تحوّلت أزمة تأخر الرواتب في اليمن إلى قنبلة موقوتة أمام مليشيات الحوثيين، إذ اتجهت العديد من القطاعات إلى الإضرابات وتصعيد الاحتجاجات بهدف الضغط من أجل صرفها.
وتوقفت الرواتب في اليمن منذ سبتمبر/أيلول الماضي، في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، ما أدى إلى تفاقم الأزمات المعيشية وقيام آلاف الموظفين ببيع أثاث منازلهم لشراء الغذاء.
وبدأت نقابة هيئات التدريس بجامعة صنعاء وتسع جامعات حكومية يمنية، الأحد الماضي، برنامجها الاحتجاجي بتعليق الشارات الحمراء احتجاجاً على تأخر صرف الرواتب، وبالتزامن مع ذلك بدأ موظفو مؤسسة الثورة للصحافة إضراباً عن العمل مع تنفيذ اعتصام مفتوح.
وقالت نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، في بيان: "فعاليات الإضراب تنقسم إلى ثلاث مراحل بدءاً برفع الشارات الحمراء لمدة ثلاثة أيام، والإضراب الجزئي لمدة ساعتين يومياً وصولاً إلى الإضراب الشامل ابتداءً من السبت المقبل".
وأوضحت النقابة أن هذا الإضراب سيتم في أكبر تسع جامعات حكومية بالبلاد، على خلفية أزمة عدم صرف الرواتب منذ شهر سبتمبر/أيلول، مما يهدد بتوقف العملية التعليمية برمتها.
وأكدت النقابة، أن هذا الإضراب هو وسيلة حضارية ومشروعة لنيل حقوق المدرسين في الحياة، وفي لقمة العيش الكريم، وفي الأجر مقابل العمل. كما أنه ليس كما يحاول بعضهم تصويره على أنه تعطيل للعملية التعليمية، بل هو أداة فعالة للضغط من أجل صرف الرواتب والحيلولة دون توقفها الاضطراري الناجم عن استمرار الأزمة المالية.
ولم يتسلم أساتذة الجامعات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم منذ 4 أشهر، رغم أنها الأدنى في سلم الأجور على مستوى المنطقة العربية.
ونفذ أساتذة جامعة صنعاء الحكومية، وهي أكبر جامعة يمنية، منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجات مستمرة على تأخر صرف الرواتب وعلّقوا الشارات الحمراء مع استمرارهم في التدريس.
ويعاني اليمن من أزمة سيولة نقدية منذ يونيو/حزيران الماضي، على خلفية التراجع الحاد للإيرادات العامة، أدّت إلى أزمة رواتب وإضراب شامل، شل معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويبلغ راتب الأستاذ الجامعي في اليمن 200 ألف ريال (800 دولار) شهرياً يزيد بحسب سنوات الخدمة، ويعد الأدنى في سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس على مستوى الجامعات العربية.
واضطر أساتذة إلى بيع القات (نبتة مخدرة تعطي شعوراً بالنشاط) والانضمام إلى طابور الباعة الجائلين في محاولة لمواجهة الأوضاع المعيشية المتدهورة.
احتجاجات واسعة
إلى ذلك بدأ صحفيو وموظفو مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، وهي أكبر مؤسسة صحافية حكومية في اليمن، اعتصاماً مفتوحاً في مبنى المؤسسة احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم ومستحقاتهم منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
وقال بيان لموظفي المؤسسة: "نظراً لتأخر صرف الرواتب وللحال الذي وصلنا إليه من حالة مأساوية ووضع مزرٍ وفساد مالي وإداري ومهني وإقصاء الإداريين والفنيين والصحافيين فإننا ندعو الجميع للاحتشاد، هذا الأسبوع، وبدء اعتصام مفتوح ومناقشة تنفيذ الإضراب العام لتنفيذ مطالبنا".
اقــرأ أيضاً
وواجهت جماعة الحوثيين اعتصام الصحافيين بالقمع واستخدام الحلول الأمنية، وهدّدت المعتصمين بالسجن واتهمتهم بمحاربة الوطن وأنهم يقفون في صف أعدائه.
وقالت نقابة الصحافيين اليمنيين، السبت الماضي، إنها تلقت بلاغاً من الزملاء الصحافيين في صحيفة الثورة يفيد أن أسامة ساري المكلف من الحوثيين القيامَ بأعمال نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة لشؤون الصحافة قام ومعه عدد من المرافقين المسلحين باقتحام مكاتب ثلاثة من صحافيي مؤسسة الثورة وإخراج محتوياتها والعبث فيها.
وأدانت النقابة هذه التصرفات والأفعال غير المسؤولة، وطالبت بإيقاف هذه الممارسات والسلوكيات والسياسات التي تتعدی علی المهنة وتنتقص من أخلاقيات العمل الصحافي والتي تشهدها مؤسسة الثورة منذ اقتحام الحوثيين لها والسيطرة عليها بقوة السلاح أواخر العام 2014.
ومن المتوقع أن تنضم مؤسسات حكومية جديدة لانتفاضة شاملة في مناطق الحوثيين على خلفية تأخر الرواتب للشهر الرابع على التوالي.
وتحاول جماعة الحوثيين قمع أي بوادر انتفاضة للموظفين من خلال إلقاء اتهامات التخوين وتقول إن على الموظفين الصبر وإن أيّ احتجاجات تشق الصف الوطني وتخدم الأعداء.
وسلمت سلطات الحوثيين نصف راتب شهر سبتمبر/أيلول، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصدرت وزارة المالية الموالية للجماعة تعميماً يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بصرف النصف الثاني لراتب سبتمبر/أيلول، في خطوة اعتبرتها نقابات موظفي مؤسسات الدولة بائسة ومجرد رشوة تسعى لتهدئة الغضب الشعبي وثورة الموظفين.
أين المرتبات؟
الموظف الحكومي، عبد القادر سعد، لم يفقد الأمل، وكل يوم يكتب في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، متسائلاً أين ذهبت الرواتب وكيف يعيش الموظفون في غيابها؟
وسعد واحد من نحو 1.1 مليون موظف يمني تحولت حياتهم الى معاناة ويصارعون الجوع نتيجة تأخر الرواتب، واضطر لبيع أثاث منزله لتأمين القوت الضروري لأسرته.
وقال سعد لـ "العربي الجديد": "منذ 4 أشهر لم أستلم راتبي، وأصبحت مهدّداً بالطرد من البيت بسبب عدم دفع الإيجار... ونحن نستقبل العام الجديد بلا رواتب".
وأضاف: "قررت بيع جزء من أثاث منزلي واضطررت للاقتراض لأتمكن من شراء المواد الغذائية وتسديد جزء من الديون المتراكمة، ورغم ذلك ما زالت مديوناً للمؤجر ومحل البقالة".
كان راتب سعد 80 ألف ريال (الدولار = 250 ريالاً) خلال عام 2014، ومنذ بداية الحرب مارس/آذار 2015، قامت سلطات الحوثيين التي تسيطر على مؤسسات الدولة، بإلغاء الحوافز والمكافئات ليصبح راتبه 60 ألف ريال، ومطلع 2016 قررت السلطات نفسها إلغاء الحوافز الإضافية لموظفي الدولة وتسليم الراتب الأساسي فقط 40 ألف ريال، قبل أن تتوقف الرواتب منذ سبتمبر/أيلول.
وأوضح سعد أن راتبه كان يكفي لتغطية الالتزامات الأساسية قبل الحرب، قبل أن تتغير حياته للأسوأ منذ بدايتها جراء قرار سلطات الحوثيين إلغاء المستحقات والحوافز الإضافية.
وقال سعد: "اضطررت إلى الانتقال إلى مسكن متواضع بإيجار أرخص وحولت أطفالي من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية، وأنفقت مدخراتي لشراء ألواح لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لأن الكهرباء العمومية توقفت بشكل تام، وفيما انخفضت الرواتب ارتفعت كلفة المياه التي اشتريها من الصهاريج".
اقــرأ أيضاً
ويهدّد تأخر الرواتب بتوقف تام للخدمات كما ينذر بمجاعة في البلد الفقير الذي يعاني من ويلات الحرب المستمرة منذ حوالي عام ونصف عام بين الحكومة الشرعية المدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية ومليشيات الحوثيين الموالين لإيران.
وليس الموظف الحكومي، محمد سالم، بأفضل حالاً، فلقد دفعه تأخر الرواتب إلى صراع مع الجوع، الذي قال لـ"العربي الجديد": "مع تأخر الرواتب لم أعد استطيع تدبير أمور حياتي ومصاريف عائلتي واضطررت لحمل غرفة النوم خلسة في الليل وبعتها في سوق للأثاث المستعمل وبربع الثمن من أجل شراء خبز ومواد غذائية".
وأوضح سالم أنه مع مضي 4 أشهر على تأخر الرواتب كان قد باع جميع الأجهزة الإلكترونية في منزله بما في ذلك الغسالة.
تأخر الرواتب غير حياة الموظفين وأعمالهم، وأصبح يحيى الربيعي، وهو مدير تحرير مجلة يمنية في أكبر مؤسسة صحافية حكومية، يعمل كبائع متجول لبيع البوظة في شوارعِ صنعاء، وتحول أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء، جميل عون، للعمل كعامل في أحد معامل الطوب، وهؤلاء محظوظون لأن الآلاف من الموظفين غيرهم حاولوا البحث عن مهن ولم يجدوا.
وضع كارثي
واعتبر الخبير الاقتصادي، أحمد شماخ، أن الوضع الإنساني باليمن أصبح كارثياً في ظل استمرار الحرب وتبعاتها ومن ضمنها تأخر الرواتب.
وقال شماخ لـ "العربي الجديد": "تأخر الرواتب إحدى تبعات الحرب التي تسببت في توقف الأعمال وتصدير النفط الذي يمثل 75% من الموازنة العامة، ثم جاءت أزمة السيولة النقدية التي فاقمت أزمات الاقتصاد وأدت إلى عجز البنك المركزي عن دفع الرواتب".
وأوضح شماخ، أن الحرب نقلت اليمنيين من مرحلة البطالة إلى مرحلة الفقر والجوع.
وأضاف: "نفد ما كان لدى الناس من مدخرات نقدية وباعوا ما كانوا يمتلكون من أصول وأثاث، ولا شك فإن الأيام القادمة ستكون الأصعب على الناس والوضع الاقتصادي".
وتوقع المجلس النرويجي للاجئين، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن يعاني ملايين اليمنيين من الجوع خلال عام 2017 إذا لم يتم إنهاء النزاع، مؤكداً أن عام 2016 شهد دماراً واسع النطاق وتدهوراً شاملاً للظروف المعيشية، وارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 20% عما كانت عليه قبل انقلاب الحوثيين على الشرعية.
وقال المجلس، في بيان، إن التوقعات لعام 2017 تشير إلى أنه إذا بقي الوضع على حاله، ستزداد حالات الجوع أكثر من الضعف وسيعاني 2.5 مليون شخص آخر من نقص في التغذية والحرمان من الطعام الكافي.
وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند: "ما لم يتم إنهاء النزاع وعكس الأزمة الاقتصادية المتجذرة، فسيشهد العام الجديد أمة بأكملها تنزلق نحو حفرة سوداء مليئة باليأس. وإن الأرقام الناتجة عن عام 2016 مروعة، وهناك خطر يتمثل في حدوث مجاعة في اليمن إذا استمر الوضع في التدهور خلال عام 2017. بالتالي علينا أن نضع حداً لهذه الكارثة التي هي من صنع الإنسان".
وتفاقمت أزمة السيولة النقدية بشكل كبير خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ اضطرت البنوك التجارية إلى إبلاغ عملائها بعدم توفر السيولة وحددت السحب من رصيد العميل بمبلغ 100 ألف ريال (400 دولار) للأسبوع.
وانعكس تردي الوضع الاقتصادي على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية الهشة أصلاً التي تزداد سوءًا كل يوم، فحوالي 18.5 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
ووفقاً لتقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لعام 2016، يصنف اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دول في العالم.
اقــرأ أيضاً
وبدأت نقابة هيئات التدريس بجامعة صنعاء وتسع جامعات حكومية يمنية، الأحد الماضي، برنامجها الاحتجاجي بتعليق الشارات الحمراء احتجاجاً على تأخر صرف الرواتب، وبالتزامن مع ذلك بدأ موظفو مؤسسة الثورة للصحافة إضراباً عن العمل مع تنفيذ اعتصام مفتوح.
وقالت نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، في بيان: "فعاليات الإضراب تنقسم إلى ثلاث مراحل بدءاً برفع الشارات الحمراء لمدة ثلاثة أيام، والإضراب الجزئي لمدة ساعتين يومياً وصولاً إلى الإضراب الشامل ابتداءً من السبت المقبل".
وأوضحت النقابة أن هذا الإضراب سيتم في أكبر تسع جامعات حكومية بالبلاد، على خلفية أزمة عدم صرف الرواتب منذ شهر سبتمبر/أيلول، مما يهدد بتوقف العملية التعليمية برمتها.
وأكدت النقابة، أن هذا الإضراب هو وسيلة حضارية ومشروعة لنيل حقوق المدرسين في الحياة، وفي لقمة العيش الكريم، وفي الأجر مقابل العمل. كما أنه ليس كما يحاول بعضهم تصويره على أنه تعطيل للعملية التعليمية، بل هو أداة فعالة للضغط من أجل صرف الرواتب والحيلولة دون توقفها الاضطراري الناجم عن استمرار الأزمة المالية.
ولم يتسلم أساتذة الجامعات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم منذ 4 أشهر، رغم أنها الأدنى في سلم الأجور على مستوى المنطقة العربية.
ونفذ أساتذة جامعة صنعاء الحكومية، وهي أكبر جامعة يمنية، منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجات مستمرة على تأخر صرف الرواتب وعلّقوا الشارات الحمراء مع استمرارهم في التدريس.
ويعاني اليمن من أزمة سيولة نقدية منذ يونيو/حزيران الماضي، على خلفية التراجع الحاد للإيرادات العامة، أدّت إلى أزمة رواتب وإضراب شامل، شل معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويبلغ راتب الأستاذ الجامعي في اليمن 200 ألف ريال (800 دولار) شهرياً يزيد بحسب سنوات الخدمة، ويعد الأدنى في سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس على مستوى الجامعات العربية.
واضطر أساتذة إلى بيع القات (نبتة مخدرة تعطي شعوراً بالنشاط) والانضمام إلى طابور الباعة الجائلين في محاولة لمواجهة الأوضاع المعيشية المتدهورة.
احتجاجات واسعة
إلى ذلك بدأ صحفيو وموظفو مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، وهي أكبر مؤسسة صحافية حكومية في اليمن، اعتصاماً مفتوحاً في مبنى المؤسسة احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم ومستحقاتهم منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
وقال بيان لموظفي المؤسسة: "نظراً لتأخر صرف الرواتب وللحال الذي وصلنا إليه من حالة مأساوية ووضع مزرٍ وفساد مالي وإداري ومهني وإقصاء الإداريين والفنيين والصحافيين فإننا ندعو الجميع للاحتشاد، هذا الأسبوع، وبدء اعتصام مفتوح ومناقشة تنفيذ الإضراب العام لتنفيذ مطالبنا".
وواجهت جماعة الحوثيين اعتصام الصحافيين بالقمع واستخدام الحلول الأمنية، وهدّدت المعتصمين بالسجن واتهمتهم بمحاربة الوطن وأنهم يقفون في صف أعدائه.
وقالت نقابة الصحافيين اليمنيين، السبت الماضي، إنها تلقت بلاغاً من الزملاء الصحافيين في صحيفة الثورة يفيد أن أسامة ساري المكلف من الحوثيين القيامَ بأعمال نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة لشؤون الصحافة قام ومعه عدد من المرافقين المسلحين باقتحام مكاتب ثلاثة من صحافيي مؤسسة الثورة وإخراج محتوياتها والعبث فيها.
وأدانت النقابة هذه التصرفات والأفعال غير المسؤولة، وطالبت بإيقاف هذه الممارسات والسلوكيات والسياسات التي تتعدی علی المهنة وتنتقص من أخلاقيات العمل الصحافي والتي تشهدها مؤسسة الثورة منذ اقتحام الحوثيين لها والسيطرة عليها بقوة السلاح أواخر العام 2014.
ومن المتوقع أن تنضم مؤسسات حكومية جديدة لانتفاضة شاملة في مناطق الحوثيين على خلفية تأخر الرواتب للشهر الرابع على التوالي.
وتحاول جماعة الحوثيين قمع أي بوادر انتفاضة للموظفين من خلال إلقاء اتهامات التخوين وتقول إن على الموظفين الصبر وإن أيّ احتجاجات تشق الصف الوطني وتخدم الأعداء.
وسلمت سلطات الحوثيين نصف راتب شهر سبتمبر/أيلول، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصدرت وزارة المالية الموالية للجماعة تعميماً يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بصرف النصف الثاني لراتب سبتمبر/أيلول، في خطوة اعتبرتها نقابات موظفي مؤسسات الدولة بائسة ومجرد رشوة تسعى لتهدئة الغضب الشعبي وثورة الموظفين.
أين المرتبات؟
الموظف الحكومي، عبد القادر سعد، لم يفقد الأمل، وكل يوم يكتب في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، متسائلاً أين ذهبت الرواتب وكيف يعيش الموظفون في غيابها؟
وسعد واحد من نحو 1.1 مليون موظف يمني تحولت حياتهم الى معاناة ويصارعون الجوع نتيجة تأخر الرواتب، واضطر لبيع أثاث منزله لتأمين القوت الضروري لأسرته.
وقال سعد لـ "العربي الجديد": "منذ 4 أشهر لم أستلم راتبي، وأصبحت مهدّداً بالطرد من البيت بسبب عدم دفع الإيجار... ونحن نستقبل العام الجديد بلا رواتب".
وأضاف: "قررت بيع جزء من أثاث منزلي واضطررت للاقتراض لأتمكن من شراء المواد الغذائية وتسديد جزء من الديون المتراكمة، ورغم ذلك ما زالت مديوناً للمؤجر ومحل البقالة".
كان راتب سعد 80 ألف ريال (الدولار = 250 ريالاً) خلال عام 2014، ومنذ بداية الحرب مارس/آذار 2015، قامت سلطات الحوثيين التي تسيطر على مؤسسات الدولة، بإلغاء الحوافز والمكافئات ليصبح راتبه 60 ألف ريال، ومطلع 2016 قررت السلطات نفسها إلغاء الحوافز الإضافية لموظفي الدولة وتسليم الراتب الأساسي فقط 40 ألف ريال، قبل أن تتوقف الرواتب منذ سبتمبر/أيلول.
وأوضح سعد أن راتبه كان يكفي لتغطية الالتزامات الأساسية قبل الحرب، قبل أن تتغير حياته للأسوأ منذ بدايتها جراء قرار سلطات الحوثيين إلغاء المستحقات والحوافز الإضافية.
وقال سعد: "اضطررت إلى الانتقال إلى مسكن متواضع بإيجار أرخص وحولت أطفالي من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية، وأنفقت مدخراتي لشراء ألواح لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لأن الكهرباء العمومية توقفت بشكل تام، وفيما انخفضت الرواتب ارتفعت كلفة المياه التي اشتريها من الصهاريج".
ويهدّد تأخر الرواتب بتوقف تام للخدمات كما ينذر بمجاعة في البلد الفقير الذي يعاني من ويلات الحرب المستمرة منذ حوالي عام ونصف عام بين الحكومة الشرعية المدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية ومليشيات الحوثيين الموالين لإيران.
وليس الموظف الحكومي، محمد سالم، بأفضل حالاً، فلقد دفعه تأخر الرواتب إلى صراع مع الجوع، الذي قال لـ"العربي الجديد": "مع تأخر الرواتب لم أعد استطيع تدبير أمور حياتي ومصاريف عائلتي واضطررت لحمل غرفة النوم خلسة في الليل وبعتها في سوق للأثاث المستعمل وبربع الثمن من أجل شراء خبز ومواد غذائية".
وأوضح سالم أنه مع مضي 4 أشهر على تأخر الرواتب كان قد باع جميع الأجهزة الإلكترونية في منزله بما في ذلك الغسالة.
تأخر الرواتب غير حياة الموظفين وأعمالهم، وأصبح يحيى الربيعي، وهو مدير تحرير مجلة يمنية في أكبر مؤسسة صحافية حكومية، يعمل كبائع متجول لبيع البوظة في شوارعِ صنعاء، وتحول أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء، جميل عون، للعمل كعامل في أحد معامل الطوب، وهؤلاء محظوظون لأن الآلاف من الموظفين غيرهم حاولوا البحث عن مهن ولم يجدوا.
وضع كارثي
واعتبر الخبير الاقتصادي، أحمد شماخ، أن الوضع الإنساني باليمن أصبح كارثياً في ظل استمرار الحرب وتبعاتها ومن ضمنها تأخر الرواتب.
وقال شماخ لـ "العربي الجديد": "تأخر الرواتب إحدى تبعات الحرب التي تسببت في توقف الأعمال وتصدير النفط الذي يمثل 75% من الموازنة العامة، ثم جاءت أزمة السيولة النقدية التي فاقمت أزمات الاقتصاد وأدت إلى عجز البنك المركزي عن دفع الرواتب".
وأوضح شماخ، أن الحرب نقلت اليمنيين من مرحلة البطالة إلى مرحلة الفقر والجوع.
وأضاف: "نفد ما كان لدى الناس من مدخرات نقدية وباعوا ما كانوا يمتلكون من أصول وأثاث، ولا شك فإن الأيام القادمة ستكون الأصعب على الناس والوضع الاقتصادي".
وتوقع المجلس النرويجي للاجئين، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن يعاني ملايين اليمنيين من الجوع خلال عام 2017 إذا لم يتم إنهاء النزاع، مؤكداً أن عام 2016 شهد دماراً واسع النطاق وتدهوراً شاملاً للظروف المعيشية، وارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 20% عما كانت عليه قبل انقلاب الحوثيين على الشرعية.
وقال المجلس، في بيان، إن التوقعات لعام 2017 تشير إلى أنه إذا بقي الوضع على حاله، ستزداد حالات الجوع أكثر من الضعف وسيعاني 2.5 مليون شخص آخر من نقص في التغذية والحرمان من الطعام الكافي.
وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند: "ما لم يتم إنهاء النزاع وعكس الأزمة الاقتصادية المتجذرة، فسيشهد العام الجديد أمة بأكملها تنزلق نحو حفرة سوداء مليئة باليأس. وإن الأرقام الناتجة عن عام 2016 مروعة، وهناك خطر يتمثل في حدوث مجاعة في اليمن إذا استمر الوضع في التدهور خلال عام 2017. بالتالي علينا أن نضع حداً لهذه الكارثة التي هي من صنع الإنسان".
وتفاقمت أزمة السيولة النقدية بشكل كبير خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ اضطرت البنوك التجارية إلى إبلاغ عملائها بعدم توفر السيولة وحددت السحب من رصيد العميل بمبلغ 100 ألف ريال (400 دولار) للأسبوع.
وانعكس تردي الوضع الاقتصادي على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية الهشة أصلاً التي تزداد سوءًا كل يوم، فحوالي 18.5 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
ووفقاً لتقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لعام 2016، يصنف اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دول في العالم.