يدخل الصومال مرحلة جديدة في تاريخه مع الانتخابات الرئاسية التي تُجرى، اليوم الأربعاء، وسط آمال بأن تكون خطوة على طريق تحقيق استقرار سياسي وأمني في هذا البلد، الذي يواجه الفوضى والحرب الأهلية منذ سقوط نظام الرئيس سياد بري في 1991. وتُعتبر هذه الانتخابات آخر الخطوات على طريق الانتهاء من المرحلة الانتقالية في البلاد، إذ إنها المرة الأخيرة التي تحصل فيها الانتخابات الرئاسية بعد انتخاب برلمان وفق نظام "المحاصصة القبلية"، ومن المنتظر الانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر، في الانتخابات المقبلة.
ويتنافس في هذا الاستحقاق الرئاسي 17 مرشحاً، كثير منهم يحملون جوازات سفر أجنبية، أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود، وسلفه، شيخ شريف شيخ أحمد. وينتمي المنافسان إلى قبيلة واحدة، تُحكم سيطرتها على العاصمة مقديشو ومحيطها، وهي قبيلة "الهوية"، في حين ينتمي بقية المرشحين إلى قبيلة "الداروت" التي تتولى منصب رئيس الوزراء، في محاصصة لتقاسم السلطة بين القبيلتين.
ويشير مراقبون يتابعون الشأن الصومالي، إلى صعوبة التنبؤ بفوز أحد المتنافسين، نظراً لتشابك التحالفات والتداخلات القبلية التي تحكم هذا البلد، وهو ما يصعب قراءة خارطة حسابات كل طرف من الأطراف، إذ تتحكم مواقف ومصالح القبيلة وزعماء العشائر في رسم الخارطة السياسية في الصومال. وفي ظل صمت دولي وإقليمي، تجري الانتخابات الرئاسية المرتقبة لاختيار رئيس جديد تتلخص أبرز التحديات التي ستواجهه، في العبور بالبلاد إلى بر الأمان، وإعادة بناء دولة ممزقة ومختلفة بين مكوناتها. ووفق النظام الحالي، يتم انتخاب رئيس الدولة عبر البرلمان، فيما تشرف على عملية انتخاب الرئيس لجنة برلمانية من 16 عضواً، بينهم 7 نساء. يتكوّن مجلس الشيوخ من 54 عضواً، فيما يتكوّن البرلمان الصومالي من 275 نائباً، يتم انتخابهم عبر مُحاصصة قبلية بين القبائل الأربع الكبرى التي يتكون منها الصومال، وعبر نظام "الكوتا" التي تُحدد نصيب كل قبيلة من كراسي البرلمان.
واستمع البرلمان الصومالي بغرفتيه (مجلسي الشعب والشيوخ)، قبل يومين من خوض جولة الاقتراع، إلى خطابات المرشحين للرئاسة، وبرامجهم التي ينوون تنفيذها في حال فوزهم، وشارك في جلسة الاستماع ممثلون عن المجتمع الدولي، إلى جانب سفراء بعض الدول الأجنبية. وشرح أبرز المنافسين، حسن شيخ محمود، وشريف شيخ أحمد، برنامجيهما، وتعهّد الرئيس المنتهية ولايته، بمواصلة جهود المصالحة الوطنية في إطار تطبيق النظام الفدرالي في البلاد، وكذلك ببناء دولة مدنية والقضاء على الفساد وترسيخ الديمقراطية. كما تعهد بحفظ الأمن، وباستكمال بناء وهيكلة الجيش الصومالي من أجل ضمان أمن البلاد، وبمحاربة الإرهاب. أما شريف شيخ أحمد، فقد أكد في برنامجه أنه سيعطي الأولوية للملف الأمني، وبناء الجيش، متعهداً في حال فوزه بالعمل على إيصال البلاد إلى انتخابات شعبية، ووعد بتبني سياسة مستقلة بعيداً عن سياسة المحاور.
ويشهد هذا الاستحقاق الرئاسي مفارقات عدة، أبرزها المناظرة التلفزيونية الأولى من نوعها في البلاد، التي جرت الإثنين الماضي مع اختتام الحملات الانتخابية للمرشحين، والتي هيمنت عليها قضايا الفساد والأمن وحظر السفر الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقال بشير راجي، أحد أمراء الحرب السابقين الساعين للرئاسة، خلال المناظرة التي بثها التلفزيون والإذاعة: "سأعالج مسألة ترحيل اللاجئين من الولايات المتحدة ومن دول أخرى والنازحين داخلياً". من جهته، قال المرشح محمود أحمد نور تارسان، وهو رئيس سابق لبلدية مقديشو، إن "العشائر الصومالية قاتلت لسنوات عديدة، لذلك سأعمل على مصالحتها لتكون لدينا حكومة تجمع الناس". ووعد بمكافحة الفساد والإرهاب. وتعهد المرشحون في الانتخابات التي تأجلت مراراً، منذ أغسطس/آب الماضي، بتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية. لكن هذه المناظرة والتي جرت على جلستين، تخللتها العديد من الشوائب، أبرزها غياب أغلب المرشحين عنها، ومنهم الرئيس السابق، حسن شيخ محمود. كما أن ناخبين شكوا من أن المناظرة كانت مجرد جلسة أسئلة وأجوبة تجاهلت ما يشغل الناس بشأن حياتهم اليومية.
وبدت العاصمة مقديشو، قبل يوم الانتخابات، كثكنة عسكرية، إذ أغلقت كل الشوارع الرئيسية، خصوصاً المؤدية إلى مبنى البرلمان، كما نُشرت قوات أمنية كثيفة في كل أنحاء العاصمة تحسباً لأي حدث يُعطل العملية الانتخابية. واتخذت السلطات العديد من الخطوات لتأمين العملية الانتخابية، فقد أعلن وزير النقل والطيران المدني في الحكومة الصومالية، علي أحمد جامع، أمس الثلاثاء، إغلاق مطار "آدم عبدالله" الدولي في مقديشو، ووقف الرحلات الجوية من العاصمة وإليها، اليوم الأربعاء، فيما تستمر الرحلات في بقية المطارات من دون تغيير.
واستجابة لمخاوف بعض المرشحين من احتمال تزوير الانتخابات، غيّرت لجنة الانتخابات الرئاسية مكان إجراء الاقتراع الرئاسي من مقر أكاديمية الشرطة، التي شهدت انتخابات 2012، إلى موقع آخر قريب من مطار مقديشو. وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الصومالية عن منح موظفي القطاع العام والخاص إجازة لمدة يومين، ابتداء من يوم أمس. كذلك عقدت لجنة من الأمم المتحدة، اجتماعاً مع لجنة الانتخابات البرلمانية وهيئة نزاهة الانتخابات التي شُكلت حديثاً، قبل يومين لبحث مواجهة أي فساد في العملية الانتخابية، وجرى الاتفاق على إلغاء نتائج أي مرشح يُشتبه بتورطه بشراء أصوات.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية في ظل أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية صعبة تمر بها البلاد. وتخوض الصومال حرباً، منذ سنوات، ضد حركة "الشباب" التي تأسست مطلع 2004. وكانت الحركة قد تعهّدت في وقت سابق بالإطاحة بالسلطات في مقديشو، ونفذت العديد من الهجمات في العاصمة ومناطق أخرى. كما يعاني الصومال من انتشار كبير للفساد، إذ صنّفت منظمة الشفافية الدولية، البلاد على رأس أكثر الدول فساداً في العالم للعام 2016.
كذلك فإن البلاد باتت على شفير الانزلاق مرة جديدة نحو المجاعة بسبب الجفاف الذي يضربها. ووفق إعلان لمنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الصومال، بيتر دي كليرك، قبل نحو شهر، فإن الصومال "يمر بحالة جفاف شديدة جداً، وهناك خمسة ملايين شخص، أي ما يزيد على 40 في المائة من السكان، في حاجة إلى مساعدات غذائية لأنه ليس لديهم ما يكفيهم من الطعام بسبب رابع موسم للجفاف على التوالي".