انتفاضة السويداء... حفرٌ في الواقع لا قفزٌ بالهواء
الأعذار والتبريرات التي ساقها النظام لإحداث شروخ عميقة في الجسد السوري لم تفلح في إنهاكه وإظهاره بلا روح، وبلا فعل. الأرواح السورية في كل الباد تنُعش بعضها البعض، وحبل السرة الممتد من السويداء ودرعا جنوباً إلى إدلب والرقة شمالاً، ومن دير الزور شرقاً إلى الحفة واللاذقية لم ينقطع يوماً.
تنتفض السويداء على الأسد اليوم وتعيد لحبل السرة تدفق الكرامة مجدداً، ومن يحاول تصوير ثورة مدينة السويداء على أنها قفز بالهواء لا حفر في الواقع، هو ذاته الذي وجد ثورة السوريين كلها خارج المألوف. والمألوف هنا نظرة استكانية وقدرية في ظل حكم الأسد، والاتهام في موقع الدفاع والعجز عن انتزاع المبادرة بالمعنى السياسي والجماهيري لم يغب.
هذه الحقيقة من الخطأ التغافل عنها أو تمويه النقاش بصددها من خلال رفع الصوت واقتصار الحديث عن مأزق المعارضة أو الأقليات التي لعب على وترها النظام، وفشل بعد تسعة أعوام من تسويق رتابة الانهيار الشامل بسيطرة وحشية ونصر على السوريين يفضي بأحسن أحواله للعودة مجدداً إلى الثورة والمطالبة بإسقاط النظام.
قبل عام 2011، كانت أسباب الثورة البديهية المعروفة ضد نظام الاستبداد والقمع والقهر ونظام الفساد والوظيفة تقود إلى بداهة اندلاع ثورة ضد نظام متشعب في سطوته الأمنية والاقتصادية. بعد تسعة أعوام من الثورة، ونصف قرن من الأسباب التي أضافت لها الثورة السورية ملايين الأسباب، أبسطها محاكمة النظام وأركانه كمجرمي حرب وبجرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية، فما بالنا اليوم مع التردي الشامل للانهيار على مستويات عميقة، لن ينفع معها الترقيع والتقطيب لحالة النظام المهترئة. ولم تعد تنفع الشعارات والبرامج والخطط التي باتت محل تندر واستهزاء في صفوف "حاضنته الشعبية".
في ثقافة النظام السوري، يظهر ترادف بين التصريحات والأفعال فقط حين يتعلق الأمر بقمع السوريين. وتظهر الحيرة والارتباك بين الفعل ورد الفعل على ما يدعيه من "مواجهة للعدو" أو "المؤامرة الكونية". هذه الحيرة ليست ضريبة كلامية وشعاراتية بقدر ما كانت قاسماً مشتركاً للمهمة المهمة الموكلة لوظيفة النظام الأساسية نحو ترسيخ هزيمة المجتمع السوري أمام مطالبه في الحرية والعدالة والمواطنة والكرامة الإنسانية.
انتفاضة السويداء أو ثورة أبنائها صورة للبدايات والنهايات الحتمية في الحفر العميق بواقع السوريين للخلاص من حكم الأسد، وتعرٍ للحقائق الدامغة بأن سيطرة الأسد ودعمه من قوى الاحتلال المختلفة على الأرض السورية، لن تحمي أبداً الطاغية المتزعزع والمهزوز أصلاً قبل قانون قيصر.