في مواجهة ما تسميه "الإرهاب". في موازاة ذلك، سعى الحوثيون إلى تقديم أنفسهم كبديل لمواجهة "القاعدة" في اليمن.
ومن المتوقع أن تسرّع الضربات المتتالية من انسحاب التنظيم من مدينة المكلا، خصوصاً أنه يفقد عناصره منذ سيطرته على المكلا التي تحولت من "نصر" له إلى فخ جديد للتنظيم.
وكان الطيران الأميركي قد وجد في سيطرة التنظيم على مدينة المكلا وظهور قادته إلى العلن، فرصة لاستهداف قادة "القاعدة" وقتل عددا منهم خلال فترة وجيزة، في تطور لم يحدث طيلة السنوات الماضية، عندما كان الطيران الأميركي يتعقب عناصر التنظيم في الجبال والوديان الشاسعة.
في السياق، يقول سياسيون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم القاعدة فضّل، بشكل عام، "الحكم من الظل، بعد سيطرته على مدينة المكلا، ولم يقم باستلام كافة الدوائر الحكومية، لعدم تكرار تجربة أبين 2011 التي كلفته مادياً وبشرياً". ويلفت سياسيون إلى أنه على الرغم من هذه الخطوات "تعرض التنظيم لضربات متتالية، نتيجة ظهوره الجزئي في المكلا، وذلك بسبب محاولته الاندماج مع جموع المواطنين، الأمر الذي سهّل للدرونز مهمتها".
ويرجع السياسيون أنفسهم نجاح الضربات الأميركية وإصابتها أهدافها بدقة إلى وجود اختراق كبير ظلت الاستخبارات الأميركية تعمل من أجله منذ سنوات طويلة، مما جعل المكلا بيئة خصبة للغارات الأميركية، خصوصاً مع تجمع معظم قادة القاعدة في المدينة، بعدما قدموا من مختلف مناطق البلاد".
ووفقاً لبعض السياسيين، فإنّ تجنيد تنظيم القاعدة لعناصر جديدة منذ دخوله المكلا شكل خرقاً جديداً سهّل معه عملية زراعة الشرائح الموجهة للطائرات الأميركية. وأكدوا أنّ التنظيم أدرك أن سيطرته على المكلا باتت بمثابة "ورطة"، ورجحوا أن يغادر في أقرب فرصة، لأن بقاءه يعني فقدان المزيد من قياداته.
اقرأ أيضاً: تصعيد "القاعدة" في حضرموت: مؤشر انسحاب أم تثبيت وجود؟