لن يغيّر الناخبون الإسرائيليون لدى توجههم إلى صناديق الاقتراع، اليوم الثلاثاء، تاريخ المنطقة ولا وجهة إسرائيل السياسية، للسنوات الأربع المقبلة على الأقلّ، في حال أكملت الحكومة العتيدة ولايتها كاملة. ولن يكون توجّه نحو 5.8 ملايين ناخب إسرائيلي، لانتخاب ممثليهم والأحزاب التي ستمثلهم في الكنيست، فاصلاً في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبلة، لأن الانتخابات النيابية ستُحدد مجدداً موازين القوى في الخريطة الحزبية الإسرائيلية العامة، وموازين القوى داخل هذه الخريطة بين اليمين واليسار، مع إبقاء حيّز وهامش ضيّق لتناور فيه القائمة المشتركة للأحزاب الفاعلة في الداخل الفلسطيني.
ولعلّ أكثر ما يجذب الانتباه في انتخابات هذا العام، هو غياب "الموضوع" أو "المسألة الرئيسية"، التي تدور حولها الانتخابات، بعد أن تمكن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من تحويلها إلى مسألة "حجب ثقة" عنه، مطالباً الناخب الإسرائيلي بالتصويت لـ "الليكود"، إذا كان يريد بقاء حكومة وطنية تحافظ على الأمن، وتحول دون تقديم التنازلات للفلسطينيين أو الخضوع لضغوط دولية في الشأن الإيراني.
ومع أن استطلاعات الرأي أسبغت "كرمها" على هرتسوغ بمنحه وحزبه، العدد الأكبر من المقاعد (25 للمعسكر الصهيوني في مقابل 21 لليكود)، إلا أن الاستطلاعات نفسها رسّخت قوة نتنياهو، كـ"الأنسب لرئاسة الحكومة الإسرائيلية"، بنسبة تتراوح بين 45 في المائة و51 في المائة لنتنياهو، في مقابل 33 إلى 38 في المائة لهرتسوغ.
ويُفسّر هذا الجواب التناقض في المجتمع الإسرائيلي، وفي سلوكه القبلي والطائفي عند التصويت، فالمفترض أن يصوّت 50 في المائة لمصلحة "الليكود"، إذا كانوا يعتبرون أن نتنياهو هو الأنسب لرئاسة الحكومة، إلا أن النظام البرلماني والتصويت للأحزاب، لا لمرشحي رئاسة الحكومة، يصنع الفارق بين من يؤيد نتنياهو باعتباره الأنسب، وبين من يصوّت لحزبه "الليكود".
اقرأ أيضاً: هرتسوغ يتهم نتنياهو بالمسؤولية عن طرح مسألة تقسيم القدس
ولا يقف الأمر عند هذا التناقض، بل يعكس أيضاً حالة تشظّي المجتمع الإسرائيلي، اليهودي تحديداً، إلى مجموعات طائفية وعرقية، وأخرى اجتماعية اقتصادية. ويُشكّل الانتماء الطائفي، خصوصاً الانتماء الشرقي المتدين مثلاً، المعايير الرئيسية لتصويت اليهود الشرقيين، ممن أتوا من الدول والبلدان الإسلامية، لمصلحة حزب "شاس" الشرقي، والآن أيضاً لحزب "ياحد" بقيادة إيلي يشاي، المنشقّ عن "شاس".
في المقابل، فإن الشرقيين واليمينيين غير المتدينين، الذين يمزجون نوعاً من الروح المحافظة مع بعدهم الطبقي الشعبي، يميلون وفقاً للاستطلاعات إلى التصويت لصالح حزب "كاحلون"، الذي أعلن أنه يحمل مبادئ "الليكود" التاريخية وقيم مناحيم بيغن.
أما المنتمون إلى الطبقة المتوسطة من أصول غربية، وخصوصاً الأزواج الشابة والأسر التي تتراوح أعمار أربابها، نساء ورجال بين 35 و45 عاماً، فقد تصوّت بأغلبيتها لحزب لبيد، وهو الحزب الذي يحمل راية "حماية الطبقة الوسطى" ويرفع "لواء الوسطية" سياسياً، وإن كان عملياً حزباً يميني الموقف.
بالنسبة إلى أبناء التيارات الدينية الغربية الاشكنازية، فتصويتهم محسوم لأحزاب أشكنازية صرفة، إذ يصوّت الحريديم الأشكناز لحزب "يهدوت هتوراة" الغربي الأصول، بينما يصوّت أصحاب القبعات المنسوجة من المتدينين الصهيونيين، لحزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت. ويعتبر أبناء تلك التيارات أنفسهم حملة لواء "أرض إسرائيل الكاملة"، وأصحاب "الوعد الرباني بفلسطين لليهود"، في خطاب مسيحاني ديني صهيوني، يدمج بين الدين والقومية الشوفينية اليهودية.
وقد تمكن فلسطينيو الداخل، وتحت ضغط القانون الانتخابي الجديد الذي رفع نسبة الحسم إلى 3.25 في المائة، من تشكيل قائمة انتخابية مشتركة تضمّ الأحزاب العربية الثلاثة: "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"الحركة الإسلامية"، و"الحركة العربية للتغيير والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، التي هي أساساً حزب يهودي عربي، يعتمد أساساً على الحزب الشيوعي الإسرائيلي غير الصهيوني.
وإذا صدقت استطلاعات الرأي من استمرار تفوق معسكر اليمين ككل على معسكر اليسار، ودفعها باتجاه ترجيح خيارين لا ثالث لهما، وهما حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو، أو حكومة وحدة وطنية مشتركة تعتمد مبدأ التناوب على رئاسة الحكومة بين نتنياهو وهرتسوغ، فإن ذلك سيعزز الاعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية المقبلة، لن تكون صاحبة قرار أو حاسمة في الملفات المعلقة.
في الملف الفلسطيني، وعلى ضوء تركيز نتنياهو في الأيام الماضية أنه لن يقدم تنازلات جديدة، في مقابل تأكيد هرتسوغ بدوره على بقاء القدس المحتلة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، ومعها الكتل الاستيطانية الكبرى، فإن أقصى ما يمكن توقعه من الحكومة الإسرائيلية العتيدة، في حال كانت حكومة وحدة مثلاً، هو السعي لإطلاق تحرك سياسي لكسر الجمود، من دون أن يعني ذلك نية إسرائيل التوصل إلى حل مع الجانب الفلسطيني.
ويتضح ذلك من اتفاق كل من نتنياهو وهرتسوغ في تصريحاتهما الأخيرة، بشأن عدم وجود "شريك فلسطيني ناضج" لحل دائم، من جهة، وبفعل تعلق إسرائيل بادعاء عدم الاستقرار الإقليمي، الذي يهدد الأمن الإسرائيلي، ويحول بالتالي دون أي تسوية مع الجانب الفلسطيني.
وفي ملف غزة والحدود الجنوبية مع إسرائيل، يتفق الطرفان أنه في حال تعثرت جهود إعادة إعمار غزة، فإن إسرائيل ستخوض غمار مواجهة عسكرية مع "حماس" خلال وقت قصير، توقعت له جهات استخباراتية إسرائيلية مختلفة، أن يكون بعد الانتخابات ومع حلول الصيف. وفي هذا السياق، يبدي هرتسوغ لهجة وخطاباً أشد من نتنياهو، لجهة المزايدة على الأخير، بأنه فشل في إخضاع حركة "حماس" وكسرها.
وينطبق هذا الادعاء على ملف المفاوضات مع سورية ولبنان، على الرغم من كشف شقيق هرتسوغ، الذي كان موفداً من طرف رئيس الوزراء السابق ايهود باراك، وبمعرفة نتنياهو بين عامي 2009 و2011، للمفاوضات مع سورية. كاد الطرفان في حينه أن يصلا إلى تفاهم يؤدي إلى انسحاب قوات الاحتلال إلى حدود ما قبل الرابع من يونيو/حزيران 1967، لكن اندلاع الثورة السورية عرقل الاتصالات، التي هدفت أيضاً إلى التمهيد لاحقاً لمفاوضات لاتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان أيضاً.
أما في السياق الداخلي الاقتصادي والاجتماعي، لا يُمكن التكهن بوجهة الحكومة المقبلة قبل معرفة موازين القوى الداخلية فيها، وما إذا كان حزب "ييش عتيد" هو الذي سيتولّى حقيبة المالية، أم حزب "كولانو". كما يرتبط ذلك أيضاً بخيار "حكومة الوحدة الوطنية" في حال تشكيلها، ودور وحجم حزب "البيت اليهودي" الراعي للاستيطان فيها، فإذا بقي الحزب في الحكومة المقبلة هو المسؤول عن ملفي الاقتصاد والإسكان، فإن ذلك سيعني مواصلة تفضيل بناء وتطوير المستوطنات، على حساب توجيه الميزانيات للملفات والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لإسرائيل داخل الخط الأخضر.
وتجدر الإشارة إلى أنه تمّ تبكير موعد الانتخابات وحلّ الحكومة السابقة، نتيجة تعثر العلاقات والانسجام بين نتنياهو وشركائه في الحكومة، تحديداً ليفني ولبيد، وفقدان ريئس الحكومة السيطرة على زمام الأمور داخل حكومته، ولم تكن الخلافات بسبب عملية السلام أو الاستيطان أو الحرب على غزة أو ملف النووي الإيراني وغيره.
اقرأ أيضاً: "الاقتصادي" لا "السياسي" على رأس اهتمامات الناخب الإسرائيلي