بدون أي شك المباراة ضد دورتموند كانت تشكل الامتحان الحقيقي لماسيمليانو أليجري وفريقه هذا الموسم، وقبل المواجهة تحدث هذا وذاك وتم تحليل التحدي تكتيكياً وفنياً وتم تحديد نقاط القوة والضعف لدى الفريقين، لكن حقيقة الميدان غالباً ما تقلب الموازين وتكذب التكهنات، وهذا ما حدث بالفعل في ملعب اليوفي الذي بدأ المباراة بالتشكيلة المثالية لإيقاف ايقاع دورتموند العالي واقتناص فوز ثمين يسمح له بالانتقال الى إلمانيا بروح مختلفة.
ولكن خطأ جورجيو كيليني، أو بالأحرى سطحيته في التعامل مع كرة في غاية السهولة، الذي أثمر هدف التعادل بتوقيع رويس جعل مهمة فريق أليجري بعد هدف الاسبقية لتيفيز صعبة مثل تسلق جبل في وسط عاصفة ثلجية.
بعد انطلاقة إيجابية وهدف الأسبقية ومن ثم هدف التعادل الالماني اليوفي على أرضية الميدان ترك المبادرة للفريق الالماني لأكثر من 25 دقيقة بالرغم أن فريق كلوب لم يعط أي انطباع بأنه هو من أراد السيطرة إنما مفعول هدف رويس كان عميقاً على الصعيد النفسي والذهني، وهذا ما يقلق أكثر من اي شيء قبل مباراة العودة.
في اليوفنتوس استيديوم كان اليوفي يحارب مخاوفه و هواجسه و لم يجد ركائزه لكي يستغل نقاط ضعف بوروسيا جيد لا اكثر او اقل، فريق منظم و لكن بدون ذلك الإيقاع الذي سمح له باقتناص نهائي دوري الابطال قبل أشهر معدودة (الثلاثي مختاريان - ايموبيلي - اوباميانج لم يشكل اي خطورة تذكر على مرمى بوفون).
في حين دفاع الطوارئ المكون من كيرخ وجينتر وهوميلز وشميلزير (بعد خروج باباستاتوبولوس بداعي الإصابة) بدا هشاً وغير قادر على الصمود و لكن اليوفي لم يستغل هذا الشيء لأسباب عدة، اولاً انهيار مستوى فيدال (نسخة باهتة للاعب الذي كان يحسم المباريات لوحده)، و انعدام المساندة شبه كلياً من ايفرا (مجرد تمركز اكاديمي على الميدان) وخروج بيرلو حتماً لم يساعد فريق أليجري الذي فقد الابتكارية و الابداع في الوسط بعد إصابة لاعب ميلان السابق، و خصيصاً بسبب انعدام الكثافة الهجومية التي عودنا عليها فريق كونتي.
فأكثرية العمليات تأتي من وتنتهي بثلاثة عناصر فقط، تيفيز وموراتا (في تطور مستمر) وبوجبا بينما ليخشتاينير يعيش على تألق محدود قبل أن يغرق في بحر من السطحية والتوتر.
في هذه المباراة، الانطباع السائد هو أن كان اليوفي بمقدوره حسم المباراة لو كان اكثر جرأة ة اكثر شراسة و بحضور ذهني اكبر، فالفريق الالماني قام بالواجب لا اكثر او اقل، الاستعجال في اتخاذ القرار المناسب و تفكك الفريق في اللحظات الحاسمة و خصيصاً اهداء دورتموند 20 او 25 دقيقة من السيطرة في الوسط.
لم تثمر شيئاً ملموساً لكنها كسرت إيقاع المباراة، وغياب اكثر من ثلاثة أو اربعة عناصر عن اجواء المباراة واخيراً الأخطاء الدفاعية (هنا لا نعني فقط خطأ كييلي الفادح) تجعل الندم يكبر لأن في نهاية المطاف اليوفي كان يستحق فوزاً أعرض إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفرص التي اتيحت في الشوط الثاني خصيصاً عبر تيفيز و موراتا.
المؤشرات الايجابية لأليجري كثيرة وأولها استمرار فترة تألق ماركيزيو (ثمين تكتيكياً وبحضور ذهني مستمر ومتواصل) ومن ثم الثنائي تيفيز وموراتا وإمكانية الاعتماد على لاعب بديل مهم مثل بيريرا، وشوط ثاني أكثر من ايجابي (أثمر هدف موراتا وعلى الاقل 3 فرص لتسجيل الهدف الثالث) من ناحية الشخصية بعد الخوف الكبير والتشتت الذهني الذي عانى منه بسبب هدف التعادل.
قبل انطلاق المباراة العنوان، كان الإيقاع الألماني ضد فنيات وسط الميدان الايطالي، في نهاية المطاف غاب كلاهما عن الميدان، وعلى الصعيد التكتيكي المباراة تبعت سيناريو كلاسيكي بدون مفاجآت او ابتكارات او ثنائيات تذكر، بل على مستوى الشخصية و الالتحامات لُعبت المواجهة (سيناريو اكثر من مثالي لليوفي) و لكن للأسف لم يستغل فريق اليجري هذا المشهد ليحسم التأهل في تورينو (وهو شيء كان يستحقه) وها هو الآن مجبر على تحضير حسابات جديدة في ملعب "سيجنال ايدونا بارك".
بالتأكيد فرص اليوفي للتأهل تظل قائمة ولكن مباراة الذهاب كانت بمقدورها أن ترسم صورة أجمل وتعطي ضمانات أكبر لفريق أليغري الذي كان يستحق فوزاً بنتيجة أكبر مما كان يعني الانتقال لألمانيا بروحية مختلفة وبأفق أوسع.