تفجرت أزمة حادة داخل الحكومة اليمنية في عدن حول الآلية الجديدة لاستيراد الوقود التي أقرها رئيس الوزراء، معين عبد الملك، إذ أصدر توجيهات لقائد قوات التحالف العربي، فهد بن تركي بن عبد العزيز، بعدم التعامل أو اعتماد أي تصاريح لدخول أي من سفن الوقود إلى موانئ اليمن، إلا وفقاً للتصريح الصادر عن المكتب الفني للمجلس الاقتصادي الأعلى.
وفي المقابل، ردت اللجنة الاقتصادية عبر وزير النقل، صالح الجبواني، برفض توجيهات رئيس الوزراء ومصادرة صلاحيات اللجنة المشكلة بقرار رئاسي.
وظهر الصراع الذي كان يجري من تحت الطاولة بين أقطاب "الشرعية" في اليمن المتمثلة في الرئاسة والحكومة، إلى العلن بشكل متسارع بعد استقالة مجموعة وزراء من الحكومة إثر قرار إيقاف وزير النقل صالح الجبواني، الذي اعترض على قرار نقل صلاحية استيراد الوقود من اللجنة الاقتصادية إلى المجلس الاقتصادي.
وبينما شدد رئيس الوزراء اليمني في توجيهاته في مذكرة رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد"، على عدم الاستجابة لأي من الخطابات التي تطلب منع دخول أي شحنة أو التحفظ عليها من أي جهة أخرى غير المجلس الاقتصادي الأعلى، أكد وزير النقل أن اللجنة الاقتصادية مشكلة بقرار جمهوري وسحب صلاحيتها يعد مخالفا للنظام والقانون والدستور في اليمن.
وأوضح الجبواني أن الهدف من الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء اليمني تكمن في تمرير سفن غير قانونية، كما حصل عندما أمر عبد الملك بإدخال السفينة (فريت مارج) وتحمل شحنة وقود بقيمة 48 مليون دولار رغم عدم استيفائها أياً من الشروط القانونية ودخلت الميناء قسراً بقوة المليشيات المتمردة في عدن.
وأضاف الجبواني في رسالة توضيحية بعثها للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، اطلعت عليها "العربي الجديد" أن قرار رئيس الوزراء عبثي يضرب الدستور والقانون في الصميم، لأن مثل هذه القرارات تضر الاقتصاد الوطني لخدمة الفساد والفاسدين.
وقدم الجبواني ومجموعة وزراء استقالتهم رداً على رئيس الحكومة، مطالبين بتشكيل حكومة جديدة مصغرة في ظل عجز الحكومة الراهنة التي اتهموها بالضعف وافتعال معارك وهمية في الوقت الذي يشهد فيه اليمن أزمات اقتصادية ومعيشية متلاحقة والأزمة الطارئة المتمثلة في فيروس كورونا، إلى جانب معارك مشتعلة في الجبهات مع الحوثيين وتقويض اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.
وكانت الحكومة اليمنية قد قررت منتصف فبراير/شباط الماضي دراسة ومراجعة الآليات المعتمدة لدخول المشتقات النفطية إلى اليمن، بعد أن كانت المهمة موكلة إلى اللجنة الاقتصادية التي تشرف على تجارة المشتقات النفطية وسط أزمات متلاحقة وصراع دائر بين طرفي الحرب في البلاد حول الاعتمادات المستندية لاستيراد الوقود بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
ويأتي القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة اليمنية في سياق ما اعتبره احتكاراً ضاراً في تجارة واستيراد المشتقات النفطية والتلاعب بأسعار الوقود وافتعال الأزمات التي يعاني منها المواطنون، وهو ما يراه مراقبون في سياق صراع خفي غير مباشر بين أطراف حكومية وتجار محسوبين على كل طرف.
وفي المقابل، اتهم نائب مدير مكتب الرئيس اليمني، رجل الأعمال البارز وتاجر النفط، الشيخ أحمد العيسي، الحكومة اليمنية بالفساد، وتنظيم حملات لاستهدافه للتغطية على عمليات الاختلاس في البنك المركزي اليمني ونهب أراضي المنطقة الحرة في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، نفى العيسى وجود أي احتكار في تجارة المشتقات النفطية، مؤكداً أن سوق النفط محررة ولا داعي لذر الرماد على العيون، في إشارة إلى الإجراءات التي يتخذها رئيس الحكومة. وكلفت الحكومة المجلس الاقتصادي الأعلى بدلاً من اللجنة الاقتصادية (التي يُتهم العيسي بالتحكم بقراراتها) بدراسة ومراجعة الآليات المعتمدة لدخول المشتقات النفطية إلى اليمن.
وسخر رجل الأعمال اليمني الشهير من هذه الاتهامات الموجهة له واعتبرها مضحكة، قائلاً: "أمر مؤسف لجوء رئيس الحكومة لاختلاق معارك وهمية بغرض إشغال الرأي العام وتخديره برفع لافتة كسر الاحتكار ومكافحة الفساد بينما حكومته غارقة في الفساد".
ومنذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014، انهارت شركة النفط ومصافي عدن، وفق حديث العيسي، إذ عمل التجار حسب تأكيداته، على بيع النفط في مناطقهم، وكان وُجِد عدد من التجار في المحافظات بمثابة تحرير عملي بحكم الأمر الواقع لسوق النفط حتى عام 2018 حين أصدر الرئيس اليمني أمرًا بتحرير سوق النفط نهائيا، لذا فإن حديث رئيس الوزراء عن كسر احتكار سوق النفط هو بمثابة تحقيق انتصارات وهمية على حد تعبير العيسي.
وبالنسبة لكميات استهلاك محطات الكهرباء في عدن، قال العيسي: يتم إنزال مناقصات شهرية تشترك فيها نحو سبع جهات حكومية رسمية.
ونفى العيسي أن يكون محور الصراع بين الرئاسة اليمنية والحكومة، والقصة كما يوضحها قائلاً: "الحكومة لم تسدد العام الماضي مستحقات شركة العيسي حيث بلغت المديونية أكثر من 150 مليون دولار فاضطرت الشركة إلى التوقف عن تمويل الكهرباء حتى يتم تسديد جزء من المديونية، وحينها لجأ رئيس الحكومة لاختلاق قصة تحرير سوق المشتقات النفطية ليتهرب من التزامات حكومته ويغطي فشله.
وأكدت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد" أنه سيتم في هذا الشأن العمل على تطوير الأداء التشغيلي لمصافي عدن، واتخاذ الإجراءات اللازمة باستكمال تمويل المراحل الأخيرة من محطة الطاقة الخاصة بالمصفاة ووضع جدول زمني لتشغيل المصفاة بما يضمن استعادة المصفاة دورها الاقتصادي الفاعل.
في السياق، قال الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، إن استيراد المشتقات النفطية، عملية من المفترض أن تتم وفقا لإجراءات معينة تتخذ بالتنسيق ما بين وزارة المالية والبنك المركزي ووزارة النقل وغيرها من الجهات المتخصصة.
وشدد على ضرورة أن تكون لوزارة النقل رقابة على منافذ البلد البرية والجوية لتذليل الصعاب أمام المواطنين وحل مشاكلهم، لأننا لم نرَ أي دور للوزارة في تنظيم خدمات النقل بكافة أشكالها، فضلا عن مشاكل شركات الطيران والطائرات المتهالكة.