وأصدرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، بياناً، دانت فيه أحكام الإعدام وشككت في مصداقية واستقلالية القضاء المصري، فيما وصفت منظمة العفو الدولية الأحكام بأنها "مخزية". واتهمت الخارجية المصرية، في بيان شديد اللهجة، المفوضية الأممية بـ"الانحياز لجماعة الإخوان الإرهابية، والتسطيح، وترديد الأكاذيب عن القضاء المصري وزعزعة الثقة الدولية فيه". وبالتوازي مع ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية بديوان الخارجية أن عدداً من السفارات الأوروبية وبعض أعضاء البرلمان الأوروبي، من ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا والدنمارك، وكذلك مفوضية الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، تواصلوا مع إدارات التواصل المختلفة بوزارة الخارجية لاستطلاع أسباب الحكم "الصادم" بالنسبة لهم، خصوصاً ما يتعلق بإدانة المصور الصحافي محمود أبو زيد (شوكان)، وعدد كبير من المتهمين الذين لهم أقارب يحملون جنسيات أوروبية، فضلاً عن تعبيرهم عن حالة "استغراب" عامة من إدانة جميع المتهمين المقدمين للمحاكمة، وعدم تبرئة أي شخص، حتى غير المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.
وأضافت المصادر أن التساؤلات الغربية تصب في اتهام النظام المصري بالمضي قدماً في القمع الأمني للمعارضين، والتنكيل بمجموعات الإسلام السياسي، ما يمهد البيئة لإنتاج مجموعات إسلامية أكثر تطرفاً من تنظيم "داعش"، وخصوصاً أن بعض النواب الأوروبيين والدوائر الدبلوماسية حصلوا على معلومات استخباراتية تفيد بانتشار التطرف الديني في السجون المصرية، وتحول الآلاف من شبان جماعة "الإخوان" إلى أفكار أكثر تطرفاً، تقوم على تكفير الحاكم والمحكومين والنظام القضائي والجيش ووجوب محاربتهم بالقوة، فضلاً عن انتشار شهادات على مواقع التواصل الاجتماعي ودراسات أعدها باحثون أجانب مقيمون في مصر عن تحول الإسلاميين في السجون إلى قنبلة موقوتة لن تنفجر في وجه النظام الحاكم فقط، بل يمكن أن تمتد أخطارها إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وأوضحت المصادر أن الإدارة الجديدة، التي شكلها وزير الخارجية سامح شكري، للتعامل مع الدبلوماسيين والإعلاميين الأجانب بهدف تحسين صورة مصر في الخارج، ردت على العديد من تلك التساؤلات بإجابات لا تختلف كثيراً عن بيان الخارجية "الفظ" ضد باشليه، مصحوبة بتقارير عن أعداد قتلى الجيش والشرطة في أحداث فض اعتصام رابعة وما تلاه من أحداث في كرداسة بالجيزة وغيرها من مدن الصعيد، مصحوبة بتقرير عن الإجراءات التي شهدتها التحقيقات والمحاكمة الطويلة التي استغرقت 5 سنوات تقريباً قبل إصدار حكم الإدانة الأخير. وتوقعت المصادر أن تكون هذه التساؤلات والاعتراضات مقدمة لنقاشات أوسع مع السيسي في نيويورك حول حالة حقوق الإنسان، ومدى استقلال المؤسسات الدستورية والقضاء في مصر، فضلاً عن مسألة تطبيق قانون العمل الأهلي غير الديمقراطي، رغم وعود السيسي بتعديله، منذ العام الماضي، وقضية منظمات المجتمع المدني المجمدة حالياً خشية إثارة غضب الولايات المتحدة ودول أوروبا مع استمرار منع النشطاء من السفر والتحفظ على أموالهم. وعلى الرغم من الضغوط الإعلامية الغربية، ومن أحزاب اليسار على حكوماتها والبرلمان الأوروبي لتوقيع عقوبات على مصر، أو اتخاذ موقف حاسم إزاءها، خصوصاً منذ مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع العام 2016، ورغم تعدد التساؤلات المثارة والانتقادات الموجهة لمصر، تارة بسبب الأحكام القضائية، وتارة أخرى بسبب موجات اعتقال السياسيين المعارضين، فإن المصادر الدبلوماسية المصرية ترى أن "السيسي بلغ مرحلة من الثقة تمكّنه من السماح بإصدار أحكام ضخمة كالحكم الأخير في قضية اعتصام رابعة دون خوف من العواقب، بسبب ثقته بانشغال العواصم الغربية بمشاكلها المحلية والإقليمية، وعلى رأسها واشنطن المرتبكة، وبسبب تراجع الانتقادات الحكومية الغربية لمصر على وقع الامتيازات الاقتصادية التي يمنحها السيسي لشركات غربية ترتبط بالحكومات أو على صلة قوية بها".
واستخدم السيسي، منذ صعوده للسلطة، التعاقدات للتقرب من الحكومات الأجنبية، فأسند إلى شركة "روس آتوم" الروسية تنفيذ وتشغيل وإدارة محطة الضبعة النووية، فضلاً عن شراء مقاتلات "ميغ 29" ومروحيات "كا 52 كا". كما اشترى من فرنسا حاملتي المروحيات "ميسترال" و24 طائرة "رافال" ومنحها عقوداً لتوليد الكهرباء بمشروعات الطاقة الشمسية. كما منح السيسي الشركات الألمانية، وأبرزها "سيمنز"، عقوداً لإنشاء ورفع كفاءة محطات الكهرباء الرئيسية على مستوى الجمهورية، ومكنها من إنشاء شركات بالمساهمة مع الجيش، بقيمة إجمالية تخطت 8 مليارات يورو، وفي الوقت ذاته حصلت شركة "إيني" الإيطالية العملاقة للنفط والغاز على حق تشغيل وإنتاج الغاز الطبيعي من حقل "ظهر" العملاق، ليضاف لسلسلة مشروعاتها في مصر، والتي جعلت منها الشريك الأساسي للقاهرة في ذلك المجال، ساحبة البساط من شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية، خصوصاً على صعيد الحقول المكتشفة حديثاً. ثم أسند عملية توريد 100 جرار سكة حديد، بمبلغ 575 مليون دولار، لشركة "جنرال أليكتريك" الأميركية.
وكان مصدر دبلوماسي غربي قد قال لـ"العربي الجديد"، في إبريل/ نيسان الماضي، عقب أيام من بدء العملية العسكرية "سيناء 2018" في فبراير/ شباط الماضي، إن العواصم الغربية "تسلم بضرورة وجود السيسي كضامن لوجود سلطة قوية في مصر تسيطر على الجيش والشرطة ويسهل التفاهم معها لتحقيق الأهداف الإقليمية"، لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن العواصم تريد أن تعود مصر إلى وضع "يفصل بين ديكتاتورية النظام عسكرياً وأمنياً، وبين قدرة مؤسسات الدولة الأخرى على أداء عملها بكفاءة، مع إعطاء هامش أوسع للحريات السياسية والإعلام". لكنه استبعد أن تتعدى الضغوط الغربية سقف "المطالبة بتخفيف القيود على المجال العام وتحسين التعامل مع المعارضين، دون اتخاذ إجراءات تصعيدية اقتصادية أو سياسية".