في الوقت الذي يتواصل فيه تدهور الأوضاع الإنسانية، بعد أكثر من عامين على تصاعد الحرب في اليمن، برزت الخلافات الداخلية في تحالفات عدة، خصوصاً لدى الانقلابيين، كما أن الأمر لا يخلو من تباينات وخلافات في مناطق سيطرة الشرعية. ويُنظر إلى هذه التطورات بأنها "عامل من الممكن أن يدفع الأطراف لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، كما أنها مؤشر على أن التحالفات قد لا تصمد لمراحل مقبلة".
وشهد اليمن منذ مطلع العام الحالي جملة تطورات عكست هشاشة خارطة التحالفات السياسية والعسكرية الحالية في البلاد، فعلى صعيد تحالف الانقلاب ممثلاً بجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحليفها حزب المؤتمر، برئاسة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كشفت مصادر مطلعة في العاصمة اليمنية صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن "علاقات الطرفين، تدهورت إلى حد كبير، منذ دخول الطرفين بحكومة انقلابية، أعلنا عن تشكيلها بالمناصفة بينهما في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن وقع الإداريون والمسؤولون المحسوبون على الطرفين،
باختلافات مباشرة حول تسيير الأمور بما تبقى من المؤسسات الحكومية والوزارات، والتي يسيطرون عليها في العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرتهم".
ووصلت الخلافات بين الطرفين منذ أيام مرحلة غير مسبوقة، بعد رفض الحوثيين قرارات بتعيينات أصدرها وزراء محسوبون على حزب صالح، واحتلوا بعض وزارات بالمسلحين لمنع تنفيذ تلك القرارات. ثم أصدر الحوثيون، عبر رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، والذي يمثل واجهة سلطة الانقلابيين (الرئاسة)، صالح الصماد، توجيهاً إلى رئيس الوزراء في الحكومة الانقلابية عبدالعزيز بن حبتور، تضمن تجميد التعيينات والتكليفات التي أصدرها رئيس الحكومة والوزراء، بما يعني تقييد الحكومة الضعيفة أصلاً، بسبب الحرب والحصار المفروض على مناطق سيطرة الانقلابيين، وعدم حصولها على اعتراف دولي.
وأفادت مصادر سياسية مقربة من الشريكين لـ"العربي الجديد"، أن "العمليات العسكرية التي تستهدف كلا الطرفين، هي تقريباً أبرز ما يدفع تحالفهما إلى الصمود، لكن هذا التحالف، بات مهدداً، في ظل أي ظروف متغيرة، خصوصاً أنه لم يعد تحالفاً لجلب مصالح لأي الطرفين، بقدر ما هو لمواجهة خصوم مشتركين".
من جهة الشرعية، مع أن الخلافات أقل حدة، إلا أنها تكشف نفسها بين والآخر، ففي عدن عادت أزمة مرتبات أفراد الشرطة المجندين منذ أيام، ونتج عنها تبادل محدود لإطلاق النار، في محيط إدارة أمن عدن، وذلك على خلفية رفض لجنة حكومية مختص، صرف المرتبات لمجندين، كانوا محل خلاف بين مدير الأمن في عدن شلال علي شائع، ووزير الداخلية حسين عرب.
وبالتزامن استضافت العاصمة السعودية الرياض، منذ أيام، اجتماعات مغلقة ضمت عدداً من القيادات الأمنية في عدن ومحافظتي أبين ولحج المحيطة عدن، بحضور وزير الداخلية. وسعت الرياض إلى إنجاز اتفاق بين القيادات على ترتيبات أمنية من شأنها منع تكرار أزمة حماية مطار عدن الدولي، والتي تسببت بإغلاقه لأيام الشهر الماضي. كذلك غادر الرئيس عبدربه منصور هادي، عدن متجهاً إلى السعودية، على إثر هذه أزمة رفض قائد حماية المطار، المدعوم من الإمارات، توجيهات رئاسية بتسليمه إلى قوة جديدة من الحماية الرئاسية.
من جهة أخرى، برز الانقسام في أوساط الشرعية، بين مأرب وعدن، فالأخيرة هي "العاصمة المؤقتة" للشرعية، وفيها رئيس الوزراء وأغلب الوزراء، أما مأرب، وسط اليمن، فإنها مركز للقيادات الشمالية في صف الشرعية، سواء عسكرية أو اجتماعية أو سياسية. وعلى ضوء الخلافات الداخلية التي أضعفت صفوف الانقلاب، وعكست تعدداً في المراكز والأولويات في مناطق سيطرة الشرعية، توقع متابعون أن تكون الخلافات عاملاً يدعم أي جولة مفاوضات سياسية مقبلة بين الأطراف، مع تسريبات عن وجود نسخة معدلة من الخطة الأممية المقترحة للسلام، دفعت المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الموجود حالياً في السعودية، لإجراء لقاءات مكثفة للتشاور حولها.
من جهة أخرى، عبّرت هذه الاختلافات عن هشاشة التحالفات أو الاصطفافات السياسية خلال الحرب، بما يعزز احتمال تحولها في أقرب منعطف سياسي، من شأنه نقل الأطراف من البحث عن انتصارات عسكرية ميدانية، إلى معطيات مختلفة بحثاً عن مواقع بأي معادلة مستقبلية. إلى ذلك، عُدّ الوضع الإنساني المتدهور، من أبرز عوامل إثارة الاحتقان الشعبي ضد الأطراف المسؤولية عنه، خصوصاً في أوساط شريكي الانقلاب، بسبب مواجهتهما سخطاً متزايداً في مناطق سيطرتهما، وعجز الجهات الحكومية عن دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين، والذين أصبح بعضهم على حافة المجاعة.