ظلّت أيادي اليمنيين مرفوعة إلى السماء طوال الشهرين الماضيين طلباً للغيث، لكنّهم لم يتوقعوا أن تتحول قطرات المطر التي كانت تصنع البهجة في نفوسهم وأراضيهم الزراعية لحظة تساقطها، إلى كارثة إضافية للبلد الذي يئن تحت وطأة الحرب منذ أكثر من خمس سنوات. ويعيش اليمن في الأساس واحدة من أكبر الأزمات في العالم على الصعيد الإنساني، إذ تسبب النزاع بنزوح نحو أربعة ملايين من إجمالي 29 مليون نسمة. وتقول منظمات أممية، إنّ المعارك المتصاعدة طوال السنوات الخمس الماضية، في شمال وغرب البلاد، أجبرت عشرات الآلاف على التنقل في أربع موجات نزوح، وفي الأيام الأخيرة، تكفلت الفيضانات التي خلفها المنخفض الجوي، في موجة نزوح خامسة. وخلال العام الجاري، بات اليمن عُرضة، بشكل متكرر، لمنخفضات جوية آتية من المحيط الهندي وشرق آسيا. وفي حين كانت الأمطار الموسمية تصل سنوياً إلى المحافظات الجبلية فقط، في شمال ووسط اليمن، أدت تقلبات الطقس الجديدة إلى كوارث في المدن الساحلية التي تشهد ندرة في هطول الأمطار، ولا يمتلك سكانها أبسط الإمكانات أو شوارعها التجهيزات اللازمة، لمواجهة كوارث السيول. وأحالت الأمطار مساكن آلاف المواطنين والنازحين في السهل التهامي الممتد من حجة إلى الحديدة إلى ركام، خصوصاً في البلدات الساحلية الحارة، التي يشيّد سكانها بيوتهم من سعف النخيل.
وبحسب إحصاءات رسمية صادرة عن سلطات محافظة الحديدة، فقد أدت الفيضانات التي ضربت مديريات الزُهرة، والقناوص، واللُحية، إلى مصرع 15 شخصاً وجرف 50 منزلاً على الأقل. وقال سكان إنّه تم العثور على ضحايا مدنيين تحت أنقاض المباني الطينية بعد يوم من هطول الأمطار. ويشكو سكان سهل تهامة من تقاعس السلطات الحوثية الحاكمة لمناطقهم وكذلك المنظمات الإغاثية، في القيام بدورها بإغاثة بلداتهم المنكوبة. ومن جهتها، تقول الطبيبة، أشواق محرم، الناشطة في العمل الإنساني في هذه المناطق بالذات، لـ"العربي الجديد" إنّ فريقها الإغاثي يستعد لتدخل طارئ في مديريات الحديدة المتضررة.
وفي محافظة حجة المتاخمة للحديدة، بالشمال الغربي لليمن، لم تكن حال السكان هناك أفضل من قاطني سهول تهامة، فقد تسببت الفيضانات التي ضربت بلدة اللوحة، في مديرية بني قيس، بوفاة أربعة أفراد من أسرة نازحة وفقدان خامس، فيما باتت أكثر من 50 أسرة بلا مأوى، بعد جرف السيول الأكواخ الخاصة بها. وما زال الخطر يتهدد عشرات الأسر التي تقطن الأكواخ في السهول والوديان والمناطق الساحلية الممتدة من حجة إلى الحديدة، خصوصاً مع استمرار المنخفض الجوي. ووفقاً لمركز الأرصاد اليمني، فإنّ حالة عدم الاستقرار هي السمة الرئيسية لطقس المحافظات اليمنية، والأمطار الغزيرة التي هطلت في اليومين الماضيين وصلت إلى 6.2 ملم في مناطق مختلفة، كانت خارج نطاق بعض محطات الرصد الجوي.
المباني التاريخية العتيقة في صنعاء، كانت هي الأخرى عُرضة لكارثة الأمطار التي ضربت المدن، ومساء أمس الأول الإثنين، لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب أربعة آخرون، من جراء انهيار مبنى مكوّن من أربع طبقات في محيط مستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء. ويقول سكان في الحيّ لـ"العربي الجديد" إنّ قاطني المنزل الطيني هجروه خشية من انهيار محتمل بسبب الأمطار الغزيرة، فيما حلّت الكارثة على عمّال كافيتيريا وبقالة تقعان في الطبقة الأولى منه.
بدوره، يقول مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، نجيب السعدي، لـ"العربي الجديد" إنّ الأضرار التي تسببت بها الأمطار في منطقة وادي حضرموت، زادت من معاناة النازحين خصوصاً في مخيمات مريمة ومدودة، وجعلتهم يعيشون في العراء، بعدما عصفت الرياح بالخيام والبيوت المتهالكة. ووفقاً للمسؤول الحكومي اليمني، فقد أدت الفيضانات إلى تدمير مساكن ثماني أسر، وإتلاف مواد غذائية خاصة بخمس وستين أسرة، وإتلاف المواد الإيوائية من فرش وبطانيات وملابس 12 أسرة. ويكشف مدير وحدة النازحين، أنّ هناك احتياجات عاجلة لـ 78 أسرة ونقل أماكن المخيمات من مجاري السيول، فضلاً عن مواد النظافة والناموسيات. وفي محافظة مأرب، يذكر السعدي، أنّ إجمالي الأسر التي تضررت بشكل كلي في مدينة مأرب وصل إلى 637، تليها مديرية الوادي بـ399 أسرة، ثم صرواح بـ179 أسرة، فيما تضررت أسرتان في مديرية حريب.
تهديد للتراث العالمي
بلدة شبام في حضرموت، المصنفة ضمن التراث العالمي لاحتوائها على ناطحات سحاب طينية، تعرضت لأضرار بالغة من جراء السيول. ودعت الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، المنظمات الدولية، لإنقاذ المدينة، خصوصاً أنّ مبانيها المسجلة كأحد فنون الهندسة المعمارية مهددة بالانهيار في أيّ لحظة.