اليمن ... شر البلية ما يحكم

28 يوليو 2020
مصير نحو 30 مليون يمني مرهون بأطراف انتهازية (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

لا يقتصر أثر إطالة أمد الحرب في اليمن على سقوط عشرات المدنيين بشكل شبه يومي، أو دفع الملايين نحو هاوية مجاعة محتملة، لكنه يكشف أيضاً حقيقة أطراف النزاع الداخلية، كتجار حرب يتجهون نحو الإفلاس الأخلاقي.
يستميت أطراف النزاع اليمني في محاولة إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، ففرص السلام الشحيحة لا يتم التقاطها، بل اغتيالها بشكل متعمد، والمعاناة الإنسانية التي تتفاقم على الأرض، شمالاً وجنوباً وشرقاً، لا وجود لها في قائمة اهتمامات هؤلاء.
مثلاً، تشهد صنعاء أزمة إنسانية مركّبة، بانعدام الوقود وشلل غالب الخدمات، وانهيار النظام الصحي وانقطاع مرتبات موظفي الدولة منذ سنوات، فيما جماعة الحوثيين، التي تسيطر على العاصمة وباقي المناطق الأكثر كثافة سكانية في الشمال اليمني، تتغاضى عن كل ذلك، ولا يكاد شريط وسائلها الرسمية يخلو يومياً من التنديد بـ"العربدة الأميركية بالمنطقة ومشاريع إسرائيل التدميرية".
تعلن الأمم المتحدة أن وباء كورونا سيدفع بنحو 3 ملايين يمني إلى حافة المجاعة خلال العام الحالي، ويأتي الرد من قبل المكتب السياسي للحوثيين وسلطات صنعاء الحاكمة، على شكل تضامن مع نظام بشار الأسد ضد "العربدة الأميركية والتمادي المستمر في انتهاك السيادة السورية".
تتزايد حسرات آلاف الأسر الحوثية كلما يدهمهم عيد وذووهم خلف قضبان الخصوم. وبدلاً من الدفع بتنفيذ اتفاق شامل لتبادل المحتجزين، يظهر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي ليعلن مبادرة يبدي فيها استعدادهم لإطلاق سراح طيار سعودي وعدد من الضباط مقابل إفراج الرياض عن معتقلين من حركة "حماس" في المملكة.
في الضفة المقابلة، طرد الانفصاليون المدعومون إماراتياً في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الحكومة المعترف بها دولياً من العاصمة المؤقتة عدن، وسيطروا على موارد الدولة ومؤسساتها وأسلحة الجيش. وفوق هذا أعادوها من مطار الرياض، عندما أعلنت أنها ستعود إلى عدن للقيام بمهام خدمية فقط ورفع مخلفات فيضانات إبريل/نيسان الماضي. لكن "الشرعية"، عندما تنطق، تعلن وقوفها مع مصر في أزمة سد النهضة وأمنها القومي، وتؤكد وقوفها مع وحدة الصين، وكأنها دولة عظمى تحكم سلسلة من البلدان والجزر، وليست مجرد حقائب مركونة في فندق. لم تعد الحكومة اليمنية تملك سلطة حتى على نائب محافظ البنك المركزي الذي يحرم آلاف الجنود من مرتباتهم طيلة 6 أشهر، ولا على موانئها التي تعجز عن إرسال حاويات أموال مطبوعة إليها، فيتم مصادرتها وكأنها تابعة لمنظمة إرهابية وليس لحكومة معترف بها.
ثالث الأطراف الطارئة، والأكثر استفادة من الحرب، هو "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي فاقم معاناة سكان مدن الجنوب بإعلان "الإدارة الذاتية" وتنفيذ سلسلة تمردات، ليعجز بعدها عن تقديم الخدمات للسكان، ابتداء من الكهرباء والمياه. حين يفكر المجلس في المطالبة بحقوق، لا يجيد سوى لغة السلاح والاقتحامات والسطو على أموال البنك المركزي، وعندما يقرر تنفيذ تظاهرات مدنية، كما حصل في حضرموت والمهرة، يعلن في بياناتها الختامية "وقوفه وكافة الجنوب صفاً واحداً خلف المشروع العربي، بقيادة السعودية، للنهوض بالأمم العربية وحماية الأمن القومي العربي"، على الرغم من أن عدن، أو مديرية التواهي على وجه التحديد التي يقع بإطارها مقره الرئيسي، في أمسّ الحاجة للوقوف خلفها والنهوض بخدماتها المتردية.
إذاً، شر البلية "ما يحكم" وليس ما يضحك. و يا لسخرية الأقدار التي جعلت مصير نحو 30 مليون يمني مرهوناً بأطراف انتهازيين يتذكرونهم فقط للمتاجرة بمعاناتهم واستخدامها كورقة سياسية، من دون الاكتراث لحجم الكارثة الإنسانية التي تتوسع رقعتها يوماً بعد آخر على الأرض.

المساهمون