انتهاكات فترة الدكتاتورية لقادة "النهضة" التونسية على طاولة العدالة الانتقالية: شهادات للتاريخ
نظرت الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس اليوم الخميس، في ملف الانتهاكات التي طاولت شخصيات وقيادات من حركة الاتجاه الإسلامي، (النهضة حاليا) للفترة الممتدة من 1986 إلى 2005، حيث تم كشف جانب من الانتهاكات التي تعرض إليها أبناء الحركة في فترة الاستبداد، مؤكدين على ضرورة محاسبة الجلادين وخاصة رأس النظام.
وقال القيادي بحركة النهضة محمّد القلوي، والذي قدم شهادته اليوم في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ "من يجب أن يحاسب عن فترة الانتهاكات التي طاولتهم هو القيادة السياسية، أي الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي أصدر الأوامر للداخلية والسجون لتعذيب الإسلاميين"، مؤكدا أنّ رأس النظام مسؤول عما حصل من انتهاكات وليس أعوان التنفيذ.
وبين أن أعوان التنفيذ "طبقوا التعليمات التي صدرت من المخلوع وأتباعه، ولا يجب أن يتم نسيان ذلك"، مضيفا أنه عاش مرحلة الإيقافات من المرحلة الطلابية وكنقابي، حيث أوقف في أحداث 20 آذار 1981 وفي1987 من أجل الانتماء لجمعية غير مرخص لها، مؤكدا أنه تعرض للمحاسبة من أجل أفكاره وانتمائه السياسي، وطلب منه التخلي عن انتماءاته أو السجن، ثم حكم بـ15 سنة سجنا قضى منها بضع سنوات ثم أعيد اعتقاله في بداية التسعينات من أجل محاولة قلب نظام الحكم.
وأوضح القيادي أن العدالة الانتقالية "مهمة، وهي شكل من أشكال المعالجة النفسية للضحايا وما مروا به من انتهاكات، إذ لا وجود لآليات أخرى تمكن الضحية من الشعور بأهمية المحاسبة وتجاوز ما مرت به سوى العدالة"، معتبرا أنه "رغم تنامي الحديث عن جبر الضرر، إلا أنه لا يضاهي قيمة أن تشعر الضحية بأهمية المساواة والعدالة".
وأفاد المصدر ذاته، أنّه قضى أكثر من 20 سنة في السجن في التسعينات وحرم من العيش مع أبنائه، وهناك من حرم من عائلته ومن بناء حياته الاجتماعية مجددا، "وبالتالي لا توجد أي تعويضات تضاهي تلك المظالم"، مضيفا أنه لا يبحث عن التشفي في أعوان التنفيذ ومن قاموا بالانتهاكات، بل سيسامحهم لأنه يعتبرهم "نتاج سياسة قررها السياسي وليس الأعوان".
وأشار القلوي إلى أنه حضر في جلسة اليوم للإدلاء بشهادته وللاعتذار أيضا لأبناء حركة النهضة ممن عاشوا الانتهاكات، "خاصة وأنها كانت أضعاف ما تعرضوا إليه، وبالتالي لا بد من الاعتذار لهم"، مشيرا إلى أن هؤلاء نفذوا ما طلب ودافعوا عن أفكار وقيم آمنوا بها.
وذكر في هذا السياق، أنهم يعترفون بمسؤوليتهم عما طاول أبناء الحركة الناشطين من انتهاكات حينها، موضحا أنهم عملوا في فترة الاستبداد على حماية المؤسسة والحركة، مشيرا إلى أنه رغم أهمية القرارات التي استوجبها الدفاع عن المبادئ والحرية إلا أن عديدين دفعوا ثمنها باهظا.
وأكد القيادي في "النهضة" أنه "لا بد لممارسي الانتهاك أن يفهموا ضرورة كشف الحقيقة، وما مارسوه من تعذيب من أجل التاريخ والمستقبل ومن أجل البناء من جديد".
شهادات للتاريخ
من جانبه، بين النائب السابق والقيادي في حركة النهضة، نجيب مراد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه بعد مرور سنة وشهر تقريبا على جلسات العدالة الانتقالية، ورغم عدم حضور المنسوب إليهم الانتهاك في عديد الجلسات، إلا أن ما حصل طيلة هذه الفترة "يعتبر مكسبا كبيرا لكشف حقيقة الانتهاكات، وهي شهادات ستدخل التاريخ من خلال الحقائق والأسماء وأصناف التعذيب وآلاف المعلومات التي قدمت، وستبقى مسجلة في سجل المحاكم التونسية".
وأضاف مراد أن محمد القلوي الذي قدم شهادته اليوم "هو من أبرز القيادات التاريخية لحركة النهضة، وتعرض إلى معاناة كبيرة من أجل الدفاع عن مبادئ آمنوا بها جميعا في تلك الفترة، وقد سجن لأكثر من 20 سنة ولم يغادر السجن إلا في 25 يوليو 2007، وبالتالي فمهم جدا كشف ما تعرض إليه هؤلاء وما مروا به كي لا يتكرر ما حصل".