الدعوة إلى هذه الانتخابات، التي جاءت عبر مرسوم أصدره رئيس النظام بشار الأسد، تبدو كما قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، "استفزازية وغير واقعية"، سواء لجهة المناخ السياسي الخاص بسورية، إذ ينهمك النظام والمعارضة، ومعهما المجتمع الدولي، في محادثات جنيف التي تبحث مستقبل البلاد، بما في ذلك إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية يُفترض أن تتم في غضون 18 شهراً وفق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، أم لجهة أجواء البلد الذي يعاني الويلات بسبب الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، وما تسببت به من مشاكل للسكان الذين بات أكثر من نصفهم خارج بيوتهم، وملايين منهم خارج البلاد.
وكان لافتاً في هذه الانتخابات، وخلافاً لسابقاتها، أن القيادة القطرية لحزب "البعث" أصدرت قائمتها الانتخابية التي سمّتها "قائمة الوحدة الوطنية". وفي الانتخابات السابقة، كانت تصدر مثل هذه القائمة عما يسمى "الجبهة الوطنية التقدّمية" والتي تضم حزب "البعث" ومجموعة أخرى من الأحزاب المنضوية تحت جناح السلطة، إذ كان ينجح جميع أعضاء هذه القائمة بشكل تلقائي، بينما يتنافس المستقلون على ذيل القائمة، ولا يزيد عددهم عن الربع في أحسن الأحوال.
كما يُلاحظ في هذه الانتخابات التي يشارك فيها 11300 مرشح، أنه جرى في بعض المحافظات "تعيين" معظم النواب المستقبليين، ولم يُترك لـ"المستقلين" سوى نائب واحد أو اثنين، كما حال محافظتي الرقة والسويداء، ما يؤشر إلى رغبة السلطة في الإمساك بشكل واضح بمجلس الشعب الجديد، على الرغم من أن تاريخ هذا المجلس، في ظل حكم آل الاسد، لا يسجل أية محاولات للتمرد أو الخروج من عباءة السلطة. وما يدعم ذلك أيضاً، أن قائمة المرشحين تضم أعداداً أقل من الشخصيات المعروفة سواء من التجار ام رجال الدين، مقابل زيادة نسبة المغمورين والذين يعتقد أن أفرع الاستخبارات هي التي تقف خلفهم.
ومن المفارقات أن بعض مرشحي النظام من "المستقلين"، يقومون بإنفاق ملايين الليرات السورية على حملاتهم الانتخابية في مجاراة لرغبة النظام في إظهار أن الحياة في البلاد طبيعية، وأن كل مؤسسات الدولة تعمل ولا ينقصها سوى "مجلس شعب منتخب"، بينما هذه السلطة لا تسيطر فعلياً سوى على ربع أو خمس مساحة البلاد، وربع مواردها.
وفي مدينة دمشق، كانت "قائمة الشام" التي يتزعمها رجل الأعمال محمد حمشو المتحالف مع رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) هي أول المتقدمين لـ"السباق الانتخابي"، ثم قائمة "دمشق"، فضلاً عن القائمة الأهم، وهي "قائمة الوحدة الوطنية" الصادرة عن حزب "البعث". ولا يعير ما تبقى من سكان المدينة اهتماماً كبيراً لهذه الانتخابات، أما الوافدون إليها من الريف الدمشقي، ومن بقية المحافظات، وباتوا هم الأكثرية، فهم مشغولون بأمور أكثر أهمية تتصل بتأمين قوتهم اليومي، وسبل الحفاظ على حياتهم. وفي تعبير لا يخلو من دلالة، قامت حملات شبابية بتنظيف الجدران من صور المرشحين، قائلة إنها تشوه منظر المدينة.
اقرأ أيضاً: تحركات ما بعد جنيف2: تفاهمات "الثماني ساعات" تقلق المعارضة
أما في أحياء حلب الغربية التي يسيطر عليها النظام، فهي تعيش بلا كهرباء منذ 8 أشهر وبلا ماء منذ 3 أشهر، وعلى الرغم من ذلك، تجد "أثرياء الحرب" الجدد المتحالفين مع النظام، وأغلبهم شبيحة تابعون للجان الشعبية وقادة تشكيلات عسكرية، ينفقون بعض ما جنوه من أموال السرقة والاحتكار على "حملاتهم الانتخابية"، في مشاهد تستفز مشاعر السكان المعدمين. ويقوم أحد المرشحين بتوزيع الحلوى على المواطنين في الشوارع يومياً، إضافة إلى أنه وزع ألفي "أركيلة". هذا المرشح، ويدعى محمد ربيع عفر، هو من زعماء "الشبيحة" في المدينة، ويتفاخر في خطبه أمام أنصاره بأنه يقود 900 مقاتل من شبيحة مدينة حلب. وفي حملته هذه، يسعى أيضاً إلى جذب الشباب العاطلين عن العمل للانضمام إلى مجموعته التي تقاتل إلى جانب قوات النظام.
ويقوم أنصار هذا المرشح، وسواه من مرشحي النظام، بعمليات سرقة ومصادرة علنية للمساعدات الوافدة إلى المدينة بغية الإنفاق على حملاتهم الانتخابية. وقال ناشطون إن المدينة تعاني شحاً في المواد الغذائية إثر امتناع أصحاب الشاحنات عن الدخول إليها عبر حاجز السلمية، عن طريق خناصر، بسبب قيام حواجز مرشحي النظام بفرض ضرائب كبيرة عليهم، فضلاً عن اختفاء العديد من الشاحنات على هذا الطريق.
أما مرشحو محافظة الحسكة، فاللافت أن جميعهم من مليشيا "الدفاع الوطني"، في حين قررت السلطات إجراء الانتخابات في محافظة إدلب التي تخضع لسيطرة المعارضة منذ عام في مدينتي حماة وحلب. كما أعلن عدد من مرشحي "المحافظات الساخنة" وهي حلب وريفها وإدلب والرقة ودير الزور، عن حملاتهم الانتخابية في أحياء وشوارع دمشق مكتفين بذكر أسمائهم والشهادات التي يحملونها والقطاع الذي ينتمون إليه. وقال رئيس اللجنة القضائية الفرعية في دمشق عرفان العدس، إن اللجنة تدرس مع محافظ دمشق تحديد مراكز أبناء "المناطق الساخنة"، وذلك إما بالسماح للناخبين من تلك المحافظات بالانتخاب في المراكز المخصصة لأبناء محافظة دمشق، أو تحديد مراكز خاصة بهم.
ومن غير المرجح أن تشارك المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد في هذه الانتخابات، على الرغم من وجود مرشحين أكراد من خارج هذه المناطق، فيما لوحظ حرص النظام على إظهار مشاركة ممثلين عن أقليات عرقية أخرى مثل الأرمن، الذين يشارك 15 منهم عن مدينة حلب و3 في دمشق. وتُركّز الشعارات التي يرفعها المرشحون على عودة الأمن وبناء الوطن في "سورية الجديدة"، بينما غابت عن اللافتات والصور التي رفعها المرشحون، الشعارات التي تدعو إلى تحسين معيشة المواطن وتخفيض الأسعار. وعمد عدد من المرشحين إلى وضع صورة المسجد الأقصى كخلفية لصورهم في إشارة منهم إلى أن القضية الفلسطينية هي جزء من القضايا التي سيطرحها المرشحون تحت قبة المجلس.
وبينما دأب المسؤولون في المحافظات المختلفة على وصف إجراء هذه الانتخابات في موعدها بأنه "نصر سياسي" و"تجسيد لاستقلالية القرار وانتصار حقيقي لإرادة الشعب والقيادة في ظل الإنجازات التي يحققها أبطال الجيش السوري على امتداد ساحة الوطن"، لاقت هذه الانتخابات تهكماً حتى بين أوساط الموالين للنظام، الذين شبهوها بالرقص على الجثث وجراح الناس، ودعا بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي، "قيادة الجيش" إلى سحب كل مرشحي مجلس الشعب الجدد إلى الخدمة العسكرية، إذ إن عديدهم يساوي فرقة عسكرية كاملة "وبسبب حبهم للشعب السوري كما يعلنون بالتأكيد لن يرفضوا القتال إلى جانب الجيش".
اقرأ أيضاً: انتخابات النظام السوري... تمرّد على الروس أم استجابة لهم؟