يبدو أنّ المادة التي تكفل "الحقوق والحريات" في الإعلان الدستوري الذي أطلقه الحوثيون إثر انقلابهم وسيطرتهم على السلطة في اليمن، تكفلهما فقط لمؤيدي جماعة "أنصار الله". فالحوثيون لم يوفّروا فرصةً لممارسة انتهاكاتهم بحقّ الإعلام والإعلاميين منذ سيطرتهم العسكرية على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
الإعلام والإعلان
أول من أمس، لم يتوقف تلفزيون "المسيرة" الناطق باسم جماعة أنصار الله (الحوثيون) في أعقاب "الإعلان الدستوري" عن ترديد جملة واحدة: "وانتصر الشعب". وعلى غير عادتها، كانت المحطة التي تبث من بيروت، قد تفرغت تماماً عقب بث صلاة الجمعة من أحد مساجد صنعاء، لتغطية وقائع الإعلان.
وظلت المحطة تبث منذ الصباح صوراً أرشيفية لمظاهرات الحوثيين، ممزوجة بخطب لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وأناشيد بصبغة حربية، تدعو للاستمرار في "الثورة"، والتصدي
بكل قوة لـ "الفاسدين". وأظهرت لقطات عدة لمسنين وشبان يطلقون "الصرخة" وهو شعار للجماعة يردف بـ "الموت لأميركا وإسرائيل واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام"، وآخرين يحملون أسلحتهم ويتوعدون.
وبعد انتهاء بث "صلاة الجمعة"، بدأت المحطة ببث "الأخبار العاجلة"، عن بدء وصول "الوفود السياسية والعسكرية" إلى القصر الجمهوري بالعاصمة، حيث أعلن الحوثيون هناك عن "الإعلان الدستوري"، ثم ظهر مراسلها "ملاطف الموجاني" للحديث عن "السعادة الغامرة داخل القصر".
وركزت كاميرا المحطة على تصوير وزراء في الحكومة المستقيلة، من بينهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، الذي قال ناطقه مساء الجمعة في تصريح صحافي انه "أسير" لدى الحوثيين، "وحياته في خطر".
واستمرت التغطية المباشرة في المحطة لـ "فعالية الإعلان الدستوري"، وتوقفت حال فض الجمع في القصر الجمهوري، وبثت المحطة بعدها "أخباراً عاجلة" تدعو إلى إطلاق المفرقعات "احتفالاً بانتصار الشعب"، ثم بثت صوراً حية لإطلاق المفرقعات والأعيرة النارية، ثم عاد مراسل المحطة من صنعاء للحديث عن "السعادة الغامرة للشعب اليمني".
ولم تكن "المسيرة" من أعطت اهتماماً لـ "الإعلان الدستوري" للحوثيين، فقد ركز كثيراً
تلفزيون "الساحات" الذي يبث أيضاً من بيروت ويتلقى دعماً من "حزب الله" اللبناني، على تغطية الحدث، من الأخبار والتقارير، والفلاشات الترويجية، واستضافة صحافيين وناشطين مرتبطين بجماعة الحوثيين.
من جهة ثانية، وعلى صدر الصحيفتين الحكومتين (الثورة – الجمهورية) بدت التغطية موسعة لوقائع الإعلان، فضلاً عن تلفزيون "اليمن" الحكومي، الذي منح ساعات من بثه للتغطية الحية. كما اهتمت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالحدث، وجاء في مانشتها العريض "إعلان دستوري ينقل السلطة للجان".
ويقول الصحافي طه ياسين لـ "العربي الجديد"، إن "الإعلام الحكومي دائماً ما ارتبط بالسلطة
الحاكمة، أينما كانت ومهما كانت شرعيتها، أو الوسائل التي أتت بها". ويضيف: "من الطبيعي أن يكون أداء الإعلام الحكومي مضبوطاً مع إيقاع سياسية الأمر الواقع للحوثيين، وأن يتماهى مع الانقلاب الذي حصل".
وكان الحوثيون قد سيطروا على عدد من المؤسسات الإعلاميّة، خصوصاً تلك الحكوميّة، وغيّروا سياساتها التحريرية. وكانت وزيرة الإعلام اليمنيّة نادية السقاف قد أكدت استيلاء أنصار الله على إعلام الحكومة.
انتهاكات "دستورية" بالجملة
ليلة انقلاب الحوثيين، خطف مسلحون حوثيون عدداً من الصحافيين والناشطين الإعلاميين، أثناء تغطيتهم لمظاهرة خرجت عفوياً عقب "الإعلان الدستوري" لجماعة الحوثيين، تمثلت باختطاف أمين دبوان والمصورين يحيى عمران ويحيى السواري ومحمد الفقيه. وأبلغ ناشطون "العربي
الجديد" أنّ أغلب المختطفين يقبعون في سجن "14 أكتوبر" التابع لأحد مخافر الشرطة في العاصمة.
ويقول المصور صلاح الجندي لـ "العربي الجديد": "بالأمس كان الحوثي وجماعته يسعون لكسب ولاء الصحافيين عن طريق المظلومية وعن طريق الشكوى بانهم مضطهدون وظلوا ينادون بالحقوق والحريات وأيضاً للصحافيين، لكن اليوم اختلف الأمر تماماً".
ويضيف: "ادرك الحوثي أن عدوه الأكبر هم الصحافيون والإعلاميون فسعى جاهداً ليقنعهم بكل ما أوتي من قوه. ووصلت الاعتداءات على الصحافيين الى الاعتداء الجسدي والشتم والنهب والاعتقال، وما يحدث اليوم هو انتهاك لحرية التعبير وحرية الكلمة".
ويعتبر أنّ من "المضحك أنّ في إعلانهم الدستوري يوجد بند كبير بحرية التعبير وحرية الكلمة، وبعد الإعلان بيوم يعتقل الصحافيون ويعتقل الشباب ويعتدي عليهم وتُكسر كاميراتهم وينهبها". وأردف قائلاً: "أنا أحد من تم الاعتداء عليَّ بأعقاب البنادق وتم اختطاف الكثير من الشباب من أمامي، بما يثبت أن بلطجة الحوثي فاقت بلطجة نظام الرئيس السابق بكثير".
ورغم أنّ الإعلام اليمني لم يكن يلتزم بالمعايير المهنيّة في تغطياته للأحداث، برز في رصد إحدى المنظمات بثّ الكراهية والتحريض بشكل كبير، لكنّ رصيد الحوثيين مليء بالانتهاكات بحق الإعلام. فقد رصدت مؤسسة "حرية" 52 انتهاكاً بعد شهر فقط من سيطرة الحوثيين على صنعاء، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي نهاية العام، قالت المؤسسة إنّها رصدت
359 حالة انتهاك تعرض لها صحافيون وإعلاميون ووسائل إعلامية مختلفة تقف وراءها 8 جهات، يأتي في مقدمتها الحوثيون. ومنذ بداية يناير/كانون الثاني الماضي، رصدت المؤسسة 49 انتهاكاً، شملت حالات اختطاف واعتقال واعتداءات جسدية وضرب مبرح، طالت العديد من الطواقم الإعلامية والصحافيين من وسائل الإعلام المحلية والدولية وكذا مصادرة أدوات تصوير تلفزيونية وصحافية. وبحسب المؤسسة، كان يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني 2015 الأعنف بحق الصحافة، إذ سجّلت 25 انتهاكاً في يومين فقط.
ورغم تشكيل تكتلات مدنية يمنية، لتحالف لمواجهة الانتهاكات التي يتعرض لها الحوثيون أواخر العام الماضي، إلا أنّه بقي دون جدوى. وقبل يوم واحد من الإعلان الدستوري، هددت جماعة أنصار الله بمزيد من "الإجراءات الحازمة تجاه ما وصفتها بـ "أبواق الفتنة وإعلام الحروب". وقالت في بيان إن "لجانها الشعبية" أدركت خطورة السكوت عن تلك "التجاوزات"، "وحرصاً على المصلحة الوطنية واللحمة الداخلية سارعت إلى إنجاز ما كان يتمناه الكثيرون المحبون لوطنهم ومجتمعهم وانتظروه كثيرا باعتبار تلك الصحف والوسائل الإعلامية تعد جزءا أساسيا من مخطط جر اليمن إلى حالة اللا استقرار والاحتقان الدائم".
الإعلام والإعلان
أول من أمس، لم يتوقف تلفزيون "المسيرة" الناطق باسم جماعة أنصار الله (الحوثيون) في أعقاب "الإعلان الدستوري" عن ترديد جملة واحدة: "وانتصر الشعب". وعلى غير عادتها، كانت المحطة التي تبث من بيروت، قد تفرغت تماماً عقب بث صلاة الجمعة من أحد مساجد صنعاء، لتغطية وقائع الإعلان.
وظلت المحطة تبث منذ الصباح صوراً أرشيفية لمظاهرات الحوثيين، ممزوجة بخطب لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وأناشيد بصبغة حربية، تدعو للاستمرار في "الثورة"، والتصدي
وبعد انتهاء بث "صلاة الجمعة"، بدأت المحطة ببث "الأخبار العاجلة"، عن بدء وصول "الوفود السياسية والعسكرية" إلى القصر الجمهوري بالعاصمة، حيث أعلن الحوثيون هناك عن "الإعلان الدستوري"، ثم ظهر مراسلها "ملاطف الموجاني" للحديث عن "السعادة الغامرة داخل القصر".
وركزت كاميرا المحطة على تصوير وزراء في الحكومة المستقيلة، من بينهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، الذي قال ناطقه مساء الجمعة في تصريح صحافي انه "أسير" لدى الحوثيين، "وحياته في خطر".
واستمرت التغطية المباشرة في المحطة لـ "فعالية الإعلان الدستوري"، وتوقفت حال فض الجمع في القصر الجمهوري، وبثت المحطة بعدها "أخباراً عاجلة" تدعو إلى إطلاق المفرقعات "احتفالاً بانتصار الشعب"، ثم بثت صوراً حية لإطلاق المفرقعات والأعيرة النارية، ثم عاد مراسل المحطة من صنعاء للحديث عن "السعادة الغامرة للشعب اليمني".
ولم تكن "المسيرة" من أعطت اهتماماً لـ "الإعلان الدستوري" للحوثيين، فقد ركز كثيراً
من جهة ثانية، وعلى صدر الصحيفتين الحكومتين (الثورة – الجمهورية) بدت التغطية موسعة لوقائع الإعلان، فضلاً عن تلفزيون "اليمن" الحكومي، الذي منح ساعات من بثه للتغطية الحية. كما اهتمت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالحدث، وجاء في مانشتها العريض "إعلان دستوري ينقل السلطة للجان".
ويقول الصحافي طه ياسين لـ "العربي الجديد"، إن "الإعلام الحكومي دائماً ما ارتبط بالسلطة
وكان الحوثيون قد سيطروا على عدد من المؤسسات الإعلاميّة، خصوصاً تلك الحكوميّة، وغيّروا سياساتها التحريرية. وكانت وزيرة الإعلام اليمنيّة نادية السقاف قد أكدت استيلاء أنصار الله على إعلام الحكومة.
انتهاكات "دستورية" بالجملة
ليلة انقلاب الحوثيين، خطف مسلحون حوثيون عدداً من الصحافيين والناشطين الإعلاميين، أثناء تغطيتهم لمظاهرة خرجت عفوياً عقب "الإعلان الدستوري" لجماعة الحوثيين، تمثلت باختطاف أمين دبوان والمصورين يحيى عمران ويحيى السواري ومحمد الفقيه. وأبلغ ناشطون "العربي
ويقول المصور صلاح الجندي لـ "العربي الجديد": "بالأمس كان الحوثي وجماعته يسعون لكسب ولاء الصحافيين عن طريق المظلومية وعن طريق الشكوى بانهم مضطهدون وظلوا ينادون بالحقوق والحريات وأيضاً للصحافيين، لكن اليوم اختلف الأمر تماماً".
ويضيف: "ادرك الحوثي أن عدوه الأكبر هم الصحافيون والإعلاميون فسعى جاهداً ليقنعهم بكل ما أوتي من قوه. ووصلت الاعتداءات على الصحافيين الى الاعتداء الجسدي والشتم والنهب والاعتقال، وما يحدث اليوم هو انتهاك لحرية التعبير وحرية الكلمة".
ويعتبر أنّ من "المضحك أنّ في إعلانهم الدستوري يوجد بند كبير بحرية التعبير وحرية الكلمة، وبعد الإعلان بيوم يعتقل الصحافيون ويعتقل الشباب ويعتدي عليهم وتُكسر كاميراتهم وينهبها". وأردف قائلاً: "أنا أحد من تم الاعتداء عليَّ بأعقاب البنادق وتم اختطاف الكثير من الشباب من أمامي، بما يثبت أن بلطجة الحوثي فاقت بلطجة نظام الرئيس السابق بكثير".
ورغم أنّ الإعلام اليمني لم يكن يلتزم بالمعايير المهنيّة في تغطياته للأحداث، برز في رصد إحدى المنظمات بثّ الكراهية والتحريض بشكل كبير، لكنّ رصيد الحوثيين مليء بالانتهاكات بحق الإعلام. فقد رصدت مؤسسة "حرية" 52 انتهاكاً بعد شهر فقط من سيطرة الحوثيين على صنعاء، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي نهاية العام، قالت المؤسسة إنّها رصدت
ورغم تشكيل تكتلات مدنية يمنية، لتحالف لمواجهة الانتهاكات التي يتعرض لها الحوثيون أواخر العام الماضي، إلا أنّه بقي دون جدوى. وقبل يوم واحد من الإعلان الدستوري، هددت جماعة أنصار الله بمزيد من "الإجراءات الحازمة تجاه ما وصفتها بـ "أبواق الفتنة وإعلام الحروب". وقالت في بيان إن "لجانها الشعبية" أدركت خطورة السكوت عن تلك "التجاوزات"، "وحرصاً على المصلحة الوطنية واللحمة الداخلية سارعت إلى إنجاز ما كان يتمناه الكثيرون المحبون لوطنهم ومجتمعهم وانتظروه كثيرا باعتبار تلك الصحف والوسائل الإعلامية تعد جزءا أساسيا من مخطط جر اليمن إلى حالة اللا استقرار والاحتقان الدائم".