تجري في مدينة طرابلس شمال لبنان، معركة انتخابية فرعية لشغل المقعد الذي شغر فيها إثر إبطال المجلس الدستوري نيابة ديما جمالي عن تيار "المستقبل"، الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري، في أجواء هادئة، وسط إقبال ضئيل لم يتجاوز الخمسة في المائة حتى ظهر الأحد، ما يعكس عدم اهتمام الشارع الطرابلسي بالحدث الذي تغيب عنه السياسة عموماً وسط ترجيح فوز جمالي.
وكانت صناديق الاقتراع افتتحت عند الساعة السابعة بتوقيت بيروت، ولم تتجاوز نسبة المشاركة حتى الساعة عتبة الـ5%، فيما التوقعات في المدينة تشير وفق معلومات "العربي الجديد"، إلى أنها لن تتجاوز عتبة الـ15% في أحسن الأحوال.
ويعود الإقبال الضعيف في المدينة لجملة من الأسباب، لعل أهمّها غياب التنافس فيها بعدما توافقت التيارات والشخصيات السياسية الرئيسية في المدينة (الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير السابق محمد الصفدي، الوزير السابق أشرف ريفي) على دعم مرشحة "المستقبل" جمالي، فيما اعتكفت قوى "8 آذار" والشخصيات المدعومة من قبل "حزب الله" عن خوض المعركة، التي تجري وفق القانون الأكثري.
وانتشرت على قنوات التلفزة اللبنانية في تغطيتها للحدث الانتخابي، مشاهد مماثلة من مطاعم الفول (الطعام الشعبي المعروف في المدينة الشمالية)، وهم يكررون أن تناول وجبة الفول أهمّ من التوجه إلى صناديق الاقتراع، كعلامة عن يأسهم من الطبقة السياسية في هذا البلد.
وعلمت "العربي الجديد" أن تيار "المستقبل" يحاول في هذه اللحظات حثّ الطرابلسيين على التصويت، وذلك عبر إما التواصل الهاتفي معهم وإما عبر المواكب السيارة التي تجوب المدينة في محاولة لتحميسهم على الاقتراع، بعدما تبين أن الحركة السياسية النشطة لـ"التيار" والوعود التي أغدقها على المدينة لم تفلح، وخصوصاً أن نسبة الاقتراع في لبنان تحددها الساعات الأولى، فيما تترك الساعات الأخيرة للمفاجآت، وهو ما يخشى منه تيار "المستقبل"، وتحديداً أن توعز أحزاب وشخصيات قوى "8 آذار" بالتصويت لأحد المرشحين الآخرين (مصباح الأحدب وعمر السيد ويحيى مولود)، وبالتالي صبّ نحو 16 ألف صوت لمصلحته يمكن أن يقلب العملية الانتخابية رأساً على عقب، في ظل الإقبال الضعيف الذي تشهده المدينة.
وحاول "المستقبل" خلال الأيام الماضية استعمال كل الأساليب الممكنة لحثّ الشارع الطرابلسي على التصويت لجمالي، ومن بينها زيارة الحريري شخصياً، وإطلاقه سلسلة من الوعود التي لم تؤد غرضها، ففضّل الطرابلسيون أن يمارسوا عاداتهم الصباحية في يوم الأحد بدل التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وشهد تيار "المستقبل" في السنوات الماضية تراجعاً كبيراً في المدينة، وخصوصاً في الأحياء الفقيرة منها، ويسجل البعض في المدينة عتبهم على طريقة تعامل تيار "المستقبل" مع المدينة، بوصفها صندوقاً انتخابياً لا أكثر، واستمراره في هذا النهج بدليل اختيار جمالي نفسها مجدداً للترشح، على الرغم من أنها لا تقيم في المدينة ولا تعرف الكثير عنها، وإن كانت ابنة رئيس بلديتها السابق.
وحاولت جمالي صباحاً أن تتوجه إلى الأحياء الفقيرة في المدينة، التي تعتبر خزاناً بشرياً عادة ما كان يمنح أصواته لـ"المستقبل"، لكن جولتها لم تنفع في رفع نسبة الإقبال، وخصوصاً أنها تبدو بالنسبة لهذه الأحياء مرشحة بعيدة عنهم وعن همومهم الاقتصادية والمعيشية، في مدينة تعتبر من أفقر مدن لبنان عموماً، كما أنه لا يمكنها التصويت في المدينة، بما أن سجلاتها الشخصية في بيروت لكون زوجها بيروتياً.
وأثارت النائب التي أسقطت نيابتها خلال الفترة الأخيرة الكثير من الجدل في طرابلس وفي لبنان، بسبب عدم قدرتها على تقديم خطاب سياسي متماسك، أو مشروع واضح، فيما ارتكزت في المقابل على إطلالاتها وأناقتها، وهو ما برز حتى في جولتها اليوم في الأحياء الفقيرة، الذي ترك الكثير من علامات الاستفهام حول مدى فهمها لواقع المدينة.
ورجّحت مصادر مطلعة في المدينة، أن يوصل أهالي طرابلس رسالة قاسية إلى تيار "المستقبل" عبر عدم المشاركة في الانتخابات، وخصوصاً أنه خلال زيارة الحريري للمدينة سمع الكثير من الكلام المنتقد لحالة المدينة، ولعدم تحريك "المستقبل" ساكناً خلال الأعوام الماضية.
كما برز في المدينة استياء عارم من الوعود الكاذبة التي عادة ما يطلقها "التيار" عند كل محطة انتخابية، مثل الوعد السابق خلال الانتخابات الماضية بنحو 900 ألف وظيفة، وهو رقم خيالي يستغبي الناس بالدرجة الأولى، كما في الدعاية التي حاول "التيار" ترويجها في الأيام الماضية، التي تقول بأن مؤتمر "سيدر" خصص نحو مليار دولار للمدينة، فيما الأرقام تشير إلى نحو 300 مليون فقط، وهو رقم زهيد لمدينة بحجم طرابلس، ولواقعها الاقتصادي.