انعكس الانفلات الأمني وغياب الدولة في اليمن سلباً على السلوك المدني في تعز، التي تُعد حاملة المشروع الوطني ومدينة الثورة في اليمن. وتزايدت أعمال الاغتيالات والقتل وازدادت معدلات الجرائم بسبب تراجع الأجهزة الأمنية عن القيام بدورها، وهذا ما تسبّب في خلق العديد من الظواهر السلبية، من أبرزها ظاهرة السجون الخاصة التي انتشرت بشكل متزايد في المدينة والأرياف، فيما تغيب كل مظاهر وجود الدولة.
وانتشرت السجون الخاصة لدى شيوخ المناطق والقرى في معظم أرياف محافظة تعز، إذ يقوم مشايخ قبليون بدور القضاء وسجن المواطنين خارج إطار القانون في سجون مستحدثة خاصة بهم، مستغلين غياب المؤسسات القضائية من النيابات والمحاكم والأجهزة الأمنية. ويتعرض السجناء للعديد من الانتهاكات، كما أن عملية سجنهم تخالف القوانين والمواثيق والأعراف المحلية والدولية، ما يطرح العديد من التساؤلات عن ماهية الآثار المترتبة عن هذه الظاهرة واستمرارها وإمكانية القضاء عليها، ودور السلطة الشرعية في ذلك، وموقف المنظمات الدولية منها.
أحمد هو واحد من بين مئات اليمنيين الذين تم إيداعهم في سجون خاصة في محافظة تعز تابعة للمشايخ الذين استغلوا غياب الدولة لأخذ دورها، فهم يقومون بدور الأمن والقضاء في الوقت نفسه، معتمدين على القوة والنفوذ، ومستخدمين ذلك وسيلة من وسائل الاسترزاق، إذ لا يتم الإفراج عن المسجونين إلا بعد دفعهم مبالغ مالية يقوم المشايخ بتحصيلها.
وتنتشر السجون الخاصة أيضاً داخل مدينة تعز، وتتبع في الغالب لفصائل مسلحة موالية للشرعية. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر خاصة أن كتائب "حسم" التي يقودها الشيخ السلفي عدنان رزيق، والذي يشغل منصب رئيس عمليات محور تعز العسكري، لديها سجن خاص. كما أن كتائب القيادي السلفي في "المقاومة" الشيخ عادل عبده فارع (أبو العباس) لديها سجن في مدرسة مجمع هايل وسط المدينة. كذلك فإن حزب "التجمّع اليمني للإصلاح" (ممثل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن)، لديه سجن في مدرسة باكثير وسط المدينة، بالإضافة إلى وجود العديد من السجون السرية في بعض المدارس ومباني المكاتب التنفيذية والمؤسسات الواقعة تحت سيطرة هذه الفصائل المصنفة ضمن "المقاومة" الموالية للحكومة الشرعية.
وفي شهر رمضان الماضي، أمر وكيل المحافظة عارف جامل، بتشكيل لجنة خاصة لزيارة هذه السجون والاطلاع على أحوال السجناء ومعالجة أوضاعهم. وتكوّنت هذه اللجنة من رئيس محكمة شرق تعز القاضي لطف العزي، ورئيس نيابة استئناف تعز القاضي عبدالواحد منصور، ومدير عام مكتب حقوق الإنسان في محافظة تعز علي سرحان. ويكشف مصدر مقرب من اللجنة لـ"العربي الجديد"، أنها زارت عدداً من هذه السجون، فيما أبدت بعض الفصائل استعدادها لتسليم السجناء وملفاتهم إلى الدولة في حال تجهيزها سجوناً تابعة لها، بما في ذلك كتائب "حسم" و"أبو العباس" و"الإصلاح". ويشير المصدر إلى أن السجناء يعانون من أوضاع سيئة، وأن بعضهم محتجز لأكثر من عام بسبب مبالغ مالية زهيدة، بينما البعض الآخر محتجز بسبب تهم يغلب عليها الطابع السياسي، وبين السجناء أيضاً متهمون بجرائم قتل بالإضافة إلى تهم أخرى. ويؤكد المصدر وجود سجون تتحفظ بعض الجهات عن الإفصاح عنها.
ويرى مراقبون أن تزايد السجون الخاصة في تعز، جاء نتيجة الفراغ الذي خلقه غياب الأجهزة الأمنية والقضائية وغياب مؤسسات الدولة، ما جعل الفصائل المسلحة تستقوي بسلاحها لملء هذا الفراغ، وهو أمر يُمثّل انتكاسة كبيرة للحكومة الشرعية التي عجزت عن بسط سيطرتها بشكل مؤسساتي في المناطق المحررة، فيما يزيد هذا الفراغ الفجوة في العلاقة بين المواطن والدولة مع مرور الوقت أكثر.