وبالنظر إلى هذا الفارق الكبير، رغم عدم إتمام عمليّة الفرز، يمكن القول إن المفاجأة التي انتظرها المرشح ألان جوبيه ليحقق الفوز لم تقع؛ وأن الناخب اليساري لم يحسم الأمر، ولم يتحرك الناخبون الفرنسيون بشكل كاسح، كما توقعت بعض التقديرات، وكما أمل المرشحان، وبشكل خاص ألان جوبيه، من أجل تدارُك تأخره الكبير مقارنة بمنافسه فيون، بل كان ارتفاع نسبة المصوتين طفيفاً، مقارنة مع الدورة الأولى.
وسارع فيون، في خطاب النصر، إلى التعهّد بتوحيد معسكره خلف مشروع يطبق إصلاحات عميقة في فرنسا، مؤكّداً لأنصاره في مقرّ حملته الثبات على نهجه المعلن، قائلاً، وفق ما نقلت وكالة "رويترز": "سأضطلع بتحدٍّ غير تقليدي لفرنسا: قول الحقيقة وتغيير برمجتها تماما". وفي المقابل، أقرّ جوبيه بهزيمته، مؤكّداً أنّه سيدعم فيون في المرحلة الانتخابية المقبلة.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب أربعة ملايين و600 ألف شخص انتقلوا، اليوم الأحد، إلى مراكز الاقتراع للتصويت في الدورة الثانية من الانتخابات الفرعية لليمين والوسط. وحسب التقديرات الأولى فإن 64 في المائة منهم ينتمون إلى اليمين والوسط، في حين ينتمي نحو 15 في المائة إلى اليسار، و9 في المائة يندرجون ضمن المتعاطفين مع حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، في حين أن 12 في المائة لم يكشفوا عن ميولهم السياسية. وهي نِسَبٌ ظلت قريبة من نسب الدورة الأولى، الأمر الذي ساهم في عدم إحداث التغيير الجوهري الذي انتظره جوبيه.
هذا التقدّم لفيون، حتى اللحظة، جاء في ظل شرخ عميق بين المرشَّحَين، وعلى إثره، لن يكون سهلاً التوفيقُ بين المعسكرَين اليمينيين، والالتفاف حول المرشح الفائز، من أجل مقارعة اليسار والانتصار النهائي في رئاسيات 2017. وهو التحدي الذي سيتعيّن على طاقم فيون أن يتصدى له، عبر أخذ مواقف الطرف الثاني بعين الاعتبار، والتخفيف من برنامج فيون، والذي يصفه كثيرون بـ"الراديكالي والعنيف".
ولا يعني انتصار فرانسوا فيون، رغم قوته واتساعه، توافقَ اليمين والوسط حوله، بشكل تلقائي، وبالتالي فإن عليه أن يعيد بناء حزب "الجمهوريون"، وأيضاً أن يمنح ضمانات للوسَط، بسبب ما تضمنه برنامجه الانتخابي من بنود لا تروق للوسط، ولا تنسجم مع برنامجه.
وليس سرّاً، كذلك، أن رئيس حزب "الموديم" (يمين - وسط)، فرانسوا بايرو، سيكون في حِلٍّ من تفاهمه مع جوبيه، وسيعلن، قريباً، ترشّحه للانتخابات الرئاسية، كما لم يَغب عن المراقبين الغزل المتصاعد بين رئيس "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" (وسط)، جان كريستوف لاغارد، وبين المرشح المستقل، وزير الاقتصاد السابق، إيمانويل ماكرون، وهو ما سيشوّش على ترشح فيون.
وإضافة إلى فيون، الفائز الأكبر في هذا السباق الانتخابي، فإن الفائز الثاني، هو حزب "الجمهوريين"، ليس فقط لأنه نجح في إنجاز هذا "العرس الديمقراطي"، وجعل الانتخابات الفرعية ثابتاً من ثوابت الديمقراطية، بل أيضاً لأن المشاركة الكثيفة في هذا التصويت درّت على الحزب عائدات مادية تجاوزت أكثر من 16 مليون يورو في الدورتَين، وهو ما يمكن أن يُخرجَ الحزبَ اليميني من ضائقته المالية ومشاكله مع القضاء الفرنسي، ويمنح المرشح القادم 8 ملايين يورو لتمويل حملته الانتخابية القادمة.
تجدر الإشارة، أخيراً، إلى أن جوبيه كان مدركاً لهزيمته، إذ أعلن نهار اليوم عن "اشمئزازه" من الحملة القذرة التي شنّتها عليه بعض شبكات التواصل الاجتماعي، بخصوص علاقات مفترضَة له مع "الإسلام السلفي"، وعن دور له، أيضاً، في تشييد المركز الإسلامي في مدينة بوردو، وعبّر عن بعض الأسى من المسار الذي اتخذته حملته الانتخابية.