ومرّت كردستان بمعارك سياسية كثيرة مع الحكومة المركزية في بغداد، لا سيما إجراء استفتاء الاستقلال في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي هدف إلى انفصال الإقليم عن البلاد، وفشل باتخاذ رئيس الحكومة حيدر العبادي سلسلة من الإجراءات، أبرزها السيطرة على المطارات الكردية وحظر الطيران منها وإليها، مما أربك الوضع الاقتصادي، ثم دخول القوات العراقية إلى مدينة كركوك وإبعاد قوات البشمركة عنها. مع العلم أن الأمور عادت شبه طبيعية بين بغداد والمركز، مع رفع بغداد حظر الطيران، لكن الإقليم ما زال متمسكاً بنتائج الاستفتاء المؤيدة للانفصال بنسبة فاقت 90 في المائة، وهذا ما رفضته بغداد.
وبدا أن الأحزاب الحاكمة في كردستان متخوفة من الأحزاب الجديدة، وهي أمام حلبة قاسية، لا سيما بعد فشل حكومة الإقليم في معالجة أهم الملفات، وهي الرواتب المخصصة للموظفين التي ظلت منقطعة لمدة تجاوزت السنة، فاحتدم الصراع بين الجديد الذي وعد الأكراد بالإصلاح والبناء والسيطرة على الفساد، وبين القديم المتمسك برأيه دون مراعاة مصالح شعبه، مع وعود لم تختلف منذ سنوات، أبرزها تحقيق الحلم الكردي المتمثل ببناء دولة مستقلة للقومية.
في هذا السياق، قالت القيادية في "حركة التغيير" الكردية سروة عبد الواحد، إن "الأحداث الأخيرة التي مرّ بها إقليم كردستان من تأخر الرواتب وما آلت إليه الأوضاع بعد إجراء استفتاء الانفصال، ثم أزمة مدينة كركوك وسيطرة الحكومة الاتحادية عليها، كلها أثرت على جمهور الحزبين الحاكمين، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني الذي يقوده كوسرت رسول، بعد وفاة رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني، وأدت هذه الأحداث إلى ضعف جمهورهما وتوجههم نحو الأحزاب الكردية الجديدة مثل حزب الجيل الجديد وتحالف العدالة والمساواة".
وأضافت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب الحاكمة حالياً، لن تحظى بنفس عدد المقاعد البرلمانية خلال المرحلة المقبلة"، مرجّحة "هبوط عدد مقاعد الديمقراطي الكردستاني من 27 مقعداً إلى 18، والاتحاد من 21 إلى 10 مقاعد". وأشارت إلى أن "المرحلة الكردية المقبلة، ستكون للأحزاب الجديدة، التي تحمل وجوهاً شابة ورؤى سياسية متطورة تناسب الواقع وحاجات المكوّن الكردي".
من جانبها، أكدت النائبة في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني نجيبة نجيب، أن "فشل الاستفتاء ترك شعورا أقرب إلى خيبة الأمل لدى الأكراد، سيؤثر على نسبة مشاركتهم في الانتخابات"، مبينة أن "المواطن الكردستاني، بطبيعة الحال، لديه مشكلتان رئيسيتان الأولى هي القضية الكردية وتحقيق حلم الاستقلال، وهذا فشل خلال الفترة الماضية، أما القضية الثانية فهي الظروف المعيشية وهذه تدهورت بعد إجراء الاستفتاء، مما ولّد غضباً واضحاً لدى الأوساط الشعبية الكردية".
وقالت لـ"العربي الجديد" إن "سيطرة الحكومة المركزية على المناطق المتنازع عليها في محافظات متفرقة، ستؤثر بشكل كبير على أعداد المقاعد البرلمانية لكل الأحزاب الكردية. فمثلاً، للحزب الديمقراطي الكردستاني 25 نائباً في البرلمان العراقي، منهم 8 نواب من المناطق المتنازع عليها، وبالتالي فإن الحزب سيتأثر بالمرحلة المقبلة، لأن إدارة المناطق المتنازع لم تعد بيد كردستان". وتابعت أن "الأحزاب الجديدة لن تؤثر على عدد مقاعد الأحزاب القديمة داخل كردستان، ولن تكون بديلة عن الأحزاب الحاكمة، لكن من سيحدّد المقاعد والنتائج. نحن نرى أن المشاركة ستكون أقل بكثير عن الانتخابات الماضية".
ورأى الباحث بالشأن الكردي، مشتاق رمضان، أن "الشارع الكردي متوجه حالياً نحو تغيير الوجوه الحاكمة منذ سنوات، فهناك حالة جزع واضحة من تكرار المسؤولين منذ مدة طويلة في كردستان". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب القديمة ما تزال مسيطرة على نفوذها وجمهورها بصورة نسبية، إلا أن التوجه العام، يدلّ على تحرّك الشعب الكردي نحو التبديل وتغيير الوجوه الحاكمة وتحجيم الحزبين الحاكمين، وإعطاء فرصة للحركات الجديدة".
ولفت إلى أن "الانتقادات بدت واضحة خلال الأيام الماضية، حين باشرت الأحزاب بالدعاية الانتخابية في 14 أبريل/نيسان الحالي، فوجد كثيرون لو أن الأحزاب وجهت أموال الدعاية نحو سدّ العجز المالي في الحكومة لكان أفضل، لا سيما أن الإقليم يعاني منذ حوالى سنة من تردي الوضع الاقتصادي".
إضافة إلى ذلك، شرعت قوائم عربية مشاركة في الانتخابات بفتح مكاتب لها في مناطق كردستان، أبرزها "تحالف النصر" بقيادة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والذي دفع بـ24 مرشحاً، 9 منهم في أربيل و9 في السليمانية و6 في دهوك، فيما استعد تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم بقائمة في محافظة السليمانية بـ17 مرشحاً، فيما تواجد 6 مرشحين أكراد داخل التيار الوطني للعشائر العراقية. ويشارك ائتلاف الوطنية الذي يترأسه نائب الرئيس العراقي أياد علاوي بتسعة مرشحين أكراد بالانتخابات في إقليم كردستان، خمسة منهم في محافظة أربيل وأربعة في محافظة السليمانية.