تتزايد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية في بحر قطاع غزة، وتتضاعف معها معاناة الصيادين الفلسطينيين وأسرهم. وتنتهك إسرائيل التفاهمات بشأن البحر والصيد، المنصوص عليها في اتفاقية وقف إطلاق النار التي أبرمت عقب نهاية عدوان عام 2014، بضمانات مصرية. وتعتبر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنّ المقاومة الفلسطينية باتت تعتمد على البحر في تهريب أسلحتها، وهو ما يمكن تفنيده بسهولة، في ظل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية، القاسية والمعقدة، والممتدة على طول الشريط الساحلي، والتي قام الاحتلال بتشديدها أكثر فأكثر، منذ فرض الحصار والإغلاق على غزة.
واستشهد الصياد الفلسطيني، محمد أحمد الهسي، الذي أغرق الاحتلال الإسرائيلي قاربه، مساء الأربعاء الماضي، بعدما تعذر الوصول إلى جثمانه واعتباره منذ ذلك اليوم مفقوداً، وهو انتهاك من عشرات الانتهاكات اليومية ضد الصيادين في البحر. ولا يمر يوم في بحر غزة إلا وتسجل حالات اعتقال صيادين أو إغراق سفن صيد أو تمزيق شباك، أو إطلاق نار مباشر وغير مباشر على الصيادين ومراكبهم. وهذه الاعتداءات والانتهاكات باتت تتصاعد بشكل لافت في الآونة الأخيرة.
ويذكر قاسم أنّ "الأطراف الإقليمية المعنية بالاستقرار في القطاع عليها التحرك ضد الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على إنهاء احتلاله ورفع حصاره ووقف اعتداءاته بحق الفلسطينيين"، مشدداً على أنّ الاحتلال يتحمل تداعيات هذا الحصار.
في سياق متصل، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين، نزار عياش، لـ"العربي الجديد"، إن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصيادين لم تتوقف على مدار عشر سنوات، وتزداد بوتيرة متسارعة في الفترة الأخيرة، عبر إطلاق النار واستهداف الصيادين بشكل مباشر واعتقالهم ومصادرة معداتهم. ويضيف أنّ الاحتلال لم يلتزم بالاتفاقيات والمفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن اتفاقية وقف إطلاق النار والتي تشمل توسيع مساحة الصيد إلى 12 ميلاً بحرياً ووقف الاعتداءات اليومية المباشرة على الصيادين. ويشير إلى أنّ عام 2016 شهد اعتقال 130 صياداً فلسطينياً، وأن قوات الاحتلال صادرت ما يزيد على 37 مركبة ومنعت إدخال مستلزمات الصيد بشكل كامل عبر المعابر الحدودية التي تربط القطاع بالأراضي المحتلة عام 1948، لا سيما مادة الألياف الزجاجية (Fiberglass) الخاصة بتصنيع مراكب الصيد.
ويبيّن نقيب الصيادين أنهم توجهوا لرفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية عبر مراكز حقوق الإنسان الفلسطينية ضد الانتهاكات الإسرائيلية، إلا أن الاحتلال واجه ذلك بتكثيف اعتداءاته بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ووصلت الاعتداءات إلى حد استشهاد الصياد، الهسي، بعد دهس قاربه من قبل البحرية الإسرائيلية، وفق تأكيده.
وتقول مديرة مكتب "المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان" في الأراضي الفلسطينية، مها الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ إسرائيل لم تلتزم يوماً بالاتفاقيات والبنود التي وقعت عليها في ما يتعلق بحرية الحركة وحق المدنيين في الصيد. وتؤكد أن دولة الاحتلال لم تلتزم حتى ببنود اتفاقية أوسلو التي تقضي بالسماح للفلسطينيين بالإبحار حتى مسافة 20 ميلاً بحرياً مقابل شواطئ قطاع غزة. وتلفت إلى أنه "يتم منع الفلسطينيين دائماً من الإبحار حتى مسافة 12 ميلاً بحرياً في أفضل الأحوال"، مشيرةً إلى أنّ "المرصد" يوثّق عشرات الانتهاكات بحق الصيادين، والتي تحدث يومياً بأشكال متعددة، تتنوع ما بين حوادث إطلاق النار، والاعتقالات المتكررة، ومصادرة معدات الصيد وغيرها.
وجميع هذه الانتهاكات أدت إلى ضرب قطاع الصيد في القطاع، والذي يعتبر المهنة الرئيسية التي يعتمد عليها المواطنون بشكل أساسي إلى جانب مهنة الزراعة. وخلال عشرة أعوام من الحصار فقدَ نحو سبعة آلاف صياد مهنتهم بسبب شعورهم بعدم جدوى المهنة في ظل القيود الإسرائيلية المستمرة، وفق الحسيني. وتوضح أنّ فريق "المرصد الأورو-متوسطي" يوثّق هذه الانتهاكات بشكل دوري، ويقوم برفعها إلى مجالس حقوق الإنسان. وتضيف أن المرصد يتواصل مع المقررين الخاصين للأمم المتحدة المعنيين بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ويطالبهم بالضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل الوقوف عند التزاماتها كقوة احتلال مطالبة بحماية حقوق السكان المدنيين الذين يقعون تحت احتلالها.
وتقول الحسيني: "إنّ ما نحتاجه فعلياً لوقف هذه الانتهاكات بشكل جذري هو إرادة سياسية من المجتمع الدولي لحث إسرائيل جدياً على وقف تلك الانتهاكات، وفرض العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية عليها إن لم تف بالتزاماتها"، بحسب تعبيرها.