"شبعنا وعوداً ومماطلة. أوضاعنا الصحية أصبحت أكثر دقّة والأمراض الصدرية إلى ارتفاع". صرخة يطلقها اللبنانيون الذين يقطنون في جوار معمل الزوق الحراري في قضاء كسروان (شرق بيروت)، منددين بالتلوّث الذي يتعرّضون له من جرّاء انبعاثات دواخينه.
ويبدو أن فصول قضية هذا المعمل الحراري لن تنتهي، على الرغم من كل الوعود التي أطلقها المعنيون وعلى الرغم من الإصلاحات التي أجريت أخيراً. فتلوّثه باقٍ، يستهدف رئات جيرانه السكان.
طوني مخول واحد من هؤلاء الجيران، يشير إلى سخام الأدخنة الأسود الذي يغطّي شرفة منزله وهو يقول: "حرمت ولدي البالغ من العمر سبع سنوات من اللعب في جوار المنزل خوفاً على صحته. هو قد يختنق من رائحة الدخان .كذلك، لم نعد قادرين على الجلوس على الشرفة، لأن السخام يحاصرنا ونوافذنا مغلقة باستمرار. الوضع لم يعد يحتمل واليوم نفكر جدياً ببيع المنزل والانتقال إلى حيث الشروط الصحية أفضل".
من جهتها، تشكو جوزفين ريما من ضيق التنفس وأمراض الحساسية التي لم ترحم عائلتها. تضيف أنها "عاجزة عن نشر غسيلها في الخارج، لأنها ستتوسّخ من السخام الأسود والأغبرة التي تتصاعد بكثافة وتلفّ المنطقة، من دون أن ننسى رائحتها". وتتابع: "هم (المعنيون في المعمل) ادّعوا أنهم وضعوا فلاتر. هل يمكن أن يكون الأمر كذلك مع الفلاتر؟ الوضع لم يعد يحتمل. لا بدّ من حلّ سريع. هم يتفرجون علينا ونحن نختنق ونموت ببطء".
وفي هذا الإطار، يوضح الخبير البيئي الدكتور فريد شعبان لـ "العربي الجديد" أن "مشكلة التلوّث في الذوق مزمنة، عمرها نحو 20 عاماً. وللأسف، الدولة لم تجد لها حلاً جذرياً حتى الآن". ويقول إن "تلوث الهواء تخطى ثلاثة أضعاف الحدّ الأقصى الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية. السخام والكبريت والنيتروجين كلها تسبب التلوث والأمراض الصدرية". أما الحل بالنسبة إليه، فهو "استبدال الفيول بالغاز لأن ذلك أنظف، وكذلك اللجوء إلى الطاقة البديلة".
إلى ذلك، يتحدّث رئيس اتحاد بلديات كسروان والفتوح نهاد نوفل عن تقرير طبي صادر عن مستشفى سيدة لبنان في جونيه (شرق) يكشف حقيقة الواقع الصحي المتأزم، ويبيّن أن عام 2014 سجّل 84 حالة سرطان رئة و1300 إصابة بالربو و1280 إصابة بالتهابات رئوية وتنفسية مختلفة.
ويقول نوفل لـ"العربي الجديد": "لو أن شركة الكهرباء خفضت فعلاً من الانبعاثات السامة كما تدّعي، فما هو إذاً تفسير ارتفاع الإصابات الرئوية سنوياً؟". يضيف نوفل أن "أبرز ما في المسألة هو عدد الدواخين الذي ارتفع من ثلاثة إلى 11 داخوناً. وهنا المشكلة الكبيرة، في حال شغّلت".
ويلفت نوفل إلى أنه "منذ عام 1983 واتحاد بلديات كسروان الفتوح وبلدية الذوق يتحركان من ضمن صلاحياتهما المحدودة للحد من أضرار المعمل. كذلك، تنبّه الدراسات العلمية إلى أن المنطقة الممتدة من بعبدا إلى جبيل هي الأكثر تضرراً من المعمل، وهذا ما يفسّر ازدياد الحالات السرطانية".
من جهته، يوضح وزير الطاقة والموارد المائية أرتور نظريان لـ "العربي الجديد" أن "هدفنا الأساسي هو تحسين الوضع البيئي في منطقة الذوق، إلا أن كلفة التحسين تحتاج إلى نحو 220 مليون دولار أميركي لتأهيل المصنع القديم. وقد سعينا في السنوات الثلاث الأخيرة إلى تحسين الوضع البيئي، وسجلنا تقدماً ملموساً".
يضيف: "أستغرب عندما يقال إننا لم نهتم أو لم نستقبل أياً من المعترضين على ما يحصل في معمل الذوق اليوم. أنا على اتصال مع الجميع وأستقبل كل من يطلب موعداً".
ويشدّد نظاريان على أن "ما من طريقة يمكن اتباعها إلا واستخدمتها. أنا مع أي خطوة سريعة لحلّ هذه الأزمة البيئية العالقة منذ سنين". ويتابع: "ما يجب معرفته هو أن الطلب على معمل الذوق ارتفع، إذ إن المنطقة مكتظة سكانياً. لذا وبهدف توفير الكهرباء للجميع، نعمد إلى التقنين. بالتالي، فإن التلوث يقلّ تلقائياً". ويشير إلى أن "التلوّث في المنطقة يزيد ليس فقط نتيجة المعمل، إنما بسبب زحمة السير وانبعاثات عوادم السيارات". بالنسبة إليه، "من المستحسن عدم استبدال الفيول بالغاز، فنحن لا نعالج المشكلة بذلك. المطلوب هو إيجاد حل بديل آخر".
أما وزير البيئة محمد المشنوق، فيأسف في اتصال مع "العربي الجديد" أن يكون "تلوّث الهواء الناجم عن معمل الذوق قد تخطى المعدل الطبيعي التي حددته منظمة الصحة العالمية. لذا، فإن المطلوب اليوم قبل غد تأهيل المعمل من جديد حين توافر الإمكانات والاعتماد على طاقة الغاز الأقل تلويثاً وضرراً".