انشقاقات "طالبان": طموح شخصي تحت مظلة الحركة!

29 اغسطس 2014
تخوض "طالبان" حالياً معارك مع الجيش (عامر قرشي/فرانس برس/getty)
+ الخط -

على الرغم من قوة تنظيم الجماعات الإسلامية المسلّحة، كحركة "طالبان"، فإنّ الصراع على السلطة داخلها والخلافات بين قادتها يؤديان إلى حصول انشقاقات وتأسيس حركات جديدة، وهو ما حصل في الآونة الأخيرة مع حركة "طالبان" ـ باكستان، ما يمكن أن يؤثر على الحرب التي تخوضها ضدّ الجيش الباكستاني في المنطقة القبلية الشمالية الغربية.

مع ذلك، فإنّ هذه الانشقاقات وتأسيس حركات جديدة، لا يحملان فكراً جديداً يختلف عن فكر"طالبان"؛ هو المنهج والهدف نفسه: تطبيق الشريعة الإسلامية وفق منظورها، ولذلك فإنّ أيّ حركة تُنشأ تبقى ناشطة تحت مظلة "طالبان".

وأدّت الخلافات الداخلية في الحركة إلى إعلان قياديين في الحركة الانشقاق، في خطوة هي الثانية من نوعها منذ تأسيس الحركة على يد بيعة الله محسود في2007، وتشكيل جماعة جديدة تحت اسم "جماعة الأحرار"، التي سيتزعمها القيادي السابق في "طالبان" قاسم عمر خراساني. ويضم مجلس شورى "جماعة الأحرار" قيادات بارزة في الحركة، وفي مقدّمتها أمير فرع مهمند، خالد خراساني، والمتحدث السابق للحركة، إحسان الله إحسان الله، والقيادي في فرع بيشاور، مفتي مصباح، وقاري شكيل من فرع شارسدة، والمولوي ياسين من فرع سوات، والقيادي قاري إسماعيل، من فرع مقاطعة خيبر. ومعظم هؤلاء كانوا قادة معروفين في الحركة.

وبرّر أمير فرع مهمند في "طالبان" سابقاً وعضو شورى جماعة الأحرار حالياً، خالد خرساني، تشكيل جماعة جديدة بقوله، إنّ حركة "طالبان" كانت معرّضة لمزيد من الانقسامات، لكن تشكيل جماعة موحّدة (جماعة الأحرار) سيضع حداً لتلك الانقسامات، وسيؤمن المظلة لمقاتلي الحركة كي يواصلوا طريقهم.

بدوره، شدّد المتحدث الحالي لـ"جماعة الأحرار" إحسان الله إحسان، على أنّ تشكيل الجماعة الجديدة هو بمثابة إعادة تأسيس الحركة تحت قيادة جديدة تضم فصائل وأفرعاً الحركة. وقال إن الحركة الجديدة تتعهد بجمع شملها، والحفاظ على التضحيات التي قدّمتها الحركة الأم "طالبان" منذ انطلاقها في 2007.

أما زعيم "جماعة الأحرار" قاسم عمر خراساني، الذي كان يقود سابقاً جماعة "أحرار الهند"، فقد أعلن بوضوح أن الهدف هو تطبيق الشريعة في باكستان والعالم، كما انتقد قيادة "طالبان" في تسجيل مصور له أثناء إعلانه عن تأسيس الجماعة، متهماً إياها بتقديم مصالحها الشخصية على أهداف الحركة، مما أدى إلى تشتيت الأخيرة.

ورأى البعض أن إعلان تشكيل "جماعة الأحرار" انشقاق جديد عن الحركة، مشيرين إلى أنّ الحركة باتت الآن تنقسم إلى ثلاث جماعات رئيسية: "طالبان ـ باكستان"، التي يتزعمها المولوي فضل الله، و"طالبان ـ محسود" التي يتزعمها خالد محسود المعروف في أوساط "طالبان" بسيد خان سجنا، و"جماعة الأحرار". غير أن كثيرين من المراقبين اعتبروا إعلان جماعة الأحرار إعادة تأسيس لحركة "طالبان".

وفي هذا الصدد، رأى أحد القياديين في حزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم وعضو البرلمان خورم دستكير، أن "جماعة الأحرار" صورة أصلية لحركة "طالبان ـ باكستان"، التي كانت في أيامها الأولى. وزعم أن تأسيس الجماعة أخطر من الأزمة السياسية التي تشهدها باكستان حالياً إثر الاعتصامات المفتوحة التي تقودها المعارضة لإسقاط حكومة نواز شريف.

كما حذرت السلطات الباكستانية من تدهور الأوضاع الأمنية بعد إعلان تشكيل "جماعة الأحرار"، معتبرةً أنّ تأسيس الجماعة هو بمثابة توحيد صفوف "طالبان" من جديد، بعد خلافات بين فصائل متناحرة، أدّت إلى مقتل عشرات من المقاتلين في شهر يونيو/ حزيران الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن "فرع محسود"، الذي يتزعمه خالد محسود، انفصل عن حركة "طالبان" في شهر يونيو/حزيران الماضي، وأطلق على جماعته تسمية "طالبان محسود". وكان سبب الانشقاق التفاوض بين الحكومة و"طالبان"؛ فكان "فرع محسود" يصرّ على المضي قدماً في التفاوض مع الحكومة، بينما رفضت الحركة مواصلة عملية الحوار.

سبعة مميزات لـ"جماعة الأحرار"

غير أن هناك أموراً تميز "جماعة الأحرار" عن حركة "طالبان" نفسها، وعن "طالبان ـ محسود"، وهي:

أولاً، أنّ معظم قيادات "جماعة الأحرار" ميدانيون، ولهم نفوذ واسع داخل مقاتلي الحركة، وعلى وجه التحديد خالد خراساني وقاري شكيل وإحسان الله إحسان وزعيم الحركة نفسه، قاسم عمر خراساني.

ثانياً، لا تنحصر شعبية ونفوذ قيادات "جماعة الأحرار" في المناطق القبلية، بل لها نفوذ واسع في المدن الباكستانية وحتى في إقليم البنجاب؛ فمعظم أتباع قاسم خراساني كانوا من إقليم البنجاب وهم منفّذو معظم الهجمات ضدّ الحكومة والسطات الباكستانية في الإقليم، ما يعني أن الجماعة لن تبقى منحصرة بالمناطق القبلية.

ثالثاً، أنّ قيادات الجماعة كانت قد رفضت سابقاً التفاوض مع الحكومة أو الجيش الباكستاني؛ فزعيم الجماعة قاسم خراساني أعلن انشقاقه وتشكيل جماعة "أحرار الهند" قبل ذلك، بعد بدء "طالبان" المفاوضات مع الحكومة الباكستانية. واعتبر في حينه أن الهدف من المفاوضات اغتيال قيادات "طالبان" فحسب؛ السبب نفسه دفع بإحسان الله إحسان إلى الانشقاق في الفترة الأخيرة.

رابعاً، لا يوجد أي نفوذ لقيادات "جماعة الأحرار" في الشطر الثاني من الحدود أي في أفغانستان، وليس لهم أي نشاط هناك بخلاف حركة "طالبان ـ باكستان"، و"طالبان ـ محسود". ما يعني أن تركيز الجماعة سيكون على العمليات داخل باكستان في المرحلة الأولى على الأقل.

خامساً، قيادات "جماعة الأحرار" معروفون بالتشدّد في التعامل مع الحكومة والجيش وكل من ينتسب إليهما. وأخيراً، إنّ قيادات الجماعة تدعو دائماّ إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان وشبه القارة الهندية ثم في العالم أجمع. من هنا يرى مراقبون أن الجماعة قد تتمتع بصلة قوية مع الحركات الجهادية خارج باكستان، كتنظيم "القاعدة" وحركة أوزبكستان الإسلامية وغيرها من الحركات المحلية والعالمية.

ويعتقد المحلل الأمني وخبير الشؤون القبلية، شفاعت خان، أن تشكيل "جماعة الأحرار" هو إعادة تأسيس الحركة، وهي أخطر من أي جماعة مسلّحة أخرى، ويتوقع خان أن تنضم إليها فصائل وأفرع "طالبان" المتبقية.

 

المساهمون