لا تزال العقلية التي تدير الجامعات في الأردن، حتى اللحظة، تغرّد خارج مثاليات "مفردة الإصلاح"، مصرّة، عقب عشرات الاجتماعات السريّة والمغلقة، على أن تترك أيادي الأمن تعبث بكل شيء، لتكون منسجمة مع التوجّهات الحكومية مؤخرًا، للردة عن الإصلاح، ومن ثم إعادة الجامعات مرّة أخرى إلى المربع الأمني، بعد أن تراجعت سطوته، ولو قليلا، في فترة الحراك الأردني.
يعود من جديد مشهد ضرب الحريّات الطلابية في الجامعات والكليات الأردنية، ليس فقط باستمرار استدعاء الطلاب الناشطين، ومعاقبتهم على آرائهم ومواقفهم، أو على خلفية هتافات أطلقوها خلال مسيرة تم تنظيمها للمطالبة بحقوق مشروعة.
يكفي الآن، أن يُفصل الطالب من الجامعة والكلية في الأردن فصلًا نهائيًا، بمجرد نسيانه بطاقة الهوية الجامعية، أو حتى أن يرتدي قميصًا (تي شيرت)، يكون لونه قريبًا من لون إحدى المجموعات الانتخابية الطلابية.
يحدث ذلك بالفعل في الأردن وليس مبالغة، حيث أقدمت إدارة كلية الهندسة التكنولوجية، "البوليتكنك"، التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية، على إصدار قرارات مؤخرًا، تم بموجبها فصل ثلاثة طلاب من الكلية، وتوجيه إنذار نهائي لطالب رابع، وتحويل عشرة طلاب للتحقيق.
عدد من الطلبة كشفوا، في حديثهم لـ"جيل"، عن أن إدارة الكلية اتخذت هذه القرارات المجحفة، نتيجة ما شهدته انتخابات الجامعة، التي فاز بأغلب مقاعدها طلبة "الاتّجاه الإسلامي"، متّهمين إدارة الكلية بـ"ازدواجية التعامل، حيال قرارات الفصل"، وهو ما دفع إلى اتخاذ تلك العقوبات.
كل ذلك يدفع عشرات الطلبة إلى بدء اعتصام مفتوح داخل الكلية الثلاثاء الثاني من أيار/مايو، للمطالبة برفع العقوبة الواقعة على زملائهم الطلبة. مشدّدين، في السياق ذاته، على أن "اعتصامهم سلمي وحضاري، ولن يلحق أي أضرار بمرافق الجامعة، سوى المطالبة بإنصافهم ورفع العقوبات عنهم".
هذا الاعتصام، وفق بيان للطلبة المعتصمين، تسلّمت "جيل" نسخة منه، "جاء بعد محاولات لمقابلة عميد كلية الهندسة التكنولوجية، راتب العيسى، ورئيس جامعة البلقاء التطبيقية في السلط، عبد الله الزعبي، والتي باءت بالفشل".
وبالعودة إلى يوم الانتخابات الطلابية، التي شهدتها الكلية في 20 إبريل/نيسان الماضي، يؤكّد الطلبة أنها سارت بكل نزاهة، مشيدين بدور رئاسة الجامعة في إدارتها، غير أن حالة من الذهول أصابت الإدارة، عقب ما أفرزته من نتائج، تمخّضت عن فوز طلبة "الاتجاه الإسلامي" بتسعة مقاعد من أصل 11 مقعدًا، ليطلق مسؤولون في الجامعة، عقب صدور النتائج مباشرة، تهديدات بتشكيل لجان تحقيق وعقوبات صارمة.
تلك التهديدات لم تكن مجرّد تراشق كلامي كاذب، ففي بداية الأسبوع الجاري، تم تحويل مجموعة من الطلبة للتحقيق، من بينهم عدد من الطلبة المرشّحين في تلك الانتخابات، ليتم توجيه تهم لهم، وصفها الطلبة بـ"الزائفة"، والتعسّف في استخدام القوانين والتعليمات الجامعية.
لم تكتف إدارة الجامعة بذلك؛ بل عمدت، وفق شهود عيان من الطلبة، إلى تهديد عدد من الطلبة المرشّحين، ومنع بعضهم من التقدّم بشكاوى ضد أعضاء الهيئة الإدارية.
من جهتها، تؤكد إدارة جامعة البلقاء التطبيقية، على لسان الناطق باسمها، أحمد المناصير، أن قرارات العقوبات الصادرة في حق مجموعة من الطلبة، جاءت على خلفية مشاجرات وقعت خلال انتخابات المجلس، وصدرت العقوبات بعد تشكيل لجنة تحقيق.
ويشير المناصير، في حديث إلى "جيل"، إلى "أن لجان التحقيق التي شكّلتها إدارة الكلية، أخذت الوقت الكافي للتثبت من تورط الطلبة في المشاجرة، التي وقعت خلال الانتخابات"، مبينًا أن "العقوبات تختلف بحسب المخالفة التي ارتكبها الطلبة، كل على حدة".
ويبيّن المتحدث، أن "الاعتصام داخل الجامعة وكلياتها، بدون موافقة الجهات المسؤولة، مخالف للأنظمة والقوانين"، مشيرًا إلى أن "إدارة الجامعة بإمكانها اتخاذ عقوبات في حق المعتصمين، ويكون ذلك قانونيا".
ورغم هذه الدبلوماسية العالية، التي أبداها الناطق باسم الجامعة، إلا أن ذلك، وعلى أرض الواقع، لا يبدو أنه صحيح مطلقًا، فوفق عدد من الطلبة الذين يشاركون في الاعتصام، تواصل "جيل" معهم، فإن الحضور الأمني كان كثيفًا جدًا، ويحيط بالمعتصمين، ليصل الأمر إلى ارتداء هؤلاء اللباس المدني، خوفًا من تصويرهم ومتابعة تحرّكاتهم".
ما حصل ويحصل يدل بوضوح تام، يقول طلبة ناشطون، على "أن الأردن يعاني قصورًا تشريعيًا، خاصّة فيما يتعلق بقضية حق الرأي العام. فلا يمكن أن تقوم الدولة بأي شيء، إلا عن طريق شكوى أو إلحاق خسائر في الممتلكات والأرواح، وعلى إثر ذلك يستدعي قيامها بالإجراءات القانونية المتبعة".
بينما، في الجامعات والكليات الأردنية، خاصة ما حصل في كلية "البوليتكنك"، وهي إحدى كليات جامعة البلقاء التطبيقية، فالإدارة فيها تحاسب على "النية" فقط، بإقرار أقسى العقوبات من فصل وغيره في حق الطلبة، فقط لأنهم ناصروا زميلهم في الانتخابات، أو لأنهم أضاعوا هويتهم الجامعية، أو أنهم استخدموا هواتفهم في التصوير، وفق تعبير هؤلاء الطلبة.