انتخابات في الصحراء
شكلت الانتخابات، دائماً، منعطفا مهماً واستراتيجيّاً في مسار تكريس المشاركة السياسية للمواطنين، ومؤشراً حقيقيّاً عن مستوى نضج تلك الممارسة في أي نظام سياسي. وهي، بهذا الوصف، معيار عن مدى تنزيل النظام الحاكم مشروعه المجتمعي على أرضية انخراط أفراده فيه، بنوع من الوعي والانضباط لأدبيات الفعل السياسي. ولعل ذلك ما دفع أنظمة سياسية عديدة عبر العالم إلى الحرص على أن تحظى انتخاباتهم بأعلى نسب للمشاركة، لتأكيد مشروعية مشروعها المجتمعي وشرعية مؤسساتها الدستورية المنتخبة.
في المغرب، ظلت الأقاليم الصحراوية متميزة، على عادتها، في نيل أعلى نسب مشاركة في الانتخابات، الجماعية منها والتشريعية، وهو أمر يستدعي الفخر والاعتزاز، طبعاً، إن كان تعبيراً عن ممارسة ديمقراطية مواطنة، وتجسيداً لتطور الوعي السياسي المفترض استحضاره في مثل هذه المحطات المهمة، غير أن المتتبع للشأن المحلي في الصحراء يفاجأ بالبون الشاسع، حد التنافي، بين تلك النسب وطبيعة النخب التي تفرزها، وكذا الخلفية الحقيقية المؤطرة لهذه الممارسة، ما يترك، بدون شك، أثراً كبيراً على النتائج المحققة على مستوى تدبير الشأن العام، محلياً وجهوياً ووطنياً.
ولعل ذلك ما يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة هذه المفارقة ودلالاتها، وهل تحظى النخب السياسية المبرزة، تبعاً لذلك، بالشعبية المترجمة لتلك النسب؟ وما مدى اعتماد الأحزاب السياسية في تزكياتها على معايير النضالية والكفاءة والقدرة على التدبير، أم أن منطق الحظوة والقبيلة والرصيد المالي يظل الحاسم في المسألة؟
أسئلة تستمد مشروعية طرحها من تناقضات المشهد السياسي في الصحراء، من دون أن تنال حظها من الدراسة والتمحيص، ما دام الأمر أكثر تعقيداً مما يتصوره السائل.
فالقبيلة، بدون منازع، مكون أساسي في المجتمع، وهي تجمع بشري تربطه، بالأساس، روابط وأواصر الدم، إلى جانب روابط أخرى. كما أنها تعنى بالسهر على تدبير شؤون أفرادها وتحسين ظروف عيشهم وضمان التعاون والتكافل والتضامن فيما بينهم، بما لا يتعارض مع احترام باقي المكونات الاجتماعية، وبما لا يخل بالنظام العام والتماسك الاجتماعي، غير أن انخراط القبيلة، في أقاليمنا الجنوبية، كمكون اجتماعي تعددي فرضياً في اللعبة السياسية، وتلبسها بالأحزاب السياسية، أخل بالمشهد السياسي وأربكه. وأجج، في أحيان عديدة، صراعات وتصادمات قوية، تعسرت السلطة القائمة في احتوائها والحد من تداعياتها. فالقبائل في الصحراء أضحت أحزاباً سياسية، بلا وصل قانوني. إذ لها من ظروف الاشتغال والقدرة على التأطير والتعبئة، ما لا تتمتع به الأحزاب، ما دفع الأخيرة إلى طلب ودها والتقرب إليها، والاستجابة لمطالبها، بما يخدم مصالحها.