عشية الانتخابات اليونانية الجديدة، أظهرت مختلف استطلاعات الرأي تقدّم حزب "الديمقراطية الجديدة"، بقيادة كيرياكوس ميتسوتاكيس، على "سيريزا". الحزب ليس جديداً على الساحة اليونانية، لكنه استغلّ تراجع خصمه اليساري، بفعل عوامل عدة. كما استثمر الحزب المنتمي إلى يمين الوسط، صعود الأحزاب الشعبوية في أوروبا، في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/أيار الماضي، لمحاربتها. فـ"الديمقراطية الجديدة" مؤيّد بقوة للاتحاد الأوروبي. وهو ما ظهر في فوزه أوروبياً بـ33.11 في المائة من أصوات اليونانيين في مقابل 23.78 في المائة لـ"سيريزا". وقد دفعت هذه الانتخابات تسيبراس، إلى الدعوة لانتخابات داخلية مبكرة، بعد أن كان موعدها محدداً في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وجد "الديمقراطية الجديدة" نفسه في موقع قوي بعد دعوة تسيبراس، فتصدّر آخر استطلاع للرأي أجراه معهد "كابا للأبحاث" بالاشتراك مع شركة "إثنوس" بين 1 يوليو/تموز الحالي والخامس منه، حائزاً على 40 في المائة من نوايا المستفتين، بينما نال "سيريزا" 28 في المائة فقط. بالتالي، فإنّ حزب ميتسوتاكيس سيحصل، بحسب النظام النسبي، على أكثرية تتراوح بين 155 و164 مقعداً في البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 300 مقعد، وهو أكثر من الغالبية المطلوبة لتشكيل حكومة بمفرده، أي 151 مقعداً. في المقابل، فإنّ مقاعد "سيريزا" ستتراوح بين 80 و88 مقعداً، وفقاً للاستطلاع نفسه. ويعود السبب وراء التوقع بحصول حزب "الديمقراطية الجديدة" على هذا العدد من المقاعد على الرغم من أن نوايا التصويت تمنحه 40 في المائة فقط من نوايا المصوتين إلى طبيعة النظام الانتخابي، إذ إن الأحزاب التي ستحصل في هذه الانتخابات على أقل من 3 في المائة، تذهب أصواتها للحزب الذي يحتل المرتبة الأولى.
لا تُمكن قراءة تراجع تسيبراس، إلا انطلاقاً من استفتاء 5 يوليو 2015. الرجل ناقض وعوده في تحرير اليونانيين من قبضة الديون الأوروبية، حتى أنه لم يمنع وزير ماليته في حينه، يانيس فاروفاكيس، من الاستقالة في اليوم التالي للاستفتاء. فاستقالة فاروفاكيس، الذي عُرف بشراسته ضدّ الدائنين، قصمت ظهر تسيبراس، وبالتالي أطاحت بوعوده الإصلاحية. وعن ذلك قال فاروفاكيس وقتها: "بعيد إعلان نتيجة الاستفتاء تبلغّت بأنّ بعض أعضاء مجموعة اليورو والشركاء يفضلون غيابي عن الاجتماعات، وهي فكرة رأى رئيس الوزراء أنها قد تكون مفيدة من أجل التوصّل إلى اتفاق. ولهذا السبب أترك وزارة المالية".
تخلّي تسيبراس عن فاروفاكيس شرّع الأبواب أمام خضوع اليونان للشروط الأوروبية، فبدا التقشّف واضحاً في البلاد، ويمكن لزائر أثينا تلمسه. المحال شبه فارغة، وأعداد المشرّدين والعاطلين عن العمل ارتفعت بشدّة، فيما بدت اليونان وكأنها "دولة عالم ثالث" في أوروبا، بفعل سياسة التقشّف. وقد حاول تسيبراس تجاوز الأمر، بقوله أخيراً في تجمّع انتخابي في فولوس (330 كيلومتراً شمال أثينا)، إنه يدرك عدم شعبية الإجراءات التي فرضتها الجهات الدائنة على اليونان لمنع إفلاس البلد". وأضاف أنّ "مرحلة 2010 ــ 2014 كانت كارثية، فمليون من مواطنينا خسروا وظائفهم"، معتبراً أنّ "الأمر تغيّر لأن البطالة تراجعت إلى 18 في المائة (علماً بأنها تبقى النسبة العليا في منطقة اليورو)، كما ارتفع الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 11 في المائة إلى 650 يورو، فضلاً عن اتخاذ إجراءات اجتماعية أخرى". وقال "وفّرنا 400 ألف وظيفة ومنحنا فرصة لـ250 ألف عامل لتحسين رواتبهم مع ظروف عمل أفضل بفضل عودة المساعدات المشتركة".
مع ذلك، فإنّ الانشقاقات في حزبه تزايدت، على مستوى الكوادر والقواعد. من هؤلاء الناشط السابق في "سيريزا"، أنتونيس فولغاريليس، الذي رأى أنّ "تسيبراس أطلق وعوداً كثيرة، لكنه لم يطبّق نصف برنامجه". كما اعتبر ناشط آخر، يدعى أندرياس تسانافاريس، أن "سيريزا ابتعد عن قاعدته الشعبية، ففي عام 2015 كان يرمز إلى الأمل وتجديد الطبقة السياسية، ولكنه تبين أنه حزبه مثل بقية الأحزاب".
لم يخسر تسيبراس هنا فحسب، بل امتدت الهزائم لتشمل مسألة سياسية ـ جغرافية حساسة بالنسبة لليونانيين: مقدونيا. فلأكثر من 25 عاماً بقيت الدولة الجارة لليونان شبه محرومة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومختلف اتفاقياتهما، بفعل معارضة اليونان لاسم هذه الدولة. ويعود السبب في ذلك إلى عاملين؛ الأول أنّ في اليونان نفسها إقليماً يُدعى "مقدونيا"، والثاني أنّ اسم مقدونيا مرتبط أكثر بالحضارة الإغريقية، التي تُعتبر اليونان وريثتها التاريخية. عليه، حاول تسيبراس الاستفادة من هذا العامل لكسب شعبية، لكنه فشل. فقد وافق المقدونيين على تغيير اسم بلادهم إلى "مقدونيا الشمالية"، وهو ما لم يُرضِ 70 في المائة من اليونانيين، الذين أرادوا عدم ذكر اسم "مقدونيا" مطلقاً. مع ذلك، فإن تسيبراس احتفى بالأمر، بل زار عاصمة مقدونيا الشمالية، سكوبيي، ملتقطاً صورة سلفي مع رئيس وزرائها غوران زايف.
وإذا صدقت نوايا الاستطلاع وتمكّن حزب "الديمقراطية الجديدة" من الفوز اليوم، فإنه سيكون أمام تحديات عدة. فقد تعهّد ميتسوتاكيس بإجراء سلسلة من الإصلاحات السريعة في مجالات التعليم والحكومة والقضاء، وإدخال تغييرات في سوق العمل للحدّ من البطالة. ووعد بأنّ "التغييرات التي سيدشنها، ستفيد قطاع التصدير والخدمات الحديث في الاقتصاد اليوناني". أي أنّ "الديمقراطية الجديدة" ينوي تنفيذ الوعود التي أطلقها "سيريزا" ولم ينفّذها.