انشقاقات في صفوف "داعش" بالجناحين السوري والعراقي

06 ابريل 2017
قوات عراقية بعد تحرير مناطق في الموصل (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -

في أقلّ من ساعة واحدة، تحوّل أيهم صالح (35 عاماً) إلى "كافر" بعدما كان من "ثلّة المؤمنين". فصالح قرر ترك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والاتجاه إلى أحد الفصائل السورية المعارضة، بسبب ما يقول عنه "اكتشاف حقيقة التنظيم وإيغاله بدماء أهله وإفساده للثورة السورية، وتحوله إلى دثار لنظام بشار الأسد وإيران والروس، الذين يمارسون من خلاله القتل والإرهاب، بحجة الحرب على الإرهاب".

حالة أيهم تكررت كثيراً في سورية والعراق منذ مطلع العام الحالي، وبحسب شهادات ميدانية ومصادر مقرّبة من التنظيم، فإن ما لا يقلّ عن 200 مسلح في "داعش" انشقوا عنه بعد هروبهم بطرق مختلفة من تحت سيطرته، ولجوئهم إلى مدن وبلدات أخرى خارج نطاق سلطته، وغالبيتهم من المحليين الذين يطلق عليهم التنظيم "الأنصار" (عراقيين وسوريين)، وبينهم شخص واحد فقط من جنسية أوروبية نجح في العودة إلى بلاده عبر تركيا.

بدوره، وصف "داعش" تلك الانشقاقات بأنها "تمحيص الصفوف وإخراج المنافقين والمرجفين من شرف القتال بدولة الخلافة"، وفقاً لمنشور وخطبة جمعة ألقاها الشيخ حسن الإدلبي في دير الزور الأسبوع الماضي، عقب صلاة الجمعة، متوّعداً بـ"فصل رؤوسهم عن أجسادهم حال الظفر بهم، بسبب كونهم تحولوا من الإيمان إلى الكفر".

إلا أن الظاهرة تستمر في العراق أو سورية بنحو مختلف تماماً بين الجناحين، ففي العراق يكون الانفصال عن التنظيم بالهرب من مناطق سيطرته والتخفي عن الأنظار، ريثما يحصل على جواز سفر يمكنه من مغادرة العراق، بينما في سورية ينزع المسلح ولاءه للتنظيم لصالح فصيل أو جبهة معارضة.

في هذا السياق، يشير تقرير لوزارة الدفاع العراقية صادر عن مديرية الاستخبارات العسكرية، إلى "وجود عشرات الأشخاص المغرر بهم في مناطق أقصى غرب الأنبار، ممن انضموا للتنظيم وعملوا في مجالات إدارية، كديوان الحسبة والزراعة والزكاة وغيرها يريدون ضمانات بمحاكمة عادلة مقابل تسليم أنفسهم". ويوصي التقرير بـ"فتح ممرات آمنة لهم في وقت سريع للاستفادة منهم في التعرف على التنظيم من الداخل".

من جهته، يقول العقيد الركن عبد الرضا الطالبي لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة انشقاق أفراد أو جماعات صغيرة من التنظيم مؤشر جيد، لكن يجب ألا نحكم بأنها بداية تشتت التنظيم". ويضيف أن "العدد الكلي لأفراد التنظيم حالياً في العراق ككل، لا يتجاوز سبعة آلاف عنصر بعد أن كان نهاية عام 2014 نحو 30 ألف مقاتل".



الطالبي، وهو أحد الضباط الذين يشرفون على عملية جمع المعلومات وتحليلها من مناطق تواجد "داعش" في العراق، يبيّن أن "داعش في أحد المعارك التي انكسر بها، قام بإطلاق النار على العشرات من مسلّحيه الذين فروا من المعركة. ووجدنا وثائق لهم تتحدث عن ضرورة إبعاد (المترددين في القتال وضعيفي الإيمان). لذا أعتقد بأن انشقاقهم سيجعل من تبقى من عناصر التنظيم الأساس، وهذا مهم بالنسبة لنا فتحديد خطر خمسة آلاف إرهابي أفضل من بقاء متابعة 10 آلاف تشتت الجهود والوقت".

مع العلم أنه في العراق انشق الشهر الماضي ثلاثة من قيادات "داعش"، بينها رجل في العقد السادس من العمر يدعى أبو أحمد العبيدي، وهو ممن يُعرفون بمصطلح "الشرعيين"، ويُقصد بهم أعضاء الهيئة الشرعية التي يشكّلها التنظيم في كل مدينة يسيطر عليها وتناط بها مهام تنفيذ الأحكام والعقوبات.

وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد" من داخل بلدة الحويجة (55 كيلومتراً جنوب غربي كركوك)، التي يسيطر عليها التنظيم منذ نحو ثلاث سنوات، فإن "العبيدي اعترض على ما وصفه الإيغال بدماء المسلمين، وارتجالية قرارات الإعدام التي تنفذ بناءً على الشك".

و"فتوى الشك" أطلقها عدد من قادة "داعش" وتقوم على "مخالفة الحكم الإسلامي المعروف التثبت بالدليل قبل الحكم"، التي تتيح لعناصر "داعش" القتل على "الشك لمن يعتقد بأن لديهم علاقة مع القوات العراقية الحكومية أو الاستخبارات الأميركية التي باتت تنشط بشكل كبير بمحيط مناطق التنظيم". والعبيدي نجح في الوصول إلى مدينة السليمانية بإقليم كردستان، ومن خلالها غادر العراق مع أسرته.

في الموصل، التي لم يتبقّ للتنظيم سوى ثلثها، تبدو صورة الانشقاقات أوسع، فما أن يتيقن المقاتلون أنهم خسروا هذا الحي، حتى يلقوا سلاحهم ويتحولوا إلى مدنيين عاديين، بينما باقي عناصر "داعش" ينسحبون إلى مناطق أخرى أو يواصلون القتال حتى الموت.

في هذا الصدد، يقول قائد عمليات نينوى بالجيش اللواء الركن نجم الجبوري لـ"العربي الجديد"، إن "قواته تحاول الوصول إلى المنشقين واعتقالهم بعد التعرف على هوياتهم". ويتابع "بعضهم منشقون فعلاً والآخرون تحولوا لخلايا نائمة بأمر من زعيمهم أبو بكر البغدادي". ويؤكد أنهم "يسعون للحصول على معلومات استخبارية مهمة منهم".

وحول ذلك يلفت الخبير بشؤون الجماعات المسلحة أحمد السعدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "انكسار التنظيم وتبيان فشل مشروعه في النهاية، سبب رئيس لتلك الانشقاقات. كما أن تصرفاته داخل المدن التي يسيطر عليها دفعت بالكثير من عناصره لمراجعة حساباته". ويشير إلى أن "عشرات الانشقاقات تحدث شهرياً في صفوفه، خصوصاً داخل سورية لصالح فصائل أخرى. أما في العراق فيكون الانشقاق بإلقاء السلاح فقط، ونادراً ما يتم تسليم أنفسهم لغياب الثقة بالقضاء العراقي وبالقوات الحكومية التي تمتهن الإعدامات الميدانية كطريقة تعامل مع المسلحين". ويرجّح أن "تكون هذه بداية لاضمحلال التنظيم وتحوله إلى خلايا خيطية معقدة، تهدد الأمن بالعراق لكن ليس على مستوى السيطرة على المدن".