كان فكري السامعي، موظف حكومي في العاصمة اليمنية صنعاء، متحمسا جدا ويشعر بتفاؤل كبير بعد انطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لوقف السيارات ومقاطعة البنزين، على خلفية الارتفاع الجنوني في أسعار المشتقات النفطية في اليمن، وقد استيقظ صباحا تاركا سيارته في المنزل وتوجه راجلا الى العمل، ليفاجأ بشوارع مزدحمة بالمركبات، جعلته يتساءل أين ذهبت المقاطعة.
وتلخص قصة السامعي كيف تنطلق حملات المقاطعة بحماس على مواقع التواصل وتموت عند التنفيذ، وقد أوضح لـ"العربي الجديد" أن عدم التجاوب مع حملات المقاطعة لن يثبط عزيمته، متفائلا بأن الوعي يزداد بأهمية مقاطعة المنتجات على خلفية ارتفاع الأسعار أو رداءة المنتج.
وتكررت حملة مقاطعة البنزين ثلاث مرات خلال العام الماضي 2018، وأطلق ناشطون خلال سبتمبر وسم #حملة_مقاطعة_البترول، وكتب طارق الجوفي: "جربوا مقاطعة البترول وكل سلعة ارتفع سعرها"، وقال فهد محمد :" فقط لمدة 3 أيام لا تستخدموا المواصلات، على أصحاب الأجرة التوقف التام عن العمل مدة ثلاثة أيام، سوف ترون الخسائر الفادحة لجشع التجار".
وأوضح ماجد عبد الله أن المواطن هو السبب الرئيسي في تشجيع ودعم تجار الأسواق السوداء، وقال على صفحته بموقع التواصل فيسبوك: "عزيزي المواطن لو تركنا اسبوعا واحدا الطوابير في المحطات وقمنا بقضاء جميع مشاويرنا الخاصة عبر ركوب سيارات وباصات الأجرة، ستكون سببا في خفض الأسعار وإنهاء السوق السوداء للوقود".
وفي السياق، يقاطع يمنيون منتجات البيض والسمك المنتجة محلياً، بعد حملة غير مسبوقة على غلاء الأسعار أطلقها نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ منتصف يوليو الماضي، بهدف الضغط على التجار لتخفيض الأسعار.
وارتفع سعر البيض من 30 ريالاً إلى 50 ريالاً، ويرجع التجار ارتفاع الأسعار إلى قلة الإنتاج مقابل زيادة الطلب، بالإضافة إلى زيادة الضريبة المفروضة على مزارع الدواجن من قبل الحوثيين، بينما ارتفعت أسعار الأسماك بشكل قياسي، وقفز سعر الكيلو من أسماك الثمد إلى 5 آلاف ريال (13 دولاراً)، نتيجة قلة المعروض والإجراءات الأمنية لقوات التحالف التي حرمت آلاف الصيادين من نزول البحر.
وبدأت حملة مقاطعة البيض من بلدة غيل باوزير، في محافظة حضرموت (جنوب شرق البلاد). وأكد سكان محليون لـ"العربي الجديد" أن الحملة هناك انتقلت من مواقع التواصل إلى الميدان، حيث نفّذ نشطاء نزولاً ميدانياً على الأحياء السكنية للتوعية بأهمية المقاطعة.
وفي عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، حيث مقر الحكومة، أعلن ائتلاف أبناء عدن للإغاثة والتنمية عن تبنّي حملة مقاطعة البيض والسمك. وقال الائتلاف في بيان "إذا لم يتراجع التجار ويخفضوا الأسعار سنمدد فترة المقاطعة والعزوف عن شراء البيض والصيد".
يوسف سعيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، أوضح أن المنتجات قليلة المرونة مثل الأسماك والبيض والسلع الغذائية الأخرى من الصعوبة بمكان أن تحرز عملية المقاطعة نجاحاً فيها مهما كان مستوى التنظيم مقارنة بالمنتجات الكمالية ذات الطبيعة المرنة.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد" إن "مقاطعة السلع والامتناع عن شرائها، سواء كان لأسباب سياسية أو دينية أو بسبب أسعارها المرتفعة تحتاج في أي بلد كان إلى توفر مستوى عال من الثقافة والوعي لدى الناس، وفي بلادنا هذا الشرط غير متوفر".
وتابع سعيد: "في بلادنا كان يمكن للناس مقاطعة شراء القات وهي سلعة غير ضرورية ترتبط بالكيف وتباع بأسعار باهظة جدا، ومع ذلك الناس يشترونها يوميا على حساب قوتهم الضروري، هذا المثال أوردته كي أثبت أن المقاطعة الاقتصادية للسلع في اليمن، سواء المنتجة أو المستوردة، لا نتوفر لها عوامل النجاح".
وأوضح سعيد أنه لا يمكن كبح جماح ارتفاع الأسعار لمنتجات معينة من خلال المقاطعة، مثلاً الأسماك في ارتفاع في السوق المحلية، والتي يعود ارتفاع أسعارها إلى عوامل وأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بارتفاع مدخلات الصيد "ارتفاع أسعار النفط"، خاصة أن معظم قوارب الصيد تستخدم النفط في تشغيل محركاتها، وأن ارتفاع أسعار البيض له علاقة بارتفاع تكلفة استيراد غذاء الدواجن.
وأوضح تقرير اقتصادي يمنيّ صادر في نهاية أكتوبر استمرار صعود أسعار السلع الأساسية في اليمن على الرغم من التحسن الطفيف في قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبي، وأوضح تقرير "مؤشرات الاقتصاد اليمني 2018" عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن متوسط ارتفاع أسعار السلع الأساسية بلغ 12% في أكتوبر/ تشرين الأول مقارنة بسبتمبر/أيلول.
وانكمش الاقتصاد اليمني إلى النصف، وتدهور بشكل حاد على مدى 3 سنوات ونصف السنة منذ اندلاع الحرب، في ظل تقلص إنتاج النفط وتصاعد التضخم والانهيار شبه الكامل للعملة الوطنية، الريال، وفقا لتقرير صدر في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن البنك الدولي.