واستنفد رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، جميع الحلول، وانقطع منه الأمل في إيجاد توافق حول أربع شخصيات للمرور إلى الجلسة العامة الانتخابية. وبعد 5 اجتماعات برؤساء المجموعات البرلمانية الثمانية، استقر الرأي عند ترحيل قائمة جميع المترشحين إلى الجلسة الانتخابية.
ويبدو أن الناصر اختار المجازفة الحذرة، بدفع الأحزاب البرلمانية وجرها إلى موعد جلسة انتخابية، حتى يضعها أمام طاولة التوافق من جديد، وحتى يحملها مسؤوليتها التاريخية في انتخاب ثلث مجلس الهيئة، أي 4 أعضاء من 12 عضوًا وحتى يتسنى للمجلس الأعلى للقضاء أن يختار 4 أعضاء بدوره، ثم يعين الرئيس التونسي الأعضاء الأربعة المتبقين، ليكتمل مجلس المحكمة الدستورية بذلك.
ووضع البرلمانيون لأنفسهم سقف 20 مارس/آذار كآخر أجل لانتخاب الأعضاء الأربعة، فيما تنطلق العملية الانتخابية يوم 13 مارس/آذار المقبل، وسيحاول رؤساء الكتل الاتفاق على 4 أعضاء من بين 8 مرشحين.
واعتبر رئيس اللجنة الانتخابية طارق الفتيتي، أن عملية التوافق صعبة، ولكن لا مجال لمزيد من تأخير الحسم بالانتخاب في جلسة عامة علنية. وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يجب تحصيل غالبية أصوات لا تقل عن ثلثي أعضاء مجلس الشعب؛ أي 145 صوتًا من 217، حتى يتم منح ثقة المجلس للمترشح.
وبيّن الفتيتي أن الدستور اشترط هذه الأغلبية لضمان استقلالية أعضاء المحكمة الدستورية عن أي انتماء حزبي أو فئوي، وبالتالي يجب أن يحظى بالحياد الكافي ليكون على المسافة نفسها من جميع الأحزاب البرلمانية، حتى تمنحه صوتها، مبينًا أن تأخر انتخاب المحكمة الدستورية يعود لمخاوف المعارضة والكتل من انحياز الأعضاء المنتخبين لطرف سياسي على حساب آخر.
وطالبت مجموعة من منظمات المجتمع المدني (أنا يقظ؛ بوصلة؛ الجمعية التونسية للقانون الدستوري)، البرلمان التونسي بالإسراع في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية الأربعة، باعتبار أن تركيز هذه المحكمة يعد في الوقت الراهن أولوية مطلقة.
وذكرت بأن هذه المؤسسة تعدّ أهم ما جاء به دستور 2014، وأهم آلية لضمان احترام الدستور، وهي محكمة وهيئة قضائية لها خصوصية الفصل في القوانين، مضيفة أن دور هذه المحكمة يعد محوريًا وحصريًا، لأنّها هي الوحيدة المخولة لها مراقبة دستورية القوانين.
وبينت المنظمات أن "دستور 2014 نصّ على تركيز المحكمة الدستورية في أجل عام واحد من تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية لسنة 2014، إلا أنه لم يتم احترام هذا الأجل".
ولا يتوقف الأمر عند البرلمان، فما زال المجلس الأعلى للقضاء يعاني صعوبات في انتخاب 4 أعضاء بدوره. وعزا المتحدث الرسمي باسم المجلس القضائي، عماد الخصخوصي، الشغورات الحاصلة في المجلس، إلى ضعف الإمكانات المادية واللوجستية التي صعّبت عملية اختيار ثلث أعضاء المحكمة الدستورية، مبينًا أن المجلس الأعلى للقضاء ما زال لم يطرح هذا الملف، باعتبار أنه بصدد ترتيب بيته الداخلي.
ورغم ضغط المجتمع المدني، مازالت أزمة المحكمة الدستورية تراوح مكانها ولم تتحلحل بعد، مع مضي أكثر من 4 سنوات على إقرار إحداثها في دستور الثورة، وتبقى المسألة قيد اتفاق الاحزاب البرلمانية، إذ تتجاوز توافق المجموعات والكتل إلى حسابات كبرى لرؤساء الأحزاب ذات العلاقة بالنظام السياسي في البلاد، وبصلاحيات هذه الهيئة الدستورية التي ستصبح الحكم والفصل في كل القوانين الصادرة، وفي أي تعديل يمس الدستور أو النظام السياسي، كما تمثل صمام أمان أمام أي انحراف بالمسار الديمقراطي.